الأحد 6 شباط 2022 12:16 م

الروح في مكان والجسد في مكان آخر!


* جنوبيات

بمجرد أن تحصل على بطاقة السفر، يبدأ الناس بالمباركة وتلقيبك بالشخص المحظوظ الذي سيغادر هذا البلد الغارق بأزماته، والذي لا يعطي أي بصيص أمل بمستقبل أفضل. ولكن دعونا هذه المرة ننظر للاغتراب من منظار آخر ولنتعرف على كواليسه.

وفي هذا السياق، وفي حديث خاص لموقع "جنوبيات"، يؤكد سامي أنه لم يكن ذلك الخيار سهلاً أبداً، فيقول: "كنت أمام خيار صعب ولكن صائب برأيي، فأنا شخص يحب لبنان بشكل غير طبيعي وكنت دائما أقول أنه من الإستحالة أن أتركه ولا تحت أي ظرف من الظروف. ولكنني اكتشفت أن أحيانا نكون مجبرين على ممارسة أفعال لا تتطابق مع أفكارنا وقناعتنا، فأولادي هم من كانوا خلف قراري هذا ولا أقصد أنهم هم من شجعوني على هذا القرار إنما تفكيري وحرصي على تأمين مستقبل أفضل لهم هو من دفعني لاتخاذ قرار الهجرة".

وعن الأسباب الرئيسية، فيقول: " سلامة أطفالي خط أحمر فأنا لا أستطيع أن أرى شعرة من أطفالي تتأذى بسبب حبي للبقاء في لبنان. فانفجار المرفأ جعلني ألا أفكر بأي شيء سوى سلامة أولادي وزوجتي. فبعد تلك المأساة والكارثة ومن باب خوفي من انفجار آخر أو أي حدث أمني أن يؤذي أطفالي، صرت أفكر أنه ممكن وبأي لحظة أن أفقدهم حتى ولو كانوا في البيت وهو المكان الذي يفترض أن يكون الأكثر أماناً ولكن في لبنان لم يعد كذلك، فهناك ناس ماتت وهي في بيوتها!".
ويتابع: بالحقيقة أنا كنت أفكر قبل ذلك ولأنني صرت أعتقد أن لبنان لم يعد قادر أن يلبي الطموحات وأصبح مقبرة للأحلام. فالشهادة أصبحت تعلق على الحائط بينما الوظائف صارت حكراً للأشخاص الذين لهم سند "واسطة" أما خريجي طب وهندسة وعدة شهادات مهمة أخرى نجدهم يعملون كنادل في مطعم أو موظفة في محل للألبسة وهنا لا أقصد التقليل من شأن هذه الوظائف إنما من باب حقنا بالتوظيف في الشهادات التي تعبنا من أجلها".

ولدى سؤاله عن حياته في الاغتراب، فيشير: "ببساطة نحن نعيش الألم برفاهية، فنحن في بلد نعيش حياة كريمة حيث لا  نفكر بكيفية تأمين طعام لأولادنا، وإن كانوا سيموتون في انفجار أو حريق بل بالنا مرتاح من هذه الناحية والحمدلله قد توظفت بشهادتي وأعمل بشركة تحترم مواهبي، ولا أخاف من عدم الإمكان من تأمين دواء ولا على مستقبل أطفالي في ظل الإضرابات التي تؤثر سلبا على مستقبلهم كما كان يحدث معهم في لبنان ومازال يحدث حاليا مع باقي الطلاب".

ويضيف: "ولكن وسط كل تلك التسهيلات والتطمينات، إلا أنني لا أشعر بالسعادة فهناك نقص دائم في حياتي، فأفتقد للإجتماعات العائلية أيام العطل والأعياد، أشتاق لفنجان قهوة مع أبي، أشتاق لفطور أمي ومواساة أختي، أشتاق ل"صبحية" مع الجيران، أشتاق لسهرات ومشاريع نهاية الأسبوع مع رفاقي، وللحياة الاجتماعية في لبنان...فهنا نشعر وكأن لا حياة اجتماعية، فالناس لا تتعرف على بعضها ولا تزور بعضها نهائيا فأنا أعيش مع عائلتي وحسب. فيمكنني أن أقول أنني أعيش مرتاح ولكنني لست سعيد فروحي وقلبي عالقان في لبنان ولكنني هنا جسد مضطر للعمل والعيش بكرامة".

وفي سياق آخر، يعبر عن حزنه على ما يحدث في لبنان: "ولأكون صريحا معكم، فترة الصيف الماضي كنت أبكي على لبنان، فكلما أرى طابور إن كان على البنزين أو الخبز أو الدواء أو أي طابور آخر، أشعر وكأن قلبي ينكسر، فكيف يستطيعون أن يجعلوا رجال بعمر أبي ينتظرون بالساعات للحصول على بنزين وكيف يضحون بالمرضى الذين لا يجدون دواءهم؟!".
نعم، قرار الهجرة ليس سهلاً كما تعتقدون، فالمغتربون أُجبروا على المغادرة وترك قلوبهم هنا، اضطروا أن يتركوا كبارهم يعيشون هنا بلا سندهم، وسمحوا لراحة البال والعيش الكريم  أن تنتصر على حبهم وتعلقهم بالوطن. ومن المؤسف أن يتحول الوطن الى مقبرة الأحلام  ويتحول العيش فيه الى خوف دائم.
فإلى متى سنسمح لجيل الشباب بالمغادرة يأساً؟ 

المصدر :جنوبيات