الجمعة 1 نيسان 2022 10:21 ص

بالنظام - الإنكار


* جنوبيات

 

عندما يُدرِك الإنسان أنه فانٍ وأن وجوده هنا مؤقت يسعى في غالب الأحيان إلى ممارسة الإنكار والعمل على تأبيد وجوده خلافاً للحقيقة والطبيعة. بعضهم يجد ضالته في السلطة فيسعى إليها ويتشبث بها، والبعض الآخر يجدها في الثروة فتتحوّل الوسيلة إلى غاية، ويحلّ كلاهما، السلطة والثروة، تعويضاً هشاً متخيّلاً عن الفناء الحتمي من هذا الوجود. 

في عالم المال عندنا من تربّع على عروش المصارف وراكم الثروات من الاستثمار السهل في الإقراض حيث لا يجب، دون اعتداد بالمخاطر كما هو معتاد، واستُخدمت أموال المودعين في سبيل تأبيد زعامات وثروات واهمة بأنها سوف تدوم أو أن أصحابها يحيون إلى الأبد.

بعد الانهيار الكبير، اتفقوا على الإنكار، ونجحوا في حصر النقاش بين من هم معهم أو ضدهم. فالانقسام الحاد من أدوات التحكم بالرأي العام وهو يكون عقيماً كلما كان عميقاً. هناك من يدافع عن القطاع المصرفي وهناك من يناصبه العداء والهدف ليس الحقيقة بل هو الصراع على التحكم بسلطة المال وتحديد مستقبل القطاع. ومن يقبض على موقع الحاكم مثلاً سوف يقرر في عمليات الدمج والتصفية والتراخيص الجديدة في القطاع المصرفي الآتي في مرحلة النهوض المنتظر بعد الأزمة. هذا ما حصل في مرحلة ما بعد الحرب حين تزامن تعيين حاكم جديد مع إقرار وتطبيق قانون تشجيع دمج المصارف وتصفيتها وتمت صياغة قطاع مصرفي جديد آنذاك.

ينبغي التمييز بين القطاع المصرفي وبين القيمين عليه. فالحفاظ على القطاع مطلوب لأنه يتكوّن من المودعين بالأساس ولكن يجب في الوقت عينه وبالتوازي إزاحة ومحاسبة من فشل أو ارتكب، وأوصله إلى الانهيار. والقوانين النافذة تتضمن الأحكام التي تحدد هذين المسارين المتلازمين والمتوازيين ومنها قانون العام 1967 الذي صدر على أثر أزمة بنك إنترا الشهيرة، والذي تطبق أحكامه فور ثبوت توقف احد المصارف عن الدفع فتعيّن المحكمة مديراً موقتاً من ذوي الخبرة لتصريف أعمال المصرف العادية واتخاذ التدابير الاحتياطية، ثم تعين لجنة تتولى صلاحيات مجلس الادارة والجمعية العمومية العادية وتمثل مجموعة دائني المصرف المتوقف عن الدفع وتتخذ التدابير التي تؤمن مصالح اصحاب الحقوق.

هذا هو السبيل الصحيح وما عدا ذلك نقاشات متناقضة تبقي الأمور مكانها وتُهلك الودائع.
 
في قوانين الإرث قاعدة تتعلق بالجنين وهي أنه "لا يكون أهلا للميراث الجنين الذي لم يولد في خلال ثلاثمئة يوم تلي وفاة المورث، والولد الذي لم يولد حيا." وإذا أسأتَ الظن قد تراودك فكرةٌ بأن هذه القاعدة تشجع الورثة الكبار على التخلص من الورثة المحتملين قبل أن يولدوا... ومنذ أيام خرجت منظمة الصحة العالمية بقرار يطالب حكومات الدول بتشريع الإجهاض بلا سقف زمني أو سبب طبي. تشريعٌ لقتل الإنسان قبل أن يرى النور يدفعك للتصور أن الدافع هو الحدّ من زيادة الأفواه الجائعة والمنافسة على الثروات.

تخفيض عدد الشركاء في الثروة جشع بشري طبيعي، ولهذا يسكن المسيطرون عندنا في الإنكار ولا يُظهرون أي أسف أو شعور بالخسارة من هجرة شباب #لبنان أو من انخفاض نسب الزواج أو الولادات بفعل الأزمة، فهذا يخفف الضغط على أصحاب السلطة ويخفض أعداد الجائعين والناخبين الغاضبين والمعارضين الثائرين.

لقد أجهضوا الأجنّة التي حملتها ثورة خريف 2019 ومنعوا أي حل سليم للأزمة المالية وحافظوا على السلطة إلى حين. أوَلَنْ يسمعوا يوماً صوتاً يقول "في هذه الليلة تُؤخذ نفسُكَ منك، فهذه التي أعدَدْتها لِمن تكون؟"

المصدر :النهار