الجمعة 4 آذار 2022 09:28 ص |
بالنظام - في الاحتواء |
* جنوبيات في مثل هذا اليوم منذ سبعة عشر شهراً انفجر مرفأ بيروت ودمّر وقتل من قتل. واليوم بعد كل ما حصل، التحقيق متوقف والحقيقة في مهبّ ريح الصراع عليه. المصابون والمتضررون تُركوا لمصيرهم وداووا جراحهم بأنفسهم. وأثبتت السلطات إهمالاً إجرامياً في التعويض على هؤلاء، فالمبالغ التي صرفت معيبة ومُذلّة مقارنة بحجم الأضرار التي بلغت مليارات الدولارات. أما الجمعيات التي قام بعضها بعمل جبّار، فأفرخ بعضها الآخر وازدهر في الفاجعة ويقال أثرى على حساب دماء السكان ومصائبهم. ولم يتقدم أحد من النواب، كما كان منتظراً، باقتراح قانون لإنشاء صندوق للتعويض على الأهالي ولإعادة المهجرين على صورة الصناديق الشهيرة ذات الصلة. الصدمة التي أصابت العالم كله وليس اللبنانيين فقط، أصابت الطبقة الحاكمة أيضاً التي بدأت تنفيذ سياسة احتواء الصدمة على الفور. التفجير حصل بفعل صاروخ أطلقه الطيران المعادي من الجو أو البحر. هذا أكثر الاحتمالات رجحاناً. وما إنكار "رادار" مطارنا لوجود طيران معادٍ ذلك اليوم وإنكار الدول الكبرى حيازتها صور الأقمار الاصطناعية للحظة الانفجار سوى قرينة على ذلك. لكن سياسة الاحتواء الدولية أحضرت الرئيس الفرنسي الذي نجح في امتصاص غضب الشعب اللبناني. فاستراح نتنياهو ودخل لبنان في نفق آخر. وبعدها تركّز التحقيق على الشق الداخلي وبدأت الاستدعاءات والتوقيفات التي طالت بعض من علموا بوجود نيترات الأمونيوم في العنبر رقم 12. نيترات الأمونيوم تستعمل في تفجير المقالع والصخور، والخبراء في استعمالها يؤكدون أنها لا تنفجر بالحريق ولا بالضغط، وإذا كانت هي المادة التي تفجرت فهي حتماً تلقت صاروخاً أو غير ذلك من مسببات التفجير. كيف يمكن تخطّي واقعة سماع آلاف اللبنانيين صوت الطيران قبل وبعد التفجير؟ وكيف يمكن إهمال ما خرج في الإعلام الإسرائيلي وما صرّح به الرئيس ترامب؟ قبل أن يتبيّن هول الكارثة وحجم الأضرار، الأمر الذي أملى سياسة الاحتواء التي قرّرتها الدول الكبرى لحماية إسرائيل والتي تلاءمت مع مصالح الداخل فلاقاها المسؤولون بما يبرعون به. سياسة الاحتواء استمرت وشارك فيها الجميع، مجلس الوزراء الذي أحال الملف على المجلس العدلي والمواقف العالية في السياسة، حتى القضاء ساهم في الاحتواء من حيث لا يدري، إلى أن وصل التحقيق إلى طريق مسدود. فالإصرار على إعادة تمثيل "جريمة التلحيم" باعتبارها الحدث المفجِّر للعنبر استخفاف بالحقيقة، والعمل على إيقاع الرأي العام وإصدار توقيفات بعضها غير ضروري للتحقيق بهدف امتصاص النقمة وخوفاً من الأهالي المفجوعين، هي مساهمة في سياسة الاحتواء. والتركيز على جانب من التحقيق مع رفع سقفِهِ لتكبير أحجام المطلوبين بغض النظر عن أدوارهم الحقيقية في ما حصل، هو تعويضٌ عن عجزٍ وحيادٌ عن مسار الحقيقة. وصلت سياسة الاحتواء إلى خاتمتها وعُطّل التحقيق بشكل كامل تحت وابل طلبات الردّ ودعاوى المخاصمة. حتى أهالي الشهداء انقسموا أو قُسّموا ولم يَعُدْ صوتهم مؤثراً. ومعظم المصابين والمتألمين أصابهم السأم ودخلوا في حالة تشبه تلك التي دخلها معظم اللبنانيين بعد انتهاء انتفاضتهم والأزمة الوطنية المستمرة منذ سنتين، إلى النتائج التي انتهت إليها. أما المحقق العدلي الذي كان محط أنظار اللبنانيين الراغبين بمعرفة الحقيقة ورؤية المسؤولين عن التفجير خلف القضبان، فتمّ تطويقه واحتواء اندفاعته وأصبح وجوده بنظر البعض سبباً لتوقف التحقيق. والخيارات أمامه اليوم لم تعد كثيرة. المصدر :النهار |