الجمعة 28 كانون الثاني 2022 09:35 ص |
بالنظام - الميثاقية (٢) |
* جنوبيات يجهد البعض في إقناع اللبنانيين بأنهم مختلفون جداً عن بعضهم وأنهم في الشأن العام والعلاقة مع الدولة، طوائف فحسب، ولا يجمع بينهم شيء، وليسوا شعباً واحداً قابلاً للحياة المشتركة أو قادراً على إدارة شؤونه بطريقة حضارية. أصحاب هذه المنطلقات نوعان، الأول يشمل "المرجعيات" السياسية/ الطائفية التي ترتبط مصالحها ببقاء الحال القائمة وباستمرار الاستقطاب الذي يضمن لهم ولاء جماعة من المواطنين المشتركين معهم بالانتماء الديني الشكلي أو الحقيقي لا فرق. وبذلك تستمر فكرة المرجعية أو الزعامة التي لا تحتاج إلى إقناع الموالين لها بأية برامج من أجل الفوز بالمناصب بل فقط إلى شدّ عصب طائفي عند كل استحقاق وعند الحاجة. والنوع الثاني يتكون من المواطنين الذين تم إيهامهم بأن هذا المصير النهائي للبنان ولا قدرة لأي كان على تغييره وسلّموا بالتالي أمرهم إلى تلك المرجعيات. الأحزاب الحاكمة في لبنان تتوافق أو تتخاصم حول الاحجام او الحصص ولكنها تتشابه أو تتماثل في التكوين. كلها متناقضة مع تعريف الحزب السياسي. وهي لا تتناقض في ما بينها بل تخاصم وخصومات ظرفية وتقاطعات وجودية. معظم الأحزاب السياسية في لبنان تشكيلات طائفية تتمترس عند حدود الطوائف التي تتكون منها قواعدها وهي في تكوينها أو في خطابها أو في ممارستها تقع تحت حكم المادة 317 من قانون العقوبات التي تعاقب "كل عمل وكل كتابة وكل خطاب يقصد منها أو ينتج عنها اثارة النعرات المذهبية او العنصرية او الحض على النزاع بين الطوائف ومختلف عناصر الامة". نظرة على الواقع الراهن للأحزاب الممثلة في المجلس النيابي تظهر أنها تجمعات من لون طائفي واحد، مع وجود أعداد ضئيلة من الأفراد من طوائف أخرى من دون تأثير. وأن سياسة الحزب غالباً ما تتمحور حول مصلحة الجماعة الطائفية الطاغية في الحزب وتتركز حول مواقف وطموحات زعيم الحزب. أما الأحزاب التي نشأت علمانية فقد شاركت هي أيضاً في الحرب في جبهات الصراع الطائفي وتلوثت بالدماء الطائفية أو التحقت بأحزاب طائفية دينية، وإن تحت عناوين وطنية أو قومية أو في الصراع مع العدو. السؤال المطروح، هل يترتب على انسحاب احدهم من اللعبة أو مقاطعته للانتخابات، غياب الميثاقية؟ الجواب طبعاً بالنفي إذا ما تمسكنا بالمفهوم الصحيح للميثاقية التي شرحها منذ العام ١٩٩٠ العلامة ادمون رباط شرحاً صحيحاً. فوفق الفقرة (ي) من الدستور تُعتبر أية سلطة غير شرعية إذا تصرف من يشغلها بصورة طائفية أو تسبب بانقسامات طائفية. هذا هو المعنى الصحيح للميثاقية، أما الاحتكار الطائفي للمقاعد المخصصة في البرلمان والحكومة لأبناء طائفة من الطوائف اللبنانية أو حيازة معظم تلك المقاعد، للتمكن من ممارسة الاعتكاف أو الانسحاب أو التعليق وغيرها من المواقف، فهو بذاته ممارسة طائفية غير ميثاقية وخرق لميثاق العيش المشترك. بهذا المعنى، انحرفت جميع الاحزاب والقوى السياسية عن صراط الميثاقية إذ اعتمدت العصب الطائفي وسيلة للحشد السياسي للمؤيدين والمحازبين. المشكلة اذاً ليست في انسحاب احدهم بل في عدم انسحاب جميعهم. المشكلة تكون نفسية طائفية اذا ما شعر أبناء طائفة انهم وحدهم دون سواهم ليس لهم زعيم طائفي سياسي يجلس مع الآخرين على طاولة المحاصصة الوطنية. نعم هنا تكمن المشكلة. والحل المأمول أن يكون لانسحاب أحدهم مفعول الدومينو، وأن تلحق به أحجار دومينو السلطة الحالية، وأن تتشكل بالتوازي قوى سياسية وطنية تحمل برامج حقيقية لا مشاريع سلطة لشخص زعيمها أو مصالح جماعته. المصدر :النهار |