الثلاثاء 15 شباط 2022 10:51 ص

صعود النفط إلى 100 دولار يزيد صدمة التضخم في الاقتصاد العالمي


* جنوبيات

 

يهدد تسارع أسعار النفط صوب 100 دولار للبرميل لأول مرة منذ عام 2014، بتوجيه ضربة مزدوجة إلى الاقتصاد العالمي عبر مزيد من إضعاف فرص النمو، ودفع معدل التضخم لأعلى.

يمثل ذلك التهديد المزدوج مصدراً للقلق بالنسبة لـ” الإحتياطي الفدرالي العالمي” وأقرانه من البنوك المركزية في سعيهم لاحتواء أقوى الضغوط السعرية منذ عقود، دون أن تعرقل عملية التعافي من أزمة جائحة كورونا.

يعقد وزراء مالية مجموعة العشرين اجتماعاً افتراضياً هذا الأسبوع لأول مرة في العام الحالي، ويأتي التضخم على رأس اهتماماتهم.


ضربة قوية
على الرغم من أنَّ الدول المصدّرة للنفط تقف في موقف يؤهلها للاستفادة من انتعاش الأسعار، كما أنَّ تأثير النفط على الاقتصادات لم يعد بالدرجة نفسها التي كان عليها ذات يوم؛ فإنَ جزءاً كبيراً من العالم سيتلقى ضربة قوية عندما يواجه المستهلكون والشركات ارتفاع الفواتير وضعف القوة الشرائية بسبب زيادة تكلفة الطعام والنقل والتدفئة.

وفق نموذج الصدمة لـ “بلومبرغ إيكونوميكس”؛ فإنَّ قفزة أسعار الخام إلى 100 دولار للبرميل بحلول نهاية الشهر الحالي، مقابل نحو 70 دولاراً في نهاية 2021؛ سترفع معدل التضخم بنحو نصف نقطة مئوية بالولايات المتحدة وأوروبا في النصف الثاني من هذا العام.

توقف النمو العالمي
يحذّر “جيه بي بي مورغان تشيز” بشكل عام من أنَّ ارتفاع سعر النفط إلى 150 دولاراً للبرميل سيؤدي تقريباً إلى وقف نمو الاقتصاد العالمي، ويدفع معدل التضخم إلى تجاوز 7%، بما يزيد على ثلاثة أضعاف المعدل المستهدف من قبل صناع السياسة النقدية.

بيتر هوبر، الذي كان مسؤولاً بالاحتياطي الفيدرالي لفترة طويلة، ثم أصبح الآن رئيس بحوث الاقتصاد العالمي لدى “دويتشه بنك”، قال: “تغذي صدمة النفط مشكلة التضخم حالياً، وهناك احتمال معقول أن يحدث التباطؤ الكبير في معدل النمو الاقتصاد العالمي” نتيجة لذلك.

ارتفع سعر النفط بنحو 50% عن مستوى عام سبق، في إطار زيادة عامة في أسعار السلع الأولية شملت أيضاً أسعار الغاز الطبيعي.

من بين أسباب هذه الزيادة: صعود الطلب العالمي بعد فترة الإغلاق الاقتصادي، والتوترات الجيوسياسية التي أشعلتها دولة روسيا النفطية العملاقة، وأزمات سلاسل التوريد.

في بعض الأحيان، ساهمت فرص التوصل إلى تجديد الاتفاق النووي مع إيران في تبريد حرارة السوق.

مع ذلك، تواصل الأسعار الصعود، بعد أن انخفضت منذ عامين فقط إلى ما دون الصفر لفترة وجيزة.

يوفر الوقود الأحفوري – النفط بالإضافة إلى الفحم والغاز الطبيعي – ما يزيد على 80% من الطاقة في الاقتصاد العالمي.

وفقاً لشركة الاستشارات “غيفكال ريسيرش”؛ ارتفعت تكلفة سلة نمطية من مصادر الطاقة الثلاثة حالياً بنسبة تجاوزت 50% عن مستوى العام الماضي.

سلاسل التوريد
تساهم أسعار الطاقة أيضاً في تعقيد أزمة سلاسل التوريد العالمية الراهنة، التي رفعت التكاليف، وأخَّرت تسليم المواد الأولية والسلع النهائية.

قالت فيفيان لاو، التي تدير شركة خدمات لوجستية في هونغ كونغ، إنَّ عملاءها بالفعل يتابعون ارتفاع تكاليف الوقود بشكل دقيق.

أضافت لاو، نائبة الرئيس، والرئيسة التنفيذية لشركة “باسيفيك إير هولدينغز” (Pacific Air Holdings): “من المؤكد أنَّ سعر النفط يمثل مصدراً للقلق. فزيادة أسعاره تأتي في وقت ترتفع فيه بالفعل أسعار الشحن الجوي بشكل كبير”.

من هنا يدرس الاقتصاديون سيناريوهات مختلفة.

يقدّر “غولدمان ساكس” الذي يتوقَّع بلوغ سعر النفط 100 دولار للبرميل في الربع الثالث من العام الجاري أنَّ زيادة السعر بـ 50% سترفع معدل التضخم العام بمقدار 60 نقطة أساس في المتوسط، على أن تكون الضربة أعنف في الاقتصادات الناشئة.

رفع صندوق النقد الدولي مؤخراً توقُّعاته لأسعار المستهلك عالمياً من 2.3% إلى 3.9% في المتوسط بالنسبة للبلاد المتقدمة هذا العام، وإلى 5.9% بالنسبة للبلدان النامية والناشئة.

في تقرير صدر يوم 4 فبراير؛ كتب اقتصاديا بنك “إتش إس بي سي”؛ جانيت هنري، و جيمس بومروي: “مع ارتفاع التضخم حالياً إلى أعلى مستوى منذ عدة عقود، وقد بلغت حالة الغموض التي تحيط بمستقبل التضخم بالفعل درجة غير مسبوقة؛ فإنَّ زيادة أخرى في أسعار الطاقة هي آخر شيء ينتظره الاقتصاد العالمي، وهو يتعافى، ومع ذلك؛ فهذا ما يحدث”.

حتى الآن تمتعت الصين، وهي مستوردة للنفط، ومصدِّرة للسلع، بمعدل تضخم حميد. غير أنَّ اقتصادها مازال عرضة للخطر، إذ يوازن المنتجون بين ارتفاع تكلفة المدخلات، ومخاوف نقص إمدادات الطاقة.

الأولوية

مع تأكد استمرار ضغوط الأسعار وعنادها خلافاً للتوقُّعات الأولى، يجعل قادة البنوك المركزية من مواجهة التضخم أولوية تسبق مسألة دعم الطلب.

هز ارتفاع أسعار المستهلك بالولايات المتحدة إلى أعلى مستوى منذ أربعة عقود أركان النظام، وأدى إلى زيادة الرهان على أنَّ الاحتياطي الفيدرالي سيرفع الفائدة سبع مرات في العام الحالي، بوتيرة أسرع من التوقُّعات السابقة.

برر حاكم “بنك انجلترا”أندرو بيلي هذا الشهر جزئياً قرار المملكة المتحدة بزيادة أسعار الفائدة بالإشارة إلى الضغط الناشئ عن “أسعار الطاقة”.

قالت رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد، مؤخراً، إنَّ مسؤولي البنك “سيفحصون بعناية” تأثير أسعار الطاقة في الاقتصاد، وهم يشيرون إلى تحول السياسة النقدية إلى التقشف. كذلك اعتبر بنك الاحتياطي الهندي يوم الخميس أسعار النفط مصدراً للخطر.

عوازل الصدمات
بالتأكيد، لم يعد الاقتصاد العالمي مستهلكاً شرهاً للنفط مثلما كان في عقود سابقة، وخاصة في سبعينيات القرن الماضي، وأصبحت مصادر الطاقة البديلة تقدّم بعض الحماية من الصدمة. وتشمل عوازل الصدمة الأخرى من عصر انتشار الجائحة أيضاً ارتفاع مدخرات الأسر، وزيادة الأجور وسط نقص المعروض في سوق العمل.

في الولايات المتحدة، أدى نهوض صناعة النفط الصخري إلى تقليل تعرض الاقتصاد لأزمات الوقود؛ ففي حين يدفع المستهلكون أسعاراً أعلى مقابل البنزين؛ يحصل المنتجون المحليون على أرباح أكثر.

يقدّر مارك زاندي، كبير الاقتصاديين لدى شركة “موديز أناليتيكس” (Moody’s Analytics)، أنَّ كل 10 دولارات زيادة في سعر البرميل تخصم 0.1 نقطة مئوية من معدل النمو الاقتصادي في السنة التالية. ويقارن ذلك مع 0.3 إلى 0.4 نقطة مئوية كان معدل نمو الاقتصاد سيفقدها بسبب زيادة سعر النفط بهذه الدرجة قبل ثورة التكسير الهيدروليكي.

ويشار إلى وجود أسباب لدى منتجي النفط الآخرين للاحتفال.

فعلى سبيل المثال؛ ستحصد موازنة روسيا أكثر من 65 مليار دولار إيرادات إضافية هذا العام، مما يساعد في حماية الكرملين من أثر تطبيق عقوبات محتملة بسبب الأزمة الأوكرانية.

سيستفيد منتجون آخرون للنفط من الأسواق الناشئة، مثل كندا ودول الشرق الأوسط.

غير أنَّه بالنسبة لمعظم الدول المستهلكة للنفط، وبالنسبة للبنوك المركزية؛ فإنَّ أموراً كثيرة تعتمد على مدى سرعة وحجم زيادة أسعار الطاقة، خاصة إذا فقد الاقتصاد قوته الدافعة في مختلف أنحاء العالم.

بريانكا كيشور من “أوكسفورد إيكونوميكس”، التي تقدّر أنَّ زيادة سعر البرميل بمقدار 10 دولارات تخصم نحو 0.2 نقطة مئوية من نمو الاقتصاد العالمي، قالت : “إنَّ الزيادة السريعة والمستمرة في سعر النفط قد تؤدي إلى ارتفاع مخاطر ظهور أوضاع شبيهة بالركود في بعض البلدان، خاصة إذا كان تقشف السياسة المالية ملحوظاً أيضاً”.

أضافت بريانكا أنَّها تأمل “ألا تكون تلك هي القشة التي قصمت ظهر البعير”.

المصدر :جنوبيات