تحفلُ سيرة الحاج الدكتور زهير يوسف العلمي، الذي يرحل (عن 87 عاماً)، بالإنجازات المُتميّزة، حفرت في كل محطاتها بصمات إبداعية.

في المدرسة والجامعة، والنضال السياسي، والهندسة تدريساً، ومُساهمة في إنشاء «شركة خطيب وعلمي»، التي أضحت واحدة من أبرز الشركات الرائدة على المُستوى العالمي.
على الرغم من كل ما حقق، من إبداعات يُشار إليها بالبنان، لكن ذلك لم يُغيّر في شخصية الدكتور زهير، التي تربّى عليها في منزل والده يوسف محمد العلمي، مُنذ أن أبصر النور بتاريخ 18 حزيران/ يونيو 1935 في غزة، وقبل ثورة العام 1936، حيث كان والده أحد رموز الحركة الوطنية في فلسطين مطلع القرن العشرين، من عائلة يمتد نسبها إلى النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)، مقدسية الشهرة، تشرّبت حب الأرض والعمل لأجل فلسطين.
ارتبط بالسيدة ناديا عاشور وكوّنا أسرة من 4 بنات ربّياهن على الأخلاق الحميدة وعمل الخير.
بقي على تواضعه وهدوئه، مُتحلياً بدماثة خُلقه، وأخلاقه الحميدة، على الرغم من التفوّق والنجاح الذي رافق مسيرة الدكتور زهير العلمي، في الدراسة والعمل الميداني والنضالي لأجل فلسطين، حيث حاز على شهادته الجامعية في العام 1957 من كلية الهندسة في «جامعة القاهرة» بتقدير جيد جداً.
كما برز عمله النضالي خلال دراسته الجامعية في «رابطة الطلبة الفلسطينيين» (اتحاد طلبة فلسطين) في القاهرة، الذي ترأسه الراحل الرئيس ياسر عرفات، وبمُشاركته في فعاليات الاتحاد ومُرافقته الرئيس «أبو عمار» وصلاح خلف «أبو إياد» إلى «مُؤتمر الطلبة العالمي» في براغ عام 1954.
عاد الدكتور زهير العلمي إلى لبنان عام 1962 لينقل خبرته إلى تلامذته، حيث عمل كأستاذ بكلية الهندسة في «الجامعة الأميركية» في بيروت، حتى عام 1976.
خلال عمله كأستاذ تعرّف إلى المُهندس منير الخطيب، الذي كان يعمل أيضاً بنفس الكلية، ليتشاركا في تأسيس شركة هندسية استشارية، عُرفت بإسم «شركة الاتحاد الهندسي» (خطيب وعلمي)، بدأت عملها في لبنان عام 1964، وانطلقت في نشاطها في المملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات العربية المُتحدة عام 1969. وتوسّعت أعمال الشركة مُنذ 1972، وأصبح لها فروع من المحيط إلى الخليج.
كان للدكتور زهير العلمي دور سياسي فاعل في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، إذ شارك بالمُؤتمر الفلسطيني الأول في القدس عام 1964، وساهم في تأسيس حركة التحرير الوطني الفلسطيني «فتح»، وأصبح عضواً في مجلسها الثوري، وكان رئيساً للمُؤتمر العام الثالث للحركة، الذي عقد في دمشق عام 1970.
عضو في المجلس الوطني الفلسطيني، وانتخب في العام 1970 عضواً في اللجنة التنفيذية لـ«منظمة التحرير الفلسطينية»، ورئيساً لمجلس إدارة الصندوق القومي الفلسطيني في العام ذاته، وكان له بصمات بارزة في الاضطلاع بدور هام في تاريخ النضال الفلسطيني.
بعد ذلك تفرّغ لأعماله.
منح الرئيس محمود عباس، الدكتور زهير العلمي وسام «نجمة القدس» في العام 2011، تقديراً لدوره الوطني وعطائه، وتثميناً لنضاله منذ البدايات الأولى للثورة الفلسطينية.
حرصتُ على تكريمه، مع شخصيات لها تأثيرها الروحي والسياسي والأمني والعسكري والإعلامي اللبناني والفلسطيني، خلال توقيع كتابي «فرسان فلسطين» في «قاعة أنطوان حرب» في «قصر الأونيسكو» - بيروت يوم الإثنين في 23 تشرين الثاني/ نوفمبر 2015.
تكريماً مني لدوره الوطني إلى جانب: مُفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان، رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الإمام الشيخ عبد الأمير قبلان، قائد الجيش اللبناني العماد جان قهوجي، المُدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، سفير دولة فلسطين لدى الجمهورية اللبنانية أشرف دبور ورئيس تحرير جريدة «اللـواء» الأستاذ صلاح سلام، وبحضور عائلة الشهيد محمد أبو خضير «شهيد فجر رمضان» الذي استشهد في أبشع جريمة نفّذها المُستوطنين الإسرائيليين فجر رمضان في 2 تموز/ يوليو 2014.
خلال زياراتي الدورية للدكتور زهير العلمي، كنت ألمس لديه مدى حبّه وعشقه لفلسطين، وقد استمر في وضع كل إمكانياته من أجل القضية التي أمن وأحبّ، وناضل لأجلها.
لم يكن يتحدث عن ما يقدّمه، لكن يُحفظ له تقديماته الخيّرة التي لم تفرّق في يوم من الأيام بين مُسلم ومسيحي، أو جنسية فلسطينية ولبنانية وعربية.
الجميع يحفظ له مُساهماته الخيّرة في مجالات عدة، في طليعتها مدينته غزة، التي ولد فيها، حيث موّل العديد من المشاريع الحيوية فيها، ومنها: «مدرسة زهير العلمي الثانوية»، «مسجد النور»، بناء المبنى الجديد لـ«مركز الوفاء لرعاية المُسنين»، الذي ضم «مُنتدى ومركز آل العلمي الثقافي والاجتماعي».
يرحل الدكتور زهير العلمي ما بين الذكرى الـ54 لمعركة الكرامة (21 آذار/ مارس 1968) في الأردن والذكرى الـ46 ليوم الأرض (30 آذار/ مارس 1976) في أراضي الـ1948، حيث كان يُمنّي النفس بأن يُصلّي في المسجد الأقصى في القدس، عاصمة دولة فلسطين، مُحررة من الاحتلال الإسرائيلي.
يُغمض عينيه ليوارى الثرى زيتونة تمتد جذورها إلى القدس وفلسطين تُلاقي أرزة لبنان الشامخ.
رحم الله الدكتور زهير العلمي، وأسكنه فسيح جنانه وألهم أهله وذويه ومُحبيه الصبر والسلوان، والعزاء لعائلته وأسرته، وكل من عرفه.

هيثم زعيتر- د. زهير العلمي .. زيتونة فلسطينية بأرز لبنان
https://www.alkalimaonline.com/Newsdet.aspx?id=636324

د. زهير العلمي.. زيتونة فلسطينية بأرز لبنان
https://aliwaa.com.lb/%D8%AE%D8%A7%D8%B5-%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%88%D8%A7%D8%A1/%D8%AF-%D8%B2%D9%87%D9%8A%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%84%D9%85%D9%8A-%D8%B2%D9%8A%D8%AA%D9%88%D9%86%D8%A9-%D9%81%D9%84%D8%B3%D8%B7%D9%8A%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D8%A8%D8%A3%D8%B1%D8%B2-%D9%84%D8%A8%D9%86%D8%A7%D9%86/