يُحكى في زمن القهر والخذلان والخوّة أنّ قاضيًا من قضاة الرشوة اختصم عنده رجلان، أحدهما بائع دجاج والآخر بائع بطّيخ.
وقبيل موعد جلسة المحاكمة أرسل إليه بائع الدجاج قفصًا من الديوك "كرشوة" للحصول على حكم لمصلحته، كما أرسل إليه بائع البطّيخ خمس بطّيخات ليحكم له.
فقرّر القاضي (في نفسه) أنّه سيحكم، في اليوم المقرّر للمحاكمة، لصالح بائع الدجاج باعتبار أنّ ثمن القفص أكبر بكثير من ثمن البطّيخات، ولا سيّما أنّه لاحظ أنّ البطّيخات فيها طعن بخنجر، الأمر الذي جعله يشعر بالاشمئزاز.
بيد أنّه، وبعد أن طبخت له زوجته ديكًا من القفص وأكله، راودته نفسه بأن يذوق البطّيخ.
فقال لزوجته: اجلبي لي بطّيخة.
فقالت له: ألن تحكم لصاحب الدجاج؟
فأجابها: لا بأس أن نتذوّق شيئًا من البطّيخ، فشقّ بطّيخة فوجد بداخلها ليرة من الذّهب، وشقّ الأخرى فوجد بداخلها أيضًا ليرة ذهبيّة. وكلّما شقّ بطّيخة وجد ليرة أخرى من الذهب.
وهنا قرّر القاضي أن يحكم لصالح بائع البطّيخ.
ويوم الجلسة، وعند النطق بالحكم، صاح بائع الدجاج بغضب واضح قائلًا: ما بال مؤذّن الفجر؟! (قاصدًا الديكة).
فقال له القاضي: اتّضح لنا أنّه منافق يؤذّن في الناس ولا يصلّي معهم. أمّا الآخر فإيمانه في قلبه، وكلّما شققنا على قلبه وجدناه ناصعًا لامعًا.
يقول النبيّ العربيّ محمّد عليه أفضل الصلاة والسلام: "القضاة ثلاثة، اثنان في النّار وواحدٌ في الجنّة". ومن وُلّي القضاء فقد ذُبح بغير سكّين.
فليُقطع دابر القوم الفاسدين، وليُنقَّ القضاء من القلّة المفسدين، ولتسطع شمس العدالة مبشّرة بفجر الحقّ الجديد، وليكن الحكم العدل الرقيب والشهيد، ولتكن العدالة الحقّة نموذجًا رائعًا لطلّاب العدل ولكلّ مريد.