السبت 25 حزيران 2022 13:38 م

لبنان وسريلانكا.. فرّقتهما الجغرافيا وجمعهما الانهيار الاقتصادي، وهذه الدول المرشحة للحاق بهما


* جنوبيات

 

قد يكون العالم الذي ينتمي إليه لبنان مختلفاً عن العالم الذي تقع فيه سريلانكا من نواحٍ كثيرة، لكن البلدين يجمعهما الوقوع تحت وطأة ماضٍ طويل من الاضطرابات السياسية والعنف، الذي أدى إلى انهيار اقتصادهما الذي كان مزدهراً ذات يوم، قبل أن تستحوذ عليه علل الفساد والمحسوبية والعجز في إدارة الأمور.

لبنان وسريلانكا.. ملامح متشابهة من الانهيار الاقتصادي
يقول تقرير لوكالة The Associated Press الأمريكية، التي عقدت مقارنة بين تجربة البلدين اللذين يعانيان من الانهيار الاقتصادي، إن تلك العلل المهلكة أفضت إلى كارثة في البلدين تبدَّت ملامحها في: انهيار العملة المحلية، والعجز الاقتصادي، والتضخم بمعدل ثلاثي الأرقام، وتزايد في معدل انتشار الجوع ونقص الغذاء، وانسحاق الطبقة الوسطى، والهجرة الجماعية للمهنيين الجديرين بالمساعدة في إعادة بناء البلاد.

الغالب على الدول التي تتعرض للانهيار الاقتصادي ألا يكون انهيارها متوقفاً على لحظة معينة حلَّت فيها الكارثة، وإنما يكون الانهيار سيرورة من العلامات المنذِرة التي قد تستمر شهوراً، إن لم يكن سنوات.

لكن ما أن تحل كارثة الانهيار الاقتصادي، فإن الأزمة الفالتة من عقالها تكون شديدة الوطأة، وتُبدِّل معايش الناس وملامح البلاد على نحو قد لا تعود بعده الأمور أبداً إلى ما كانت عليه، كما تقول الوكالة الأمريكية.

يقول خبراء عديدون إن عشرات البلدان، منها مصر وتونس والسودان وأفغانستان وباكستان، قد تلقى المصير نفسه الذي لاقته لبنان وسريلانكا، فقد اجتمعت عليها الأسباب ذاتها: الجائحة، ثم محاولة التعافي منها، ثم الحرب في أوكرانيا، وما أدت إليه من أزمة عالمية في نقص الغذاء وارتفاع الأسعار.

كيف تتشابه قصة لبنان مع سريلانكا رغم تباعدهما الجغرافي؟
تعود جذور الأزمة في لبنان وسريلانكا إلى عقود طويلة من الجشع والفساد وتنازع أبناء البلدين فيما بينهم. عانى كلا البلدين من حرب أهلية طويلة، أعقبها انتعاش هش غير متمكن، كانت الهيمنة فيه طوال الوقت لأمراء حرب فاسدين وزُمر عائلية، تُراكم ديوناً خارجية هائلة، وتتشبث بالسلطة بعناد لا يلين.

عجزت الانتفاضات الشعبية المتوالية في لبنان عن تخليص البلاد من الطبقة السياسية، التي لطالما استخدمت نظام تقاسم السلطة الطائفي لإدامة الفساد والمحسوبية. وظل القرار في أمور الناس في أيدي سلالات الحكم السياسية التي لم تحز نصيبها من السلطة إلا بما اجتمع لها من ثروة باذخة، أو بالميليشيات التي قادتها خلال الحرب الأهلية.

ساد التنافس بين الفصائل، وتفاقم في غمار ذلك شَلل السياسة وعجز الحكومة. ونتيجة لذلك، فإن لبنان أحد أكثر دول الشرق الأوسط تخلفاً في البنية التحتية والتنمية، حتى إن انقطاع التيار الكهربائي ما زال ظاهرة قائمة بعد 32 عاماً من انتهاء الحرب الأهلية.

