الجمعة 4 شباط 2022 12:14 م |
حاكم "مصرف لبنان": ضميري مرتاح.. ولا صلاحية للقاضية عون لملاحقتي |
* جنوبيات
لا تدابير أمنية جديدة استثنائية في مصرف لبنان ومحيطه في منطقة الحمرا في العاصمة اللبنانية بيروت رغم المظاهرات والاعتصامات شبه اليومية ضد حاكم مصرف لبنان من قبل مجموعات متعددة تحمّله مسؤولية الانهيار. الهدوء يعمّ أرجاء المبنى القديم للمصرف المركزي في ساعات ما بعد الظهر، وكأن كل الصخب في الخارج يتلاشى عند باحاته الخارجية. في الطابق السادس وفي مكتب حافظَ صاحبُه على طابعه اللبناني البحت، يقضي حاكم المصرف رياض سلامة، المستمر في موقعه منذ عام 1993 غالبية وقته بين أوراقه وفي اجتماعات متواصلة وعينه على إحدى الشاشات العالمية التي تتابع لحظة بلحظة الأوضاع المالية وأسعار الصرف.
يقول رياض سلامة في حديث لـ«الشرق الأوسط» إنه لا أحد يحسده على موقعه، ويؤكد أن ضميره مرتاح رغم الحملات التي يتعرض لها ومحاولات تحويله إلى «كبش محرقة». ويتحدث عن «أسباب سياسية وعقائدية وعن مصالح معينة تقف وراء حملة اختصرت الأزمة اللبنانية بشخصي».
ويستغرب سلامة في مقابلة مع «الشرق الأوسط» ترافق انخفاض سعر الصرف مع انتقادات من البعض طالته «علماً بأنه من المفترض أن يحسّن الواقع الجديد من القدرة الشرائية للبنانيين... لكن هنا يأتي دور التجاذبات السياسية والمصالح التجارية في السوق الموازية خصوصاً أن ما أزعج البعض هو أنه لم يعد هناك تقريباً سوق موازية وأصبحت منصة (صيرفة) هي الأساس والكل يعتمد على سعر الصرف الذي تحدده، وهو أمر لمصلحة البلد». - التفاوض مع «صندوق النقد» ويشير سلامة إلى أنه فيما يتعلق بسعي الحكومة لتحديد سعر الدولار الجمركي، «فهي تسير بخطوات تدريجية لحماية مصالح اللبنانيين، بانتظار نتائج التفاوض مع صندوق النقد. فإذا توافقنا على برنامج معه ستكون لديه شروطه، والأرجح أن السياسة الجديدة التي سيطالب بها الصندوق تعتمد على سعر حر غير متفلت، حيث يكون التدخل لحماية الاستقرار مع ترك قوى السوق تؤثر على سعر الصرف». ويصف حاكم «المركزي» الاجتماعات شبه اليومية التي تحصل «افتراضياً» عبر الهاتف وتطبيق «زوم» مع صندوق النقد، بـ«الجدية»، لافتاً إلى أنه (أي الصندوق) لا يزال يكوّن المعلومات والمعطيات، موضحاً أن هناك «لجنة حكومية لبنانية تشكّلت وبدأت عملها لتحضير مشروع لبنان». وإذ يرفض تحديد تواريخ للتوصل لتفاهم مع «الصندوق»، ينفي أن يكون هناك أي رابط بين توقيع التفاهم وتطبيقه وبين موعد الانتخابات النيابية ونتائجها، معتبراً أن ما يعني صندوق النقد هو وجود حكومة فاعلة قادرة على التفاوض معه. ويشرح سلامة أن حصة لبنان في صندوق النقد بأعلى مستوى هي 4 مليارات دولار، «لكن بعد إقرار البرنامج والتزامنا به، ستكون هناك دول ستنضمّ لهذا البرنامج عبر صندوق النقد وقد نصل حينها لتأمين ما بين 12 و15 مليار دولار وهذا المبلغ كفيل بتعافي لبنان». وعن المدة التي سيحتاج إليها البلد للخروج من الأزمة، يقول سلامة: «عندما نبدأ بتطبيق الإصلاحات، الخروج من الأزمة يكون سريعاً. الثقة هي العنصر الأهم الذي يعيد الأموال ويؤدي للنهوض بالاقتصاد». وينفي سلامة ما يتم تداوله عن أن التخفيض الحاصل بسعر الصرف مرتبط بقرار سياسي لتمرير مرحلة ما قبل الانتخابات والإيحاء بأن قوى السلطة الحالية ممسكة بزمام الأمور، معتبراً أن «اهتمام الحكومة حالياً إنما هو بمكافحة التضخم ما يؤدي لإفقار الناس، ولا تفكير بانتخابات ومكاسب سياسية، والانكباب حالياً على إصدار موازنة تعطي ثقة، والأهم على المفاوضات مع صندوق النقد». ويشدد سلامة على أن سياسة «المركزي» الحالية تقضي بالحفاظ على مستوى التوظيفات الإلزامية، «وهو موضوع نراجعه بشكل يومي وننسّق فيه مع الحكومة»، موضحاً أن «ميزانية مصرف لبنان لا تتأثر حصراً بعمليات (صيرفة)، إذ إن هناك تقلبات بسعر اليورو، إضافةً لبيع دولارات على سعر الصرف الرسمي الـ1500 ليرة للدولار في إطار سياسة دعم بعض المواد كقسم من الأدوية والقمح». ويضيف: «منذ يوليو (تموز) 2020 كنا واضحين أننا لا نستطيع أن نستمر بدعم كل المواد التي كنا ندعمها، والطلب من مصرف لبنان من قِبل الدولة للتدخل انخفض بحدود ما بين 60 و65% خصوصاً أنه مع التوقف عن الدفع في عام 2020 لم يعد هناك مصدر دولار للدولة إلا من خلال (المركزي)».
ويستغرب سلامة اتهامه بمنع الأموال عن البعثات الدبلوماسية، مشدداً على أنها «مسؤولية حكومية وليست مسؤولية مصرف لبنان»، قائلاً: «يطلبون مني القيام بتحويلات وبنفس الوقت هناك رفض للمس بالاحتياطي الإلزامي... فليؤمّنوا دولارات ليدفعوا مصاريفهم بالدولار... يجب أن نتشدد لنستمر».
- لا أحد يحسدني على ما أنا فيه وعمّا إذا كان يتمنى لو لم يكن حاكماً لمصرف لبنان في هذه المرحلة، يجيب: «في هذه الظروف لا أحد يحسدني على ما أنا فيه وعلى موقعي. لكنني موجود وضميري مرتاح». ويتحدث عن «أسباب سياسية وعقائدية وعن مصالح معينة تقف وراء حملة اختصرت الأزمة اللبنانية بشخصي. استُثنيت كل مكامن الضعف التي أدت للأزمة، وتم حصر الأزمة بحاكم (المركزي) وهو أمر غير منطقي، هدفه شيطنتي وتحويلي كبش محرقة». ويضيف: «خلال العامين الماضيين كان مصرف لبنان المؤسسة الوحيدة التي تموّل القطاعين العام والخاص... وقد تصدينا لكل المخاوف، خصوصاً تلك التي كانت تتحدث عن مجاعة مقبلة. خففنا حدة الأزمة من خلال الدولارات التي كنا قد جمعناها استباقياً خصوصاً أنه لم تأتنا أي مساعدة من الخارج وبالعكس كان يتم تحطيم صورة لبنان بهدف الدفع باتجاه الانهيار الكبير. وقد يكون جزءاً من النقمة علينا أننا لم نسمح بحصول هذا الانهيار. اليوم هناك حكومة ونيات جدية لإعادة النهوض بالبلد، وهم لا ينطلقون من نظام محطم إنما من نظام موجود يمكن إصلاحه».
وعمّا إذا كان ممنوعاً من السفر ومحجوزاً على أملاكه، يقول: «لم أحاول أن أسافر. ليس لديّ سفر حالياً. كذلك بما يتعلق بقرار الحجز على بعض الأملاك، ففي عام 2020 هناك قاضٍ قام بالمثل وعاد القضاء وأعطاني حقي وكسر القرار». ويضيف: «أما ما يحصل على صعيد القضاء في دول الخارج، فقد تم تقديم إخبارات رافقتها ضجة إعلامية ما استدعى فتح تحقيقات، لكن ليس هناك أي دعاوى عليّ في الخارج، ونحن نتجاوب مع كل ما يُطلب منّا». وفي ملف التدقيق الجنائي، يؤكد سلامة أن «قرارات المجلس المركزي واضحة، والمعلومات التي زوّدْنا بها شركة التدقيق كاملة»، مستهجناً الحديث عن أنه يتلطى برفض موظفي «المركزي» رفع السرّية عن حساباتهم: «أنا لست أصلاً في نقابة موظفي مصرف لبنان كي أتلطى بهم. وهل يبدو منطقياً أن كل التدقيق الجنائي متوقف عند حسابات الموظفين؟! نحن ندعو لإجراء التدقيق وهناك تدقيقات أخرى من صندوق النقد حصلت وأُنجزت. أضف أنني منذ عام 1993 أقوم بالتدقيق بحسابات (المركزي) علماً بأن القوانين لا تُلزمني بذلك. حتى إنني دققت بحساباتي الشخصية رداً على كل ما أثاروه عن شركة لشقيقي ارتباطات فيها وتبيّن أنْ لا أموال لمصرف لبنان لا في حساباتي الخاصة ولا في هذه الشركة».
المصدر :الشرق الاوسط - بولا أسطيح |