هذه القصّة يعرفها أهل بيروت المحروسة أبًا عن جدّ، وفيها من الفكاهة الساخرة ما أثلج صدر الشعب اللبنانيّ إبّان الانتداب الفرنسيّ.
يُقالُ إنّه ﻋﻨﺪﻣﺎ اﺣﺘﻞَّ الفرنسيّون مدينةَ بيروت ﻛﺎﻥ ﻟﺪﻳﻬﻢ ﻧﻘﺺٌ في عدد مترجمي ﺍﻟﻠُّﻐﺔِ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴّﺔِ ﻟﻌﺪﻡِ ﺭﻏﺒﺔِ أهلِ بيروتَ في ﺍﻟﻌﻤﻞِ ﻣﻊ ﺍﻟﻤﺴﺘﻌﻤِﺮِ. ﻓﺄﺭﺍﺩﻭﺍ ﺃﻥ ﻳﻮﺯّﻋﻮﺍ ﻣﻨﺸﻮﺭﺍﺕٍ ﻋﻠﻰ البيارتةِ حتّى ﻳﻀﻤَﻨﻮﺍ ﻭﻻﺀَﻫﻢ لهم. فاستعانَ ﻗﺴﻢُ ﺍلدعايةِ والحربِ النفسيّةِ في الجيشِ الفرنسيِّ ﺑﺎﻟﻤﺘﺮﺟﻢِ ﺍﻟﻮﺣﻴﺪِ ﺍﻟّﺬﻱ ﻳﺘﻌﺎﻣﻞُ ﻣﻌﻪ ﻭﻫﻮ ﺷﺨﺺٌ ﺍﺳﻤﻪ (أبو سعيد عيتاني). ﻛﺎﻥ (أبو سعيد) ﺗﺎﺟﺮًﺍ ﺷﻬﻴﺮًﺍ ﻳﻌﻤﻞُ في ﺗﺠﺎﺭﺓِ ﺍﻟﺸﺎﻱِ في بلادِ الشّامِ ﻭﻛﺎﻥ يجيدُ أكثرَ ﻣﻦ ﻟﻐﺔٍ. ﻭبالفعلِ تمَّت ﻃﺒﺎﻋﺔُ ﺍﻟﻤﻨﺸﻮﺭِ ﺑﻌﺪ ﺃﻥ ﻗﺎﻡَ (أبو سعيد) ﺑﺘﺮجمته إلى ﺍﻟﻌﺮﺑﻴّﺔِ، ﻭﻭُﺯّﻋَﺖ ﻣﻨﻪ ﻣﻼﻳﻴﻦُ ﺍﻟﻨُّﺴَﺦِ في ﻣﺨﺘﻠَﻒِ ﺃﻧﺤﺎﺀِ ﺍﻟﺒﻼﺩِ.
وﺑﻌﺪ ﻣﺪّﺓٍ ﻣﻦ ﺍﻟﺰّﻣﻦِ ﻗﺎﻡَ ﺟﻨﺮﺍﻝٌ فرنسيٌّ، ﻳﺘﻘﻦُ ﺍﻟﻠّﻐﺔَ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴّﺔَ، ﺑﺰﻳﺎﺭﺓٍ ﺇﻟﻰ بيروتَ فأخذَ ﺑﻴﺪِه ﺣﻔﻨﺔً ﻣﻦ ﻫﺬه ﺍﻟﻤﻨﺸﻮﺭﺍﺕِ ﻭﺳﺄﻝَ ﺍﻟﻀّﺎﺑﻂَ ﺍﻟﻤﺴﺆﻭﻝَ ﻋﻦ ﺍﻟﺪّﻋﺎﻳﺔِ: ﻣﺎ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺬﻱ ﻛﻨﺘﻢ ﺗﺴﻘﻄﻮﻧَﻪ من الطّائرةِ ﻓﻲ ﺃﺭﺟﺎﺀِ ﺍﻟﺒﻼﺩِ؟
ﺃﺟﺎﺏَ ﺿﺎﺑﻂُ ﺍﻟﺪّﻋﺎﻳﺔِ: ﻫﺬه ﻣﻨﺸﻮﺭﺍﺕٌ ﻟﻜﺴﺐِ ﻭﻻﺀِ ﺍلأهالي. ﺳﺄﻟَﻪ ﺍﻟﺠﻨﺮﺍﻝُ المتقاعدُ: هل ﺗﻌﺮﻑُ ﻣﺎ الّذي ﻣﻜﺘﻮﺏٌ ﻓﻴﻬﺎ؟
ﻗﺎﻝَ ﺍﻟﻀّﺎﺑﻂُ ﺍﻟﻤﺴﺆﻭﻝُ: ﻃﺒﻌًﺎ سيّدي ﺃﻋﺮﻑُ، ﻣﻜﺘﻮﺏٌ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻟﻨّﺼﺮُ لفرنسا.
فقالَ ﺍﻟﺠﻨﺮﺍﻝُ: ﻟﻴﺲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻜﺘﻮﺏ أيّها الغبيُّ، ﻭﺇﻧّﻤﺎ ﻛُﺘﺐَ فيها: (ﺍﺷﺘﺮﻭﺍ أجودَ أنواعِ ﺍﻟﺸﺎﻱِ ﻣﻦ عند أبي سعيد العيتاني).
إنّها حنكة اللبنانيّ حتّى في ظلّ الاحتلال. وحبّذا لو وجدنا من يترجم لنا واقع الحال لمعايشة ما يخطر على البال في خضمّ أزمتنا الخطيرة في لبناننا الحزين.