الثلاثاء 26 نيسان 2022 13:12 م

فصل الربيع.. روح الطبيعة ونبض الحياة


* جنوبيات

أشجار تتوج بالأخضر بعد أن رحل اليباس عنها. زهور تلون العالم وتعطره، ثم شمس تسطع بدفء معتدل، وظواهر كثيرة أخرى تعلن أن الربيع عاد من جديد، وأن الحياة عادت للتجدد مرة أخرى، كما جاء في الأساطير القديمة، إذ جسد أدونيس معشوق عشتار، الربيع والإخصاب عند الكنعانيين والإغريق.

 تطلق كلمة الربيع على فصل من فصول السنة، يتميز بأحوال مناخية معتدلة، كما ينظر إليه بأنه وقت النمو والتجديد، إضافة إلى أنه الوقت الذي يشهد ميلاد حياة جديدة لكل من النبات والحيوان، وقد يتعدى الربيع التعبير المادي، فيستخدم بشكل عام كتعبير مجازي عن بداية فترات أفضل، إذ يطلق على مرحلة الشباب، ربيع العمر، وبسبب معانيه التي كثيراً ما ترتبط بمواصفاته المادية الجميلة، يسمي بعض الناس أولادهم باسم ربيع، أو ربيعة. كل هذه الميزات وغيرها جعلت من الربيع فصلاً مختلفاً، عن كل فصول السنة الأربعة. 

التقسيم الفلكي

يبدأ الربيع فلكياً، في الـ21 من شهر مارس، في نصف الكرة الأرضية الشمالي. وكذلك في الـ 22 من شهر سبتمبر، في نصف الكرة الأرضية الجنوبي. وهو يستمر حتى وقت الانقلاب الصيفي .

والذي يكون عادة في الـ 22 من شهر يونيو في نصف الكرة الشمالي، وفي الـ22 من شهر ديسمبر في نصف الكرة الجنوبي. ويرتبط تعريف فصل الربيع، في علم المناخ (الفينولوجيا)، بمجموعة مؤشرات، مثل ازدهار مجموعة من الفصائل النباتية أو الأنشطة الحيوانية كالهجرة والتزاوج.

أو من خلال الرائحة الخاصة التي تكتسبها التربة بعد وصولها الى درجة حرارة معينة، تساعد في بدء ظهور النبتات الصغيرة، ويمكن الاستدلال على قدوم فصل الربيع مع وصول أول طائر من طيور السنونو وتفتح زهور الليلك. وعليه فإن تحديد بداية فصل الربيع تختلف باختلاف المناخ والطقس لسنة معينة عن غيرها. ولوحظ في العقود الأخيرة ظاهرة الزحف الربيعي، التي تعني ظهور الكثير من المؤشرات المناخية المرتبطة بفصل الربيع في الكثير من المناطق بشكل يكون معه سابقا ومبكرا بمدة يومين لكل عشر سنوات.

حميمية الأرض والشمس

في الربيع يكون محور الأرض مائلاً نحو الشمس، وتزداد مدة فترة النهار بسرعة في نصف الكرة الأرضية، والذي يميل فيه محور الأرض نحو الشمس، إذ يميل هذا النصف من الكرة الأرضية نحو الدفء بشكل ملحوظ، ما يؤدي إلى بدء نمو النباتات الجديدة، وهي العملية التي تميز فصل الربيع وتعلن عن قدومه.

وفي المناطق التي تشهد سقوطاً للثلوج، يبدأ الثلج بالذوبان وتفيض الأنهار بفعل ماء الثلج المذاب. وكذلك الحال في المناطق التي تشهد موجات صقيع في فصل الشتاء، حيث تأخذ شدة هذه الموجات في الاعتدال. ومع ذلك فالكثير من المناطق معتدلة المناخ لا تشهد ثلوجاً أو موجات صقيع، وإنما ترتفع فيها درجة حرارة الهواء والتربة. وتتفتح زهور العديد من النباتات في هذه الفترة من العام، ويحدث هذا خلال فترة طويلة، تبدأ أحياناً بوجود الثلج على الأرض، وتستمر إلى أوائل فصل الصيف.

وفي المناطق التي لا تشهد سقوط الثلوج بطبيعتها، قد يبدأ الربيع مبكرا في شهر فبراير (في نصف الكرة الشمالي)، ومن ثم تبدأ نباتات المغنوليا والكرز والسفرجل، بينما تتميز الكثير من المناطق المعتدلة مناخياً بربيع جاف وخريف ممطر، وهو الأمر الذي يفسر حدوث عملية الإزهار في هذا الفصل، والذي يتناسب بشكل أكبر، مع حاجة النباتات إلى الماء والدفء. وبالنسبة للمناطق الواقعة جنوب المنطقة القطبية الشمالية، فقد لا تشهد "الربيع" على الإطلاق، إلى حين بلوغ شهر مايو أو حتى يونيو، أو إلى حين بلوغ شهر ديسمبر في المناطق الواقعة خارج نطاق القطب الجنوبي.

أعياد الربيع

لقدوم الربيع طقوس احتفالية مارستها الشعوب منذ القديم، ومنها أكيتو، وهو اسم أطلق على عيد الربيع في بلاد ما بين النهرين، وتعني الكلمة في اللغة السومرية، حصاد الشعير، بينما تعني باللغة البابلية رأس السنة. أما في الحضارة البابلية فقد اتخذ يوم قدوم الربيع، عيداً للاحتفال بالنصر الذي حققه الإله مردوك على الإله تيامات. بينما يعتبر أول يوم في فصل الربيع بمثابة بداية العام الجديد: النوروز، كما أطلق عليه في التقويم الإيراني. ويمثل عيد النوروز "المعروف أيضاً باسم النيروز أو النفروج،.

والعديد من المسميات الأخرى"، أحد أهم الأعياد التقليدية التي يُحتفل بها في إيران، وفي العديد من البلدان الأخرى التي تعيش فيها جاليات إيرانية، مثل أذربيجان وأفغانستان وطاجيكستان. كما يحتفل به أيضاً الشعب الكردي في تركيا والعراق وسوريا وغيرها من بقاع أخرى. وبعد ظهور المسيحية اعتبر عيد الفصح، أهم الأعياد الدينية في السنة الطقسية المسيحية.وفي أعياد الشعوب الأخرى يعتبر عيد الربيع الصيني، أهم الأعياد الصينية التقليدية،.

وغالبا ما يطلق عليه عيد رأس السنة القمرية الجديدة، لا سيما من قبل سكان المدن الرئيسية في الصين وتايوان وسنغافورة وماليزيا. ويبدأ الاحتفال بهذا العيد في أول يوم من الشهر الأول في التقويم الصيني، وينتهي في اليوم الخامس عشر من الشهر ذاته، ويطلق على هذا اليوم اسم"مهرجان الفوانيس"، وتسمى عشية رأس السنة الصينية الجديدة "تشوشي"، وهي تعني حرفياً، عشية الانتقال للسنة الجديدة. وفي الهند يعد مهرجان الألوان الذي يحتفل به الهندوس، أكثر مهرجانات الألوان بهجة وحيوية، وفيه يتبادل الناس رش المياه، ويضعون المساحيق الملونة على بعضهم البعض.

الربيع يكسو الأدب

الشاعر الذي يتفاعل مع ما حوله منذ القدم، استفز حواسه الربيع، وكتب في وصفه عبر أجمل الأبيات، إذ قال البحتري:

أتاك الربيع الطلق يختال ضاحكا

من الحسن حتى كاد أن يتكلما

وقد نبه النوروز في غلس الدجى

أوائل ورد كن بالأمس نوما

يفتقها برد الندى فكأنه

يبث حديثا كان أمس مكتما

ومن شجر رد الربيع لباسه

عليه كما نشرت وشيا منمنما

 

كما قال أبو تمام:

صنع الذي لولا بدائع صنعه

ما عاد أصفر بعد إذ هو أخضر

خلق أطل من الربيع كأنه

خلق الإمام وهدية المتيسر

وبقي الربيع يحكي سيرة فصل من فصول السنة، ويوحي للأدباء بكل ما هو جميل ومشرق. وعنه قال الأديب المصري عباس محمود العقاد: الربيع موسم الحب، وحين يقترب تسري الحركة في عالم الأحياء كأنهم يتأهبون لعرس أو يتجملون ليوم مهرجان. ومن الشعراء الذين توجوا الربيع في قصائدهم صفي الدين الحلي، والشاعر الفقيه أبو جعفر بن خاتمة الأنصاري الأندلسي، والشاعر اللبناني أمين نخلة، وغيرهم الكثير.

إيحاء فني

كثيراً ما جسد الفن الجمال، وجسد الربيع عنواناً لروح تمتع الفصول بالهدوء والجمال، ورأى فيه الفنانون، رمزاً للجمال والحب والصفاء، وراحة القلوب، وقد استلهموا ومزجوا من شذى الألوان، ما أنتج لوحات خالدة عكست لمساتهم الملونة. وأشهر من رسم الربيع بزهوره وتحولاته، الفنان بوتشيللي، والذي صور في لوحته "الربيع"، عرائس جميلة توجت رؤوسها بأكاليل من الزهور، وهن يرقصن مع الأزهار على بساط ملون من ضروب النبات، وتحت أقدامهن تنمو الزهور المتنوعة الأشكال.

وأما الفنان جورجوني فقد مجّد الربيع، وأضفى عليه الكثير من الألوان النضرة، ومثله فعل الفنان فرانجيلكو، الذي زاد الربيع بفنه روحية خصبة وكانت أزهاره، بما فيها من دقة، موضع دهشة المتلقي ونقاد الفن وعلماء النبات. كما صور الفنان سانترون الربيع في صورة زهور المارغريت، وهي رمز زهور المحبين، تضمها إحدى الفتيات إلى صدرها، بحنان وتأمل.كما جسد فنان الانطباعية تيسيانو، في لوحته "أدونيس وعشتروت"، وكلتا الشخصيتين، بينما تغرقان في أحضان الربيع.

حيث تغمرهما الورد والزهر ويبتسم لهما كيوبيد:" إله الحب والشباب". كما ظهرت الزهور وروح الربيع لدى فان كوخ، في لوحة "زهرة الخشخاش"، والتي رسمها في العام 1855. وكذلك في لوحات كل من: تشارلز جروب، روبرت بلوم، وجورج هتشكوك. ويعد الأخير من أكثر الفنانين تأثراً برسم الزهور، إذ اتسمت لوحاته بثراء الألوان وبهجة الضوء، لذلك أطلق عليه النقاد اسم "رسام الضوء".

ويظهر في كل عمل فني جديد الاختلاف بين الفنانين في رؤيتهم تجاه رسم الربيع والورود والأزهار، فالفنان الفرنسي كلود مونيه الذي عاش في منطقة الأزهار في هولندا العام 1886 م، رسم خمس لوحات زيتية وزعت فيما بعد على متاحف هولندا وفرنسا وأميركا، ومن أهم هذه اللوحات، حقل التوليب.

ولوحة حقول الأزهار وطواحين الهواء بالقرب من رينسبرغ. وبقيت مجموعة اللوحات التي رسمها مختلف فناني العالم عن ربيع وأزهار هولندا، من أروع المجموعات الفنية، نظراً للجو الهادئ والرومانسي الذي عمل فيه الفنانون، وسط حقول الأزهار الساحرة. ومن الفنانين العرب الذين تناولوا الربيع أو الورود والأزهار بكثرة في لوحاتهم، الفنان صبري راغب الذي يعد من أبرز الفنانين المصريين الذين برعوا في رسم الورود والزهور.

كما يعد رائداً في اتجاه البحث عن اللون والضوء، ومن الفنانين الذين توجهوا بأدواتهم للتعبير عن ربيع وجمال بلادهم وسحر ألوانها وشفافيتها، الفنان السوري نصير شورى، والذي رسم الورود والأزهار ونضارة الربيع، ودفء حرارة التراب في مئات اللوحات، وعالجها بألوان متنوعة وشفافة. وأما الفنان الفلسطيني إسماعيل شموط، فقد حاول أن يلخص ربيع فلسطين على مسطح جداريته "الربيع الذي كان"، إذ راحت فيها الفتيات في سهوله الخضراء، يرقصن مع أحبابهن. 

أغاني الربيع

إنه الربيع. ولكنه هذه المرة، يجمع بين الكلمة واللحن والصوت، في منحى إبداع فني جديد لما كانت الطبيعة قد أبدعته، وتجلى هذا في أغاني كبار الفنانين، مثل الفنان الراحل فريد الأطرش، والذي قدم أغنية "الربيع"، لتصبح فيما بعد واحدة من أشهر أغانيه الطويلة وعلامة من علامات الربيع، لأنها تذاع في معظم الإذاعات العربية، احتفالاً بقدوم الربيع. وتبدأ الأغنية بـ "أدي الربيع عد من تاني والبدر هلت أنواره" وهي قصيدة كتبها مأمون الشناوي، وعرضها بداية على أم كلثوم ورفضت، وكان هذا من حظ فريد الأطرش الذي لحنها وغناها في فيلمه "عفريتة هانم"، والذي قدمه في العام 1949 وغناها أيضاً في مهرجانات شم النسيم في مصر، والتي كانت تنظم أيضاً بمناسبة قدوم الربيع.

أما الأغنية التي تلتها شهرة فهي "الدنيا ربيع والجو بديع" للفنانة الراحلة سعاد حسني، وهي من كلمات الشاعر ورسام الكاريكاتير صلاح جاهين، وغنتها ساندريلا الشاشة العربية في فيلم "أميرة حبي أنا". واستخدم مطلعها في الكثير من الأحيان كاسم لمواقع الكترونية مختلفة.

أو كعنوان لمقال مثل الذي كتبته وداد الكوراي. ويبقى الموضوع واحداً وهو الربيع، وكان لابد أن يظهر في أغاني السيدة فيروز التي قدمت عبر تاريخها الفني سكيتش الربيع، كما جاءت هذه المفردة في أغانيها، مثل أغنية" شام يا ذا السيف" للشاعر سعيد عقل، ففيها غنت فيروز في مقطع منها: لي ربيع فيك خبأته/ ملء دنيا قلبي التعب. كما غنت في مقطع من قصيدة "من نعيماتك" للشاعر بدوي الجبل:

ورد الربى بعد الربيع بعيدة

يدنيك منها في قواريره العطر

 

الربيع العربي

أطلقت عبارة "الربيع العربي" على موجة التغيير التي بدأت في العالم العربي في أواخر العام 2010 ومطلع 2011 ، إذ اندلعت موجة عارمة من الثورات والاحتجاجات في مختلف أنحاء الوطن العربي، وهي بدأت بالثورة التونسية عندما أحرق محمد البوعزيزي نفسه، احتجاجاً على الأوضاع السيئة في تونس.

ومن الثورة التونسية انطلقت الشرارة في كثير من الأقطار العربية وعرفت تلك الفترة بربيع الثورات العربية. ومن أسباب هذه الاحتجاجات المفاجئة، انتشار الفساد والركود الاقتصادي وسوء الأحوال المعيشية، إضافة إلى التضييق السياسي وسوء الأوضاع عموماً في بعض البلاد العربية. وانتشرت هذه الاحتجاجات بسرعة كبيرة في أغلب البلدان العربية.

وقد تمخض عنها وقوع ضحايا كثر. وتميزت هذه الثورات بظهور هتاف عربي أصبح شهيراً في كل الدول العربية، وهو (الشعب يريد إسقاط النظام). وقد دفع هذا الربيع العربي، بعض المحليين العرب والأجانب، الى التأكيد أن ما يحدث ما هو إلا تنفيذ لأجندات خارجية مخطط لها سابقاً، بهدف تفتيت العالم العربي إلى دويلات، وبناء على هذه المقولات وغيرها كثيراً ما طرح سؤال ملح حول مصير الربيع العربي ومآلاته إلى أين؟

رأت صحيفة الغارديان البريطانية، بعد نضوج العديد من ثمار الربيع العربي، أن ما شهده العالم العربي صحوة إسلامية، وحذرت الغرب، في مقالاتها، بأنه بوابة هيمنة "الإسلام السياسي" على العالم العربي، وقالت الصحيفة ان صعود نجم الجماعات والأحزاب السياسية ذات المرجعية الدينية في عدد من الدول العربية، أخيراً، إنما يعكس هيمنة الإسلام السياسي على العالم الجديد الذي شكلته ثورات الربيع العربي.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المصدر :جنوبيات