من بلدتي العباسيّة قصّة أولاد وأطفال الحاجة زهرة نصّار قعيق تحت الردم! ولكي لا يظلّ (ريان) الإنسان والطفل البريء وحيدًا في محور شهامة الإعلام العربيّ والعالميّ المنافق.
تقول القصّة الحقيقية والتي ذكرتها في إحدى مؤلّفاتي:
في العام ١٩٧٨ م، في التاسع عشر من شهر آذار، حصلت مجزرة رهيبة في بلدتي بلدة العباسية قضاء صور، قام بها الجيش الصهيوني بعد قصف البلدة ل سبع ساعات متواصلة بعشرات الطائرات ومئات القذائف من البرّ والبحر والجوّ، فدمّروا ثمانين بالمئة من بيوتها، وقتلوا أكثر من مئة، وحصل أن :
انهمرَت القذائف الإسرائيلية على منزل الحاج محمّد نصرالله قعيق، حيث كانت تتواجد فيه عائلة مؤلفة من ستة عشر فردًا، منهم : الحاجة زهرة نصّار قعيق وبناتها وأحفادها، وأربعة عشر فردًا من عائلة قريبة لها.
بعد القصف، وانتهاء الغارات، ودخول الصهاينة إلى البلدة ، بدأ مَن تبقّى من الأحياء في الخروج من تحت الركام ولمْلمَتْ الجثث وانتشال الجرحى. كان منزل الحاج محمّد نصرالله فعيق قد دُمّر بطابقيه على رؤوس قاطنيه والمحتمين في داخله.
سمع الناس صراخ الأمّ الحاجة زهرة، وصراخ بناتها وأحفادها والأطفال، فهم لا يزالون على قيد الحياة! تجمهر بعض الأحياء، بدأوا الحفر بالمعاول والمجارف وبأيديهم، فما استطاعوا إليهم من سبيل، فقد أطبق السقف الأول والثاني عليهم.
كان صوتهم عميقًا ومسموعًا، (بكاء، وألم وجراح وأنين)!
مرّ اليوم الأول، وصراخ الأم ليلّا يدوّي في الأرجاء: أنقذوا أطفالي وأولادي...!
في صباح اليوم الثاني، باشر الأهالي الحفر، ما استطاعوا اليهم من سبيل! كانت الأم وحدها تتكلّم:
أولادي يموتون أمام عينيّ: مات الأول، وماتت الثانية، والثالثة والرابعة والخامسة...! سكتت الأصوات، والحاجة زهرة تئنّ وتئنّ!
مرّ اليوم الثاني، توقف العمل ليلًا، والحاجة زهرة وبعض مَن بقي حيًّا يئنون ويصرخون وبينهم أطفال رُضّع!
وقف ولدها الحاج جعفر على السطح المدمّر يحكيها ويبكيها، وحاول ولدها الحاج نصرالله إزاحة ما استطاعت يداه والأهالي والحاجة زهرة تقول: انقذوا أولادي وبناتي والأطفال! لقد كانوا أحياءً، كلَّموني من تحت الركام، أنا أرى حفيدتي الصغيرة مقطوعة الأيدي والأرجل وهي تبكي وتموت، وابنتي التي يظهر رأسها فقط من تحت الركام تريد شربة ماء.... والأنين في كل مكان! في اليوم الرابع، أتى الصهاينة بالجرافات الكبيرة، وبداوا في جرف المكان، والكلّ بالانتظار! سكت صوت الحاجة زهرة، بعد ساعات استطاعت الجرافات إزاحة السطح الأول: فماذا وجدوا؟
مجموعة أطفال يحضنون بعضهم البعض، موتى...شهداء! كانوا أحياء وماتوا منذ ساعات! ما زالت أجسامهم دافئة! رفعوا السقف الثاني: جلّ الأطفال والبنات أنصاف جثث! وقد تناوبوا على الموت من الشظايا والجوع والعطش والنار! خمسة عشر شهيدًا وشهيدة في مشهد مرعب! وحده الطفل محمّد كمال كان يختبئ أسفل طاولة من حديد قد نجا! وروى بعض ما رأى. ولكن، أين الحاجة زهرة؟ منذ ساعات كانت تكلّمنا! غاصت الجرافة عميقًا، رفعت رفشها الحديدي الضخم، فإذا بجثة طاهرة معلّقة بين أسنان الجرافة، وهي تمدّ يديها إلى أحد ما من أطفالها وبناتها وقد مُزّقت أجسادهم. استشهدوا جميعا، ودفنوا في قبر جماعي واحد في مقبرة البلدة الكبيرة... وفي الطابق السفلي كانت تدور ملحمة الموت مع أربعة عشر طفلا وطفلة وعجوزا، وُجدوا جميعا في صور قاتلة لا تُوصف...! ليكون العدد في منزل واحد ثلاثين طفلا جلّهم من عمر (ريان). (انتهى).
الطفل (ريان) قصّة مأسوية وعاطفيّة وإنسانيّة تأثّرنا بها، وجلّ الفضائيّات العالمية العوراء الخبيثة تنقل ما تستسيغه حقدًا وإعلامًا وتخفي الأدهى والأعظم! حبّذا لو يُدرك أصحاب العواطف الجياشة والدموع الغزيرة والأدعية والصلوات المباركة وغير المباركة: أنّ أطفالا يُسحقون في اليمن أشدّ قساوة من مشهد ريان الطفل البريء، وليعلموا كم سحقت إسرائيل أجساد أطفالنا وكم تناثرت أشلاء أطفال العراق وما زال السيف العربيّ الخبيث والصهيوني يقتل ألف طفل برتبة أعلى من رتبة معاناة ريان بمئة مرّة ومرّة! قلوب العربان مصالح موت وتيجان مُذهّبة وشعب ذليل مُستَحقر أمام أقدام حكامه لا أكثر.