في هذا الجوّ المقيت في بلد القهر والقمع والاستبداد وإهدار المال العامّ، جرى هذا الحوار مع أحد الشباب الذين فقدوا الأمل في مستقبل أفضل، وأصبح ضنك العيش يحاصرهم من كلّ مكان، فصرّح الشابّ بصوت حزين جدًّا قائلًا:
كبرنا لدرجة أنّنا لم نعد نبحث عن الأصدقاء الجدد أو حتّى على أشخاص يحبّوننا ونحبّهم.
كبرنا لدرجة أنّنا نرتدي الملابس نفسها لأسبوع أو أسبوعين متتالين بدون أن نشعر بالحرج.
كبرنا لدرجة أنّنا أصبحنا نخاف على أهلنا بدلًا من الخوف منهم، كما توقّفنا عن مجادلة أحد حتّى وإن كنّا على صواب، فصرنا نترك الأيّام تثبت صحّة وجهة نظرنا.
كبرنا لدرجة أنّنا لم نعد نتحدّث مع أحد عمّا يحصل معنا، ولا عمّا يؤلمنا، وصرنا نداوي جراحنا بأنفسنا.
كبرنا وأصبحنا نفرح بصمت ونبكي بصمت ونضحك بابتسامة صفراء.
لم نعد نهتمّ بنوع الهاتف الذي نمتلكه ولا نوع السيّارة أو رقمها، بدون أن نخجل ممّا نمتلك. ولم نعد نتأثّر بمعسول الكلام فنحن نريد أفعالًا من القلب.
كبرنا وأصبحنا نعطي صدقة للفقير ونساعد المحتاج رغم ضعفنا واحتياجاتنا.
كبرنا وعرفنا أنّ المظاهر خدّاعة، وتعلّمنا أنّه ليس كلّ ما يلمع ذهبًا، وأنّ حبل الكذب قصير، وصرنا نعرف من يضحك علينا بل ونتركه يصدّق نفسه بأنّه استغفلنا.
أصبحنا نعرف متى نسامح ولا ننتقم، ومتى نتغابى ونتجاهل. وتعلّمنا ألّا ننتظر أي شيء من أحد، لا بل تعلّمنا كيف نكتفي بأنفسنا.
تعلّمنا متى نثق وبمن نثق.
"كبرنا بهدوء" في كلّ شيء قبل أن يكبر فينا العمر.