راسخٌ في جبل عامل، الذي احتضن ثراه جسده الطاهر.
حسين السيد محمد علي شرف الدين، يغيب جسداً (عن 93 عاماً) كانت حافلة بالمحطات، تاركاً صدقات جارية، وعلم نافع وذُرية صالحة تدعو وتعمل للخير.
في النسب الشريف، هو حفيد رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعودُ إلى أُسرة عريقة.
أبصر النور في النجف الأشرف في العراق في 21 أيار/ مايو 1929، ومع عودة والده السيد محمد علي شرف الدين إلى مدينة صور، كان في عُمر 4 سنوات، بعدها تُوفي الوالد، وأصبح حسين يتيماً، احتضنه جدّه المرجع السيد عبد الحسين شرف الدين، مُحيطاً إيّاه باهتمامٍ وعنايةٍ.
انكب على الدراسة ونهل العلم في المدرسة الجعفرية التي أنشأها جدّه، وصولاً إلى دُخوله "دار المُعلمين العُليا وكُلية الحقوق"، التي أنشأتها "الجامعة اللبنانية".
ما أن أنهى تخرُجه، حتى عاد إلى صور مُدرّساً لمادة اللغة العربية وآدابها في المدرسة الجعفرية، قبل تسلُمه إدارتها بعد عمّه النائب السيد جعفر شرف الدين بين العامين 1949-1975.
حفيد المرجع السيد عبد الحسين شرف الدين، اقترن من السيدة رباب الصدر (شقيقة الإمام السيد موسى الصدر)، وكوّنا أُسرة من 4 شُبان، هم: الدكتور رائد شرف الدين (نائب حاكم مصرف لبنان سابقاً)، لؤي، قصي ونجاد.
نشط "أبو رائد" في مُختلف المجالات السياسية والثقافية والتُراثية، والأدبية والشعرية والاجتماعية.
قدّم برامج "عامليات" في "الإذاعة اللبنانية"، وفي محطات تلفزيونية وإذاعات محلية.
ساهم بتأسيس مجالس ثقافية في العديد من المناطق.
نظم العديد من المهرجانات التي تُعنى بالشعر، والمُؤتمرات التي تهتم بالثقافة والتُراث والتقارُب بين الأديان وحوار الحضارات.
شارك في مُؤتمرات تخطت لبنان إلى دول عربية وأجنبية.
ركز اهتماماته بالمُشاركة بتأسيس "جمعية الإمام الصدر" و"لجنة توثيق مسيرة الإمام الصدر" و"مركز الإمام الصدر للدراسات والأبحاث".
في ظل انشغال كُثرٍ عن الثقافة، كان السيد حسين شرف الدين يجهدُ للمُحافظة عليها بتأسيس "جمعية الأُمسيات العاملية" و"مكتبة الإمام شرف الدين العامة" سنة 1987.
على مدى أكثر من 5 سنوات، نظّم الأُمسيات العاملية بإستضافة شخصيات بارزة ومُؤثّرة.
حوّل بيته القديم في مدينة صور إلى مكتبة عامة أسماها "مكتبة الإمام شرف الدين"، تضُم أكثر من 15 ألف كتاب، تتوزع على 11 ألف عنوان.
وثّق في كُتب ودراسات ومنشورات ومقالات سير ذاتية لعُلماء من جبل عامل، أغنت المكتبة، وحفظت تاريخ قادة خلّدهم التاريخ.
برحيل "أبو رائد" لا تقتصرُ الخسارة على عائلة شرف الدين والصدر ومدينة صور وجبل عامل، بل نفتقدُ رُكناً أساسياً، مُربّياً، أديباً ومُثقفاً وشاعراً، ومُناضلاً، له باع طويل، غرف منه في المجالات كافة.
في النسب هو من أهل البيت الكرام.
في العلم والتعليم، بليغٌ في اللغة العربية وآدابها، ويُتقن لغات عدّة.
في الثقافة والتُراث والشعر، مُحافظ عليها حتى الرمق الأخير.
في الحوار، هو مدرسة في التقارُب بين الرسالات السماوية والحضارات.
في العمل الاجتماعي، رائدٌ نشط من أجل محو الأُمية وبناء المُؤسسات الاجتماعية.
في السياسة، لبناني وطني، حمل قضايا منطقته وجبل عامل ولبنان، لرفع الظُلم عن المُواطنين بمُواجهة الاحتلال الإسرائيلي والإهمال.
في القضايا القومية، فإن قبلته كانت فلسطين، التي خبر خيراتها وهو في سن الطفولة والشباب، قبل نكبة أهلها، ولجوئهم إلى لبنان، فاحتضنتهم عائلته التي يشهدُ الجميع وقوفها إلى جانب أهل فلسطين.
يرحل "أبو رائد"، تاركاً كُل هذا الإرث، الذي لا يُمكن لمن عرفه إلا أن يتذكّر وجهه البشوش، وابتسامته، وهدوئه، ودماثة خُلقه ورصانته.
رحم الله الراحل الكبير وأسكنه فسيح جنانه، والعزاء إلى زوجته السيدة رباب الصدر وأولادهما: الدكتور رائد، لؤي، قصي ونجاد، وأفراد العائلة ومُحبّيه.