منذ زمن طويل والانسان يهتم بجسده كثيراً وهو يعتمد دائماً لإصلاحه أشكالاً «تشكيلية» عديدة بواسطة أدوات التجميل والمكياج وأدوات الزينة، كما يقوم أيضاً بواسطة الجراحة حيث تتراوح بين البتر والوشم والشطب.
وهنا نتذكر أن الانسان المخلوق الوحيد الذي يولد عارياً، فعلى جسده يقوم برسم ما يحلو له من بعض الفنون التشكيلية أو إعادة تصويره من جديد.
هناك مجموعة من الدلائل تثبت أن الجسد عند انسان نياندرتال كان موضوع علامات التعجب وبعض تشويهات طقوسية، كما كانت الحال عليه حتى بدايات هذا القرن لدى بعض الجماعات البشرية والشعوب البدائية.
إن قبائل (نياندرتال) كانت في الماضي تلون عظام الموتى بمسحوق الغمرة الحمراء، وهذه الغمرة الحمراء تعتبر رمزاً حيوياً إلى الخصب فظلت عند الشعوب البدائية التي تحافظ على طقوسها ومعتقداتها ومقدساتها أكثر الألوان استعمالاً. وهي طبعاً مستعملة في تلوين الجسد ورسمه. ويفسر بعض المختصين أن أجدادنا كانوا يهدفون عبر عملية تلوين عظام الموتى بالأحمر إلى تأمين البقاء والحياة بعد الموت.
وقد عبر ما قبل التاريخ عن دهشتهم أمام ندرة تصوير البشر في الفن الباليفي على الرغم من تعدد الموضوعات المرسومة على الجدران بشكل خاص.
إن عادة الرسم على الجسد وكذلك الوشم والشطب كانت منتشرة في الجماعات الدولية وما قبل الدولية أي ما قبل نشوء دولة مركزية في العصر الحجري ويشهد على ذلك ما نراه على مجموعة من التماثيل والمنحوتات، التي عثر عليها في حوض البحر الأبيض المتوسط ومنها لوح موجود لتمثال صغير على شكل لوح في متحف نيقوسيا بقبرص، وميزة هذا التمثال تكمن في الفارق الكبير بين شكل الجسد المبسط والمختصر للغاية وهو من البرونز، وبين الزينة المعقدة المحفورة في الجهتين.
فالثقافة وجدت لتخفي نقصاً في الطبيعة، وليس الخيال إلا للتعويض عن القلق وعدم التأقلم والتوافق مع المحيط. هكذا يواجه الانسان جسده بكونه أول موضوع وأول هدف في الاصلاح الثقافي وهكذا أيضاً كان الاصلاح الأول والزينة الأولى يتحققان بالرسم على الجسد أو إعادة تصوير الجسد. لذلك نلاحظ أن الرسوم على الأجساد وخاصة الوجوه، على قدر من التمويه والتخفى كما أن هذه الرسوم لا علاقة لها ولا تذكر أبدأ بالوجه وليست تصويريه، فهي المسيطرة والألوان غير متجانسة وغير طبيعية. فالرسوم التزينية سريعاً ما تزول وهي متعلقة بمناسبات خاصة وتشكل شرخاً في الحياة اليومية.
إن الوشم أكثر انتشاراً في آسيا وأميركا وأوقيانيا، فيما الشطب منتشر بكثرة في أفريقيا. ويرجع هذا إلى لون البشرة؛ فالوشم بحاجة إلى لون بشرة فاتح وهذه العلامات التي تبقى ولا تزول تكتب على الجسد علامة الاجتماعي والثقافي. وهي إشارة إلى الخروج من حالة الطفولة في التبادل الاجتماعي.
فالخاضع لطقس الادخال والانتماء يحتمل الألم بصمت أثناء عملية الوشم وخصوصاً الشطب وذلك إظهاراً لشجاعته وجدارته، وكيلا تغضب الأرواح «الآلهة» المعنية كانت أصول هذه الطقوس على إحداث الألم ووشم الجسد بنتائجه عائدة إلى جرح خلال صيد الحيوانات وهي لذلك علامة الرجولة.
إن أفراد قبيلة الهنود «ألسيو» في أميركا الشمالية يحيطون جروح المعركة بخط أحمر، وفي قبائل هندية أخرى تدل الزينة من الريش بعددها وألوانها وتوزيعها على المآثر الحربية للذي يرتديها، وفق نظام معين.
الأسكيمو يشمون على جباههم أذيال الحيتان التي قتلوها. ولدى الأتنيات جميعها انتزاع الفرد وفي كل أشكال الزينة نجد وظيفة عامة للرسم أو الوشم على الجسد وهي انتزاع الفرد من حالة سابقة حالة اللاتمايز والذوبان السابقة للوجود الاجتماعي.
ويقول الهنود الكادوفيو: «إن جسداً غير مرسوم هو جسد أبله» أما البافيا في الكاميرونيون يقولون: «رجل ليس مشطوباً يشبه الخنزير أو القرد».
إجمالاً، اللون الأحمر، هو من الغمرة الحمراء، المأخوذة من الأرض بلون الدم، يرمز للطاقة الحيوية والخصب.
اللون الأبيض هو من غبار الكلس ومأخوذ مباشرة من الأرض يرتبط إجمالاً بالحداد والطهارة.
اللون الأسود يوحي بالليل المهدد والسديم الأولي وهو علامة نجاسة.
فالوشم على الجسد يدل على النبذ الاجتماعي أو التهميش فهو يدل على اللص وعلى العبد في مصر الفرعونية، وكما كان الوشم خاصاً بالمرأة العاهرة والراقصة والمغنية. وينطبق هذا على المجتمعات كلها عبر هذه العصور.
ففي فرنسا، أيام الملكية وأيام نابليون، كانت العلامة على الجسد عقاباً على جريمة، وكتف المجرم القاتل كانت توشم بصورة زنبقة وحرف «V» كان وشم اللصوص والمتسولين وكانت كلمة «غال» وشماً للمحكومين بالأشغال الشاقة وكان العبيد يوشمون بالأحرف الأولى من أسماء مالكيهم.
أما اليوم فإن الزينة والماكياج وأدوات التجميل وكذلك الثياب والأزياء طريقة بين مئات الطرق لتعريف فعل الوجود. هذا هو المبدأ في ميتافيزيقيا العصور الحديثة.. ولكن مع تغريب الأرض خفت الحدود بين الثقافات وتحولت إلى حدود بين الأجيال القديمة والحديثة.
إن الزينة والرسوم التي نراها على أجساد الأفراد منذ الشعوب البدائية هي الغرابة بحد ذاتها، وذلك على الرغم من تشجيع الفنانين التشكيليين منذ بداية القرن العشرين على الاهتمام بثقافة هذه الشعوب واعتبار هذه المظاهر ركيزة تشيكلية.