ما كنت أحسبني أحيا إلى زمن أرى فيه العتمة وجوبًا والنور جوازًا.
ما كنت أحسبني أحيا إلى زمن يدفع فيه المواطن المسكين ما في جيوبه من دريهمات الذلّ والهوان حتّى يرى النور لساعة أو ساعتين من اليوم بطوله وعرضه.
ما كنت أحسبني أحيا إلى زمن تحلّ فيه لعنة آمون على وطني الذي نعيش فيه حيث لا كهرباء ولا ماء ولا مقوّمات حياة.
وقصّتنا باختصار تعود إلى وطن حكمه رؤساء الطوائف بعقليّة فرعونيّة واستبداد ليس له مثيل على وجه البسيطة.
إنّنا نعيش في بلد ضاعت فيه أحلام الشباب، وأمان الكبار، وفرحة الأطفال، في دولة يبحث فيها المواطن عن بصيص نور من شمعة تحترق ألمًا وتذرف دموعها على مذبح القضاء والقدر.
ويا من ترى الذين يحوّلون الخطوط فتضاء أحياء لمدّة ساعتين أو أكثر، وذوو الحظوة يضيئون عتمة ليلهم حتّى انبلاج الفجر فينعمون بالمكيّفات والنوم العميق. بينما المناطق الأُخرى تغرق في سباتها مع أرق كافر، وقلق طافر، وحظّ عافر. فلربّما رأوا الكهرباء صدفة في لمعة برق شهريّة، أو مع عاصفة ثلجيّة تبرد أوردة قلوبهم، أو جحيم نار لا تطفئها مياه النيل.
قد يقال لماذا لا تشغّلون المولّدات؟ فنجيب: المولّد يحتاج إلى مازوت، وتنكة المازوت في السوق السوداء لا يستطيع أحد منّا شراءها.
وقد يقال لماذا لا تشتركون عند أحد من تجّار المولّدات؟ نجيب وبالفم الملآن: إنّ صاحب المولّد يريد لقاء ال ٥ أمبير "مليون ونصف ليرة لبنانيّة" ليضيئها لساعات معدودات لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة. فضلًا عن أنّ هذا المبلغ يوازي راتبًا كاملًا عند البعض، ونصف الراتب عند البعض الآخر كحدّ أقصى.
لماذا مكتوب على شعبنا المقهور أن يعيش بلا كهرباء، وبلا ماء، وبلا أدنى مقوّمات الحياة "الطبيعيّة"؟ أو أنّ مزاج البعض لا يرغب في إعطائه بصيصًا من نور؟
سؤال نضعه برسم الرؤساء الثلاثة والسلطات كلّها: التشريعيّة والتنفيذيّة والقضائيّة، ونضعه برسم المعنيّين من مديري شركات الكهرباء.
فهل من يلبّي النداء، ويرحم -على الأقلّ- بلدًا يعيش فيه كبار السنّ المرضى، والأطفال الصغار "ومنهم الرضّع"، وبعض الأشخاص المرضى ومن ذوي الاحتياجات الخاصّة.
وفي حال لم يستمع أحد لاستغاثات الشعب بأكمله فإنّه يجب الصراخ وبالفم الملآن: "وا لبناناه"...