رأيت وجه تيا كأنه قمر في ليلة صيف ورايت عينيها اللتان تلمعان كشمس في قلب النهار.. وتفهمت ردة فعل اَهلها وتمنيت من الله عز وجل ان يلهمهم الصبر والسلوان فالموت اصعب الامتحانات التي نمر بها في هذه الحياة الفانية ..
ولكني سالت نفسي وانا خارج البلد ردة فعل على اي فعل؟؟؟ فتيا رحمها الله التي ادخلت المستشفى بسبب ارتفاع في الحرارة تدهور وضعها سريعاً ودخلت في صدمة سمية او تسممية septic shock أدت الى وفاتها والمعروف علمياً ان نسبة الوفاة التي تحدث عن هذا الامر هي في الأصل مرتفعة جداً..
ثم سمعت وانا خارج البلد والد تيا المفجوع وهو يسال أهو داء السرطان حتى تموت تيا بسرعة؟
وتمنيت لو اني اجيب والد تيا يا ليته السرطان، فعلى الأقل داء السرطان على الرغم من خبثه قد يعطيك بعض الوقت قد تودع قريباً او حبيباً مصاباً به...
هل تعلم يا والد تيا الصابر وَيَا أخوالها الفجوعين وَيَا اهلنا في صيدا والوطن ان الصدمة السمية هي صدمة تنتج في الغالب عن التهابات بكتيرية قد تسبب في حال عدم تجاوب البكتيريا مع المضادات الحيوية واحدا من الأمور التالية:
هبوط شديد في ضغط الدم قد يصل الى حد قصور في عمل القلب myocardial dysfunction ثم الى الوفاة.
تجلطات شريانية coagulopathy ورءوية قد تودي الى الوفاة بشكل سريع.
الى قصور في عمل الكلى وجهاز التنفس multi organ dysfunction ثم الى الوفاة.
وقد يسال البعض لماذا لم تستجب تيا الصغيرة على المضادات الحيوية؟ وهنا أقول هل تعلمون ان التحدي الكبير للطب والعلم يتمثل اليوم بوجود البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية الذي يشكل الاستعمال المفرط للمضادات الحيًوية السبب الأهم لوجوده لكنه ليس السبب الوحيد..
ويبقى ان أقول للدكتور الزميل والصديق خليل الاسطة، حسبنا الله ونعم الوكيل، فعلى مدى عشر سنوات من الزمالة في مستشفى حمود الجامعي عرفتك، وعرفت مهنيتك وأخلاقك وايمانك وحرصك المفرط على مرضاك، لذلك اتوجه إليك بالعزاء بوفاة تيا لأَنِّي اعلم مقدار الالم الذي تعيشه اليوم، فاولا لوفاة تيا وثانيا نتيجة الابواق الإعلامية التي تقتلها شهوة الكلام دون مقاربة علمية لأي موضوع ودون انتظار نتايج التحقيق العلمي لإظهار وجه الحقيقة وهذا ليس اعلاماً، فحبذا لو يعلمون الحقيقة ويعملون على توجيه الناس وايصال الرساءل العلمية النافعة لهم.. لكنك مؤمن وتؤمن بالقضاء والقدر خيره وشره.. فالله حسبك ونعم الوكيل..
وانا كطبيبة اعمل بجهد في مجالي واعلم ان حالات تشابه حالات تيا كثيرة وكثيرة جداً فهي كخبزنا اليومي.
لذا فالسؤال الأخير الى نقابة الأطباء ونقيبها المجتهد د ريمون صائغ الى متى سيبقى الطبيب هو الحلقة الأضعف في بلادي..الى متى ستبقى حدود سمعته ساءبة لا حماة لها ولا سياج؟ فالطبيب ليس مجرماً هوايته القتل، وليس دراكولا مهنته مص الدماء، وليس جشعاً لا يشبع من جمع المال، وليس فاسدا" او مرتش او سارق..
الطبيب إنسان يمارس هذه المهنة الشاقة بايمان ويحاول ان يوصل رسالته بِمَا تيسر له من إمكانات في بلد اصبح فيه الطبيب الصامد في موقعه كالقابض على الجمر..
رحم الله تيا ولأهلها ومحبيها من بعدها طول البقاء والهم الله كل طبيب في بلادي الصبر والسلوان..
تيا رنو إيتها الطفلة التي احببناك دون ان نراك لأننا راينا فيك صورة اخوتنا وأحباءنا وأبناءنا، صورة خيبات املنا نحن الأطباء الذين نحيا الأمل ونخاف الخيبة..وداعاً تيا يا شمس نهاراتنا الغريبة المغموسة بالعرق والدم، وَيَا قمراً منيراً بكى ذات ليل منتظراً نور صباح لن يأتِ أبداً..
بقلم الدكتورة غنوة خليل الدقدوقي
إخصائية الامراض الجرثومية