أم شيخ العقل لطائفة الموحدين الدروز الشيخ سامي أبي المنى المصلين في عيد الأضحى، في مقام المرحوم الشيخ أبو حسين شبلي ابي المنى في بلدة شانيه، بمشاركة جمع من المشايخ والفاعليات الروحية والاجتماعية وأعضاء ومسؤولين من المجلس المذهبي لطائفة الموحدين الدروز.
بعد الصلاة ألقى أبي المنى خطبة العيد، قال فيها: "قال تعالى في كتابه العزيز: "ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله إن الله واسع عليم". (البقرة، 115) وقال عز من قائل: "ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون". (البقرة، 177) من هذا المنطلق الإيماني، ومن تلك الرسالة الاجتماعية القرآنية المنزلة، نتوجه إليكم صبيحة الأضحى المبارك بالمعايدة القلبية والتهنئة والدعاء، ونحن نحتفل وإياكم ببلوغ العاشر من ذي الحجة، وقد بلغ السعي تمامه والحج مرامه، داعين وإياكم في مثل هذا المقام إلى تسديد الطاقات نحو الخير، بصفاء قلب ونقاء ضمير وعلو همة".
أضاف: "عندما نسأل الله تعالى في هذه الأيام الكريمة أن يعيننا على امتثال أمر الحق وعلى الرضوخ بخشوع إلى ما تفرضه المثل الحميدة تجاه ذواتنا وتجاه مجتمعنا وأمتنا، وأن يشد عزمنا لتزكية النفوس وتنقية القلوب وتحكيم العقول والتعاضد والائتلاف حول كلمة التوحيدالجامعة، وأن يجمع شملنا على الخير، ففي السؤال تأكيد منا على الواجب والمسؤولية، يما يعنيه ذلك من العمل بنوايا صافية وإرادات غير متثاقلة وإدارة حكيمة لكي نستحق القبول عنده تعالى، واستحقاق القبول يوجب علينا السعي الدائم واليقظ إلى تهذيب الجوارح وإصلاح الأعمال وفق مقاصد الآيات البينات وتطهير الجنان من كل ما يخالف الحق ويعيق المسافرة في درجاته، وفي ذلك يتحقق القصد من الفريضة الدينية وتبلغ غاية الحج. إن المؤمن لا يسعه أمام مرآة الحق إلا أن يصدع لأمر الله تعالى، بالخشوع والتواضع ومذلة النفس، وهذا ما ينعكس على سلوكياته، بدءا بتعامله مع نفسه ومع عائلته ومجتمعه القريب، وإذذاك تكون الليالي والأيامالمباركة فسحة للخير وسبيلا للارتقاء ومحطة للاصلاح، ويكون العيد قائما بمعناه الروحي الذي يرجى تحقيقه، لا بمظهره الزمني وحسب".
وتابع: "القربان الحقيقي الذي يتقبله الله سبحانه وتعالى هو التضحية بحظوظ النفس من أجل خير الجماعة، وبذل ما تنزع إليه أهواؤها في سبيل خدمة المصلحة العامة، والخروج من النظرة الفردية إلى الرؤية الأشمل، ومن الحيز الضيق إلى فسحة الحق، والارتقاء في المعراج الإنساني النبيل إلى المستوى الرفيع من السلوك، بالدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وذلك بالسعي الدؤوب بوحي من ضمير وإيمان، وبمبادلة الجفاء بالمحبة، والنفور بالألفة، والأقاويل المغرضة بالانكباب على العمل المفيد والمنتج، لتكون ذمتنا براء أمام الواحد الأحد، وضميرنا في سكينة واطمئنان، إذ نلبي بذلك قوله تعالى: "ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون ". (آل عمران، 104)
وقال: "إن تضافر الجهود من أجل الخدمة في الحقل العام، والعمل على تحقيق الانجازات التي تنفع الناس يفرض علينا موجبات الالتزام الصادق والشعور بالمسؤولية من باب المحافظة على جوهر التعاليم السامية، ويقيننا أن ما يعرقل إرادة الخير هو التشبث بالأفكار المسبقة والمصالح الضيقة، والركون إلى عصبية الأنانية والتقوقع، وعدم الاكتراث بواقع التشرذم، والاستسلام أمام الأمر الواقع الذي يهيئ عوامل التفرقة والنفور، وما أصعب الغربة بين الأهل والإخوان، وما أوحش النفور بينهم، وهو ما يأباه ضميرنا، وما تأنف منه مشاعرنا، لأنه يناقض مبادىء وخصالا أساسية، هي بمثابة الأصول في تراثنا الإسلامي التوحيدي والوطني الأثيل".
أضاف: "مع إطلالة هذا العيد المبارك، ومع ما يرفعه حجاج بيت الله الحرام والمضحين اليوم على جبل عرفة من دعوات وصلوات، يحدونا الأمل بأن يبادر السياسيون والمسؤولون، بمثل هذا الحج والقصد ومثل تلك التضحية، وكل من موقعه، سعيا دون كلل، وطوافا دائما وتلبية مندفعة ورميا بعيدا لجمار الحقد ونحرا وقتلا للضغائن، وحصرا للخلافات والمناكفات، وردما للغة التصعيد والمنافرة التي سئمها اللبنانيون، وبحثا صادقا عن السبل الناجعة لمعالجة قضايا الناس المعيشية التي هي أولى الأولويات. من أجل تحقيق هذا الأمل المنشود، وغاية هذا العيد المبارك، يطيب لنا أن نقدم الأضاحي المرجوة وأن ندعو الجميع للتضحية من أجل خير أنفسنا وخير الوطن: فلنضح بالشهوات والأهواء، مرتفعين بنوايانا وأقوالنا وأفعالنا إلى ما هو أسمى وأرقى لتحقيق إنسانيتنا وبلوغ غاية وجودنا. ولنضح بأنانياتنا ونزعاتنا الذاتية ونزاعاتنا الفردية والاجتماعية من أجل قيام مجتمع الفضيلة والخير والرحمة والمعروف. ولنقدم الأضاحي من أجل لبنان وشعبه المكسور، ومن أجل خلاص الوطن وإنقاذ ما تبقى لدى اللبنانيين من أمل. وليضح المسؤولون برغباتهم ومشاريعهم الفئوية والطائفية من أجل مشروع الدولة الذي طال انتظاره. وليضح الرئيس تلو الرئيس، والوزير والنائب وكل صاحب كرسي في هذه الدولة ببعض مما يشتهونه ويتناحرون عليه من أجل تأمين حاجة صحية أو تعليمية أو سكنية أو معيشية لأناس أصبحوا على حافة الهاوية، وبعض كبار القوم لا يأبهون. ولنضح جميعنا بكل ما يسيء إلى علاقات لبنان الطيبة مع أشقائه العرب ومع أصدقائه في المنطقة والعالم، ففي ذلك سبيل لبلوغ العيد وخلاص لبنان".
وتابع: "إن مسؤولية التدهور الاقتصادي والانهيار العام تقع على عاتق أهل الحكم والسلطة الذين أوصلوا البلاد إلى ما وصلت إليه، وأولئك الذين ما زالوا يعيقون مسيرة الإصلاح وتيسير أمر الدولة، ويضعون الشروط التعجيزية أمام تشكيل الحكومة، والذين ينامون ملء أعينهم أو يغطون في سبات عميق، في حين تتضاعف المآسي الاجتماعية وتشتد الأزمات المعيشية، وتتفاقم أزمة المودعين فيجبرون على سحب أموالهم بالسعر المتدني غصبا عنهم، وكخيار لا مفر منه، وذلك في سرقة موصوفة لأموالهم، ومؤسسات الدولة تترهل وتقفل أبوابها وخدماتها في وجه طