الأحد 22 أيار 2022 09:24 ص |
عندما يستشهد مسيحيّ من أجل القدس |
* جنوبيات تزامنت ذكرى النكبة الفلسطينية بقيام إسرائيل في عام 1948 مع استشهاد الصحافية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة على يد القوات العسكرية الإسرائيلية. انطلقت تظاهرات استنكارية في العديد من عواصم العالم: في واشنطن (إضافة إلى نيويورك ولوس أنجلوس وشيكاغو) وفي برلين وروما ولندن وباريس، لكن لم يُسجَّل قيام سوى تجمّعات محدودة في بعض الدول الإسلامية (إندونيسيا)، والعربية (المغرب). استنكر جريمة القتل وجريمة الاعتداء على النعش مراجع وشخصيّات من كلّ العالم، ومن بينهم منتمون إلى العالم العربي، إلا أنّ أشدّ الاستنكارات صدرت عن شخصيات يهودية من خارج إسرائيل وحتى من داخلها. ارتفع صوت نشاز من إحدى المدن العربية، في ذكرى النكبة، يقول إنّ الشهيدة شيرين أبو عاقلة هي ضحيّة وليست شهيدة لأنّها كانت كاثوليكية غير مسلمة. غير أنّ صاحب هذا الصوت الذي يدّعي أنّه يحمل مفاتيح الجنّة (يُدخل إليها من يشاء، ويقفل أبوابها في وجه من يشاء) نسي أو لعلّه لم يعرف في الأساس الموقف المسيحي الكاثوليكي من قضية فلسطين، ومن قضية القدس بصورة خاصة. في 24 كانون الثاني من عام 1904، وجّه البابا بيوس العاشر رسالة إلى تيودور هرتزل مؤسّس الحركة الصهيونية ردّاً على رسالة كان هرتزل قد وجّهها إلى البابا طالباً فيها دعم الفاتيكان تهجير اليهود من الدول الأوروبية إلى فلسطين. قال البابا في رسالته الجوابيّة : "نحن لا نستطيع أبداً أن نتعاطف مع الحركة الصهيونية. إنّنا لا نقدر على منع اليهود من التوجّه إلى القدس، لكنّنا لا يمكن أبداً أن نُقرّه، وبصفتي قيّماً على الكنيسة لا أستطيع أن أجيبك بشكل آخر. لم يعترف اليهود بسيّدنا (المسيح)، ولذلك لا نستطيع أن نعترف بالشعب اليهودي، وبالتالي إذا جئتم إلى فلسطين، وإذا أقمتم هناك، فإنّنا سنكون مستعدّين كنائس ورهباناً أن نعمّدكم (أي نحوّلكم إلى المسيحية) جميعاً". وثيقة فاتيكانية وجاء في وثيقة فاتيكانية صادرة في الأوّل من أيار 1897، ونشرتها CIVILTA’ CATTOLICA (عشيّة المؤتمر الصهيوني الأول الذي عُقد في بازل في سويسرا): "مرّت 1827 سنة على تحقيق نبوءة المسيح بأنّ القدس سوف تُدمّر.. ولذلك إعادة بناء القدس لتصبح مركزاً لدولة إسرائيل بعد تكوينها تتناقض كلّ التناقض مع نبوءات المسيح الذي أخبرنا مسبقاً بأنّ العامّة (أي غير اليهود) سوف تسيطر على القدس حتى نهاية زمن العامّة (جنتيل)، أي حتى نهاية الزمن".
كرّس هذا الموقف المبدئي للفاتيكان ثوابت إيمانية لعلّ من أبرزها : 1- حكم الإدانة الذي أصدره البابا غريغوري الثالث عشر في عام 1581 ضدّ اليهود. 2- الإيمان بعدم جعل القدس عاصمة لدولة يهودية حتى قيام الساعة وفقاً لِما ورد في إنجيل لوقا 21/24. 3- عدم الاعتراف بالشعب اليهودي ما دام هذا الشعب لا يعترف بالمسيح (رسالة البابا بيوس العاشر). 4- لا لسيادة اليهود على الأرض المقدّسة في فلسطين (رسالة البابا بنديكت الخامس عشر إلى ناحوم سوكولوف مبعوث الحركة الصهيونية). لعلّ من المفيد أيضاً تذكير "صاحب الصوت النشاز" الذي يحلّل ويحرّم بأنّ المطران كبّوجي، وكان مطراناً كاثوليكياً أيضاً، اعتقلته إسرائيل طويلاً لأنّه كان يهرّب الأسلحة للمقاومة الفلسطينية داخل الخط الأخضر وإلى الضفة الغربية. ومن المفيد كذلك تذكيره بأنّ قائد ومؤسس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين المرحوم جورج حبش (قدّيس المقاومة الفلسطينية) كان مسيحياً أيضاً، وكذلك بطل تنظيم عملية ميونيخ التي استهدفت الفريق الإسرائيلي في دورة الألعاب الأولمبية الدولية. عام 1974 عندما عُقد أول مؤتمر لقمّة إسلامية حول القدس في مدينة لاهور بباكستان، فاجأ القمّة البطريرك الياس الرابع بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس، من دون دعوة رسميّة، واعتلى منبر القمّة ليقول: لم أحضر إلى لاهور حتى أؤيّد القمّة الإسلامية بشأن القدس.. أنا أعتبر القمّة الإسلامية مؤيّدة لي في قضيّة القدس. إغناطيوس.... والطائف منذ ذلك الوقت أصبحت دعوة البطريرك الأرثوذكسي إلى كلّ قمّة إسلامية إجراءً روتينيّاً. وكان مؤتمر الطائف عام 1981 المؤتمر الأوّل، وفيه قال البطريرك إغناطيوس هزيم عن القدس: "الفلسطينيون أصحاب البيت. فكيف يجوز تحويلهم في بيتهم إلى زائر وعابر سبيل؟ وكيف لا يكون لهم في القدس حقّ الوجود والبقاء؟ القدس قدس إذا كانت المدينة والشعب. لا المدينة بدون الشعب ولا الشعب بدون المدينة. إن كان الله قد افتقد الشعب الفلسطيني بالانتشار لزمن، فذلك لا يعني أنّه فَقَد رباطه بمكان به تقدَّس، وإليه حجّ، وفيه ناجى ربّه على أفضل ما يمكن من المناجاة.. القدس لأهلها لا للعنصرية. فالعنصرية في القدس، كما هي في كلّ مكان، لطخة في جبين الحقّ والعدالة. في القدس نلتمس وجه الله..". هذا الموقف المسيحي الكاثوليكي – الأرثوذكسي المبدئي من قضية فلسطين بصورة عامّة، ومن قضية القدس بصورة خاصّة، يوحّد الموقف العربي الإسلامي – المسيحي في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، ويجعل من كلّ ضحيّة فلسطينية شهيداً. والعسكري الإسرائيلي الذي أطلق النار على رأس الصحافية شيرين أبو عاقلة عن سابق تصوّر وتصميم، كان يعرف أنّها مسيحية كاثوليكية. وكان يعرف أيضاً أنّها عربية فلسطينية، تجاهد بالكلمة الحرّة وبالخبر الصادق الذي يفضح وحشيّة الاحتلال الإسرائيلي في الاعتداءات المتكرّرة على مخيّمات اللاجئين الفلسطينيين داخل فلسطين المحتلّة. قضت شيرين أبو عاقلة شهيدةً برصاص المحتلّ الإسرائيلي لتختلط دماؤها مع دماء شهداء المرابطين من حماة المسجد الأقصى وكنيسة القيامة. المصدر :أساس ميديا |