أمَّا في سريلانكا، فقد احتكرت عائلة راجاباكسا سبل السياسة في البلاد طيلة عقود. وما زال الرئيس غوتابايا راجاباكسا متمسكاً بالسلطة حتى الآن، على الرغم من انفضاض الأسرة الحاكمة من حوله في ظل الاحتجاجات المستمرة منذ أبريل/نيسان.

يقول الخبراء إن الأزمات الحالية، مثل ارتفاع مستوى الديون الخارجية وقلة الاستثمار في التنمية، إنما هي  من صنيع النخب الحاكمة في البلدين.

علاوة على ذلك، عانى البلدان نوبات متكررة من الاضطرابات والهجمات الإرهابية التي أضرت بالسياحة، وهي عماد الاقتصاد في كلا البلدين. ففي سريلانكا، قتلت التفجيرات الانتحارية، التي وقعت في عدة كنائس وفنادق في عيد الفصح من عام 2019، أكثر من 260 شخصاً.

أما لبنان، فقد تأذى أذى شديداً من تداعيات الحرب في سوريا المجاورة، لا سيما وقد أغرقت البلد الذي يقطنه 5 ملايين نسمة بنحو مليون لاجئ. ثم تفاقم الضرر الواقع باقتصاد البلدين على أثر جائحة كورونا.

النقاط الحرجة في أزمات البلدين
بدأت الحلقة الأخيرة من أزمة لبنان الاقتصادية في عام 2019، بعد أن أعلنت الحكومة عن عزمها فرض ضرائب جديدة، شملت رسوماً شهرية قدرها 6 دولارات على استخدام مكالمات تطبيق واتساب الصوتية. أشعلت التدابير المزمعة ناراً لا تهدأ في شرارة السخط المتقدة منذ أمد طويل على الطبقة الحاكمة، وأعقب ذلك أشهر من احتجاجات الجماهير في البلاد. ثم أقرت الحكومة قيوداً غير منتظمة على رؤوس الأموال، فقطعت الناس عن مدخراتهم، وتهاوت قيمة العملة المحلية.

في مارس/آذار 2020، أعلن لبنان عجزه عن سداد قسط ثقيل من ديونه الضخمة، التي كانت تبلغ في ذلك الوقت 90 مليار دولار، أي 170% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو واحد من أعلى الديون قيمة في العالم. وبحلول يونيو/حزيران 2021، كانت العملة فقدت ما يقرب من 90% من قيمتها، وقال البنك الدولي إن الأزمة التي تمر بها البلاد واحدة من أشد الأزمات التي شهدها العالم سوءاً منذ أكثر من 150 عاماً.

أما في سريلانكا، فقد اشتدت أزمة الاقتصاد بعد تفجيرات عيد الفصح عام 2019، فقرر غوتابايا إقرار أكبر تخفيضات ضريبية في تاريخ البلاد، لكن سرعان ما أدى ذلك إلى تفاقم الأمور، فقد عمد الدائنون إلى تخفيض التصنيفات الائتمانية والاقتصادية للدولة، وحظروا عليها اقتراض المزيد من الأموال في ظل الانخفاض الحاد في احتياطي النقد الأجنبي.

أوشكت البلاد على الإفلاس، فأوقفت مدفوعات قروضها الخارجية، وفرضت ضوابط على حركة رؤوس الأموال لمواجهة النقص الحاد في العملات الأجنبية، ثم تراجعت عن التخفيضات الضريبية التي كانت أقرَّتها في المدة الأخيرة.

وفي أثناء ذلك، تراجعت قيمة الروبية السريلانكية بنحو 80%، لتصل قيمة الدولار الأمريكي الواحد إلى 360 روبية سريلانكية، وهو ما ضاعف أزمة تكاليف الواردات.

تداعيات متشابهة شديدة الوطأة على أحوال الناس
قبل أن تنزل بالبلدين هذه المحنة، كان لدى كل من لبنان وسريلانكا طبقة سكانية متوسطة الدخل، أُتيح لها بعض اليُسر في سبل العيش بما توفر من فائض المال واستقرار الأحوال.

كان كثير من السريلانكيين يعملون بالخدمة في منازل لبنان في ثمانينيات القرن الماضي وتسعينياته، لكن بعدما بدأت سريلانكا في التعافي من آثار الحرب، حلَّ محلهم عمال من إثيوبيا ونيبال والفلبين.

أجبرت الأزمة الأخيرة معظم اللبنانيين على التخلي عن هذا الترف، وأمور أخرى؛ فقد وجد الناس أنفسهم، بين عشية وضحاها، ممنوعين تقريباً من الوصول إلى أموالهم، وتبددت مدخراتهم، وباتت رواتبهم بلا قيمة، فالحد الأدنى للراتب الشهري لا يكفي لشراء 20 لتراً من البنزين، أو سداد فاتورة المولدات الخاصة التي تزود المنازل بالكهرباء ساعات قليلة في اليوم.

وبلغ النقص الحاد في الوقود وغاز الطهي والزيوت أن تصارع الناس في الشوارع على الإمدادات المحدودة، وتتكرر مشاهد مماثلة لتلك الآن في سريلانكا. ونفدت أدوية السرطان في البلاد. ثم أعلنت السلطات اللبنانية في وقت سابق من هذا العام عن نفاد مخزونها من أوراق جوازات السفر الجديدة.

غادر البلاد عشرات الآلاف من المهنيين، أطباء وممرضات وصيادلة، بحثاً عن لقمة العيش والوظيفة.

ولا تختلف الحال في سريلانكا؛ فالبلد الآن خالٍ من البنزين، ويعاني نقصاً حاداً في أنواع الوقود الأخرى. وأعلنت السلطات انقطاع التيار الكهربائي في جميع أنحاء البلاد مدةً تصل إلى 4 ساعات في اليوم، وطلبت من موظفي الدولة، ما عدا مقدمي الخدمات الأساسية، إيقاف العمل أيام الجمعة.

يقول برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، إن قرابة 9 من كل 10 أسر سريلانكية تخلت عن بعض وجبات طعامها، أو قللت كميات الطعام عموماً، وقد تعيَّن تقديم المساعدات الإنسانية  الطارئة لـ3 ملايين سريلانكي.

لجأ الأطباء إلى وسائل التواصل الاجتماعي لطلب الإمدادات الضرورية من المعدات والأدوية. ويسعى كثير من السريلانكيين الآن لاستخراج جوازات السفر بحثاً عن سبيل للخروج من البلاد والبحث عن العمل.

تتشابهان حتى في الكوارث
زاد على الاضطرابات السياسية والمالية أن واجه كلا البلدين كوارث أخرى فاقمت الأزمات فيهما. ففي 4 أغسطس/آب 2020، وقع انفجار مروع في ميناء بيروت، مسفراً عن مقتل زهاء 216 شخصاً، وتدمير أجزاء كبيرة من المدينة. وقد نتج الانفجار عن اشتعال مئات الأطنان من نترات الأمونيوم التي كانت مخزنة في مستودع بالميناء طيلة سنوات. ومع أن كثيراً من السياسيين والمسؤولين الأمنيين كانوا يعلمون بشأن هذه المواد، فإنهم لم يفعلوا شيئاً حيال الأمر.

اشتعل غضب الناس على الفساد المستشري وسوء الإدارة من جماعات الحكم التقليدية، التي لامها الناس على الكارثة التي حلَّت بالبلاد.

واجهت سريلانكا أيضاً كارثة فادحة أوائل عام 2021؛ إذ اشتعلت النيران في سفينة حاويات كانت تحمل مواد كيميائية قبالة سواحل العاصمة كولومبو. وظلت النيران مشتعلة في السفينة قرابة أسبوعين، قبل أن تغرق خلال محاولة سحبها.

أطلقت السفينة المحترقة عوادم ضارة، ونتج عن غرقها سقوط أكثر من 1500 طن من الكريات البلاستيكية في المحيط الهندي، وقد عثر على بقاياها لاحقاً في بطون الدلافين والأسماك النافقة على الشواطئ.

اضطرت البلاد إلى حظر الصيد في المنطقة؛ بسبب المخاطر الصحية المرتبطة بالمواد الكيميائية التي تسربت إلى المياه، وقد ألحق ذلك ضرراً شديداً بسبيل العيش الوحيد لما يقرب من 4300 أسرة، لم يتلقوا تعويضات بعد.

المصدر :وكالات