الجمعة 3 حزيران 2022 15:20 م

“جحش الدولة” راجع إلى شوارع لبنان..


* جنوبيات

عندما يستذكر اللبنانيون بعض معالم زمنهم الجميل لا بد أن تمر في أذهانهم صورة «جحش الدولة»، الاسم الذي أطلقوه على «الباص» او حافلات النقل العام، الذي كان «ينغل» في الطرق حين كانت الحياة تتدفق في شوارع العاصمة وساحاتها، أو صورة «ترمواي بيروت» وقطار لبنان، الذي لم يبق شاهداً عليه سوى سكك حديد صدئة ومتآكلة.

مع تفاقم الأزمة المعيشية وارتفاع أسعار المحروقات، حيث يتكبّد المواطن ثمن غياب وسائل النقل العام وعدم صيانتها، تزداد الحاجة إلى تفعيل هذا القطاع. ورغم مبادرات ودراسات أجرتها منظمات غير حكومية محلية وأجنبية طيلة السنوات الماضية من أجل تفعيل قطاع النقل العام، سواء بزيادة عدد الباصات أو إعادة إحياء سكك الحديد الا أنها بقيت كلها حبر على ورق.

اليوم، يتبدى أمل بأن تصبح خطة النقل التي أعدتها وزارة الأشغال واقعاً أكثر من أي وقت مضى. ويترقب اللبنانيون عودة «جحش الدولة» الى الطرق بعد وصول 50 حافلة هبة من الدولة الفرنسية، تضاف إلى 45 باصاً يُعمل على صيانتها -هي جلّ ما تبقى من حافلات الدولة- ليتم تشغيلها ما بين الخطوط الساحلية التي توفر خدمة النقل من المناطق البعيدة، وعلى محطات التسفير الكبرى انطلاقاً من بيروت نحو الشمال والجنوب والبقاع.


وفي اتصال مع القبس اعتبر المدير العام لمصلحة سكك الحديد والنقل زياد نصر ان الخطوة الإيجابية الأولى في هذا المشروع هي امتلاك الدولة مجموعة باصات، تجري متابعة مقتضيات إعادة تشغيلها من عناصر بشرية وموارد مالية، وتغطية نفقاتها لكي تتمكن الوزارة من تسييرها وفق الخطة المعدة.

ولكن سيرة «جحش الدولة» ومصيره ومصير الخطط التي أُقرت لتفعيل دوره، لا تنبئ بتفاؤل كبير. فالباصات الفرنسية بحجمها الكبير غير قادرة على التحرك بسهولة في الشوارع الداخلية للعاصمة، وانما في الطرق العامة فقط. كما أن موضوع صيانتها في ظل ما تعانيه الدولة يهددها بمصير سابقاتها المركونة في مصلحة السكك الحديد والنقل المشترك التي تُستخدم مستودعاً.

ويروي أحد الموظفين ان حافلات الدولة كانت حين تتعطل احداها، يتم نزع قطع غيار من أخرى معطلة، إلى ان توقفت كلها عن العمل.


تردي قطاع النقل العام، وتراجعه، افسحا المجال لمنافسة القطاع الخاص. وعلى شاكلة كارتيل المولدات الكهربائية، هناك كارتيل للباصات الخاصة التي تسير على كل الطرق، وبكلفة أكبر قليلا من كلفة

باصات الدولة (15 الف ليرة)، الا انها تبقى أقل من تسعيرة سيارات الأجرة، او السرفيس (30 الف ليرة).

ومعظم ركاب «جحش الدولة» أو الباصات الخاصة هم من فئة المياومين والطلاب وفقراء الحال. علماً ان أكثر من ثمانين في المئة من إجمالي السكان البالغ عددهم قرابة ستة ملايين، قد اصبحوا تحت خط الفقر.

ويشهد هذا القطاع فوضى عارمة في غياب تام للدولة اللبنانية. ويلفت نصر إلى مسؤولية وزارة الداخلية وقوى الأمن الداخلي ووزارة الأشغال في تنظيم وضبط قطاع النقل، إذ يعمد سائقو الباصات الأخرى ومشغلوها إلى تهديد ومضايقة سائقي باصات الدولة وإعاقتهم عن عملهم.

الباحث في التراث الشعبي زياد عيتاني يقول في حديث لـ القبس ان «الأوتوبيس» (حافلات النقل العام)، ظُلم من الناس عندما أطلقوا عليه منذ بدء تشغيله لقب «جحش الدولة»، رغم خدمات التوصيل التي كان يقدمها لهم، وبأسعار مخفضة، حيث إن تعرفة التوصيلة كانت تتراوح ما بين ١٥ و٢٥ قرشاً، فضلاً عن الاشتراكات الشهرية المدعومة للطلاب والموظفين!

وتتضارب الروايات حول تسمية «الأوتوبيس» بـ«جحش الدولة»، وبعضها لا يخلو من الطرافة.

القصة بدأت عندما لم يتمكّن «البيارتة» من إيجاد ترجمة لبنانية حرفية لكلمة «أوتوبوس» الفرنسية أو «باص» الإنكليزية، فأطلقوا تسمية «جحش الدولة» على الحافلات التي بدأت تقلّ الناس في العاصمة وضواحيها!

أما الرواية الثانية، فترد التسمية الى الأثقال التي يتحملها الاتوبيس، على غرار «الجحش» الحقيقي.

وأيا تكن أصول التسميات، ارتبط «جحش الدولة» بذاكرة اللبنانيين. حيث كانت حركته في شوارع العاصمة تعبيرا عن حيويتها وزحمة ساحاتها وشوارعها، شرقها وغربها.

يرى عيتاني أن «جحش الدولة» كان مرآة لحال الدولة، فهو مثلها، «ساهمت أحداث لبنان وأزماته وصفقات مسؤوليه المشبوهة مجتمعة في تردي وضعه، وكادت تتسبب بانقراضه، قبل أن تُبقي على بعض دلالات وجوده». وكانت الحرب الأهلية في 1975 مفصلية في تغيير مساراته ووظيفته من قبل الأطراف المتحاربة، التي حولته إلى متاريس ودشم بين المناطق اللبنانية، بعدما كان صلة التواصل والتوصيل بينها.

المصدر :جنوبيات