الأربعاء 2 شباط 2022 19:48 م |
رغيد الصلح.. أن يكون المثقف جسراً |
مع كل ذكرى سنوية تمرّ على رحيل صديق العمر ورفيق الأيام الصعبة الدكتور رغيد كاظم الصلح قبل 4 سنوات ، أتساءل ماذا عساني أن أكتب عنه، بعد كل ما كتبته وكتبه العديد من أصدقائه الكثر في الوطن الكبير كما في المهاجر. لكن أمثال رغيد الصلح ليسوا مجرّد أشخاص يمكنك أن تلخصّهم بجملة فضائل وذكريات، بل هو تجربة فكرية وسياسية عميقة، ورحلة وطنية وقومية عامرة بكل الأحداث المهمة والخطيرة، بل هو نبع ثقافي ونضالي لا ينضب. فعلى مدى السنوات الستين التي عشناها معاً، ومع ثلّة من الرفاق والأصدقاء، أتيح لي كما لآخرين أن نلمس في الرجل الذي جمع بين الفكر والنضال، بين الثقافة والسياسة، إيماناَ عميقاً بأمرين: بلبنان الواحد الذي رأى فيه رغيد قيمة يعتزّ بها أبناؤه وحاجة يُدرك أهميتها أشقاؤه، وبالعروبة الديمقراطية التي تعتزّ بها الأمّة وتنحو على طريقها مناحي الوحدة والتقدم والتنمية. لقد كان رغيد، منذ أن جمعتنا مقاعد الدراسة الثانوية في أواخر خمسينيات القرن الفائت، حتى رحيله، قلقاً على لبنان من جوائح تعصف به، أين منها جائحة كورونا، وعلى الأمة العربية من زلازل تسعى إلى زعزعة أسس وحدتها وتماسكها. وحين اختار رغيد عنواناً لكتابه الأبرز، بل لأطروحة الدكتوراه، "لبنان والعروبة"، كان يشير إلى قلقه المزدوج على لبنان والعروبة معاً، على لبنان الذي لا ينهض إلاّ بالعروبة التحررية وبوصلتها فلسطين، وعلى العروبة التي لا تزدهر إلاّ إذا استفاد أهلها من التجربة اللبنانية فطوروا فيها من إيجابيات وتخلصوا مما علق بها من سلبيات. ولم يكن رغيد الصلح وأمثاله قادرين على تحديد هذا القلق المزدوج إلاّ بإدراكهم أن لبنان، كما العروبة، يحتاجان إلى جسور بين اللبنانيين وجسور بين العرب، وللجسور عند رغيد شرط بسيط جداً، يبدأ من أن يفهم اللبناني أخيه اللبناني، أياً كانت انتماءاته، وأن يفهم العربي شقيقه العربي، أياً كانت ظروفه، لذلك كان رغيد امتداداً ثقافياً لعائلة ميثاقية شكّلت جسراً بين اللبنانيين، وبينهم وبين أشقائهم العرب، كما كان امتداداً نضالياً لحركة قومية عربية ممتدة من المحيط إلى الخليج تدرك أن أمّتنا تخوض معركة مصير واحد، وكلما توحّدت انتصرت، وكلما تباعدت أقطارها ومكوناتها كلما تراجعت وانكفأت. المصدر :جنوبيات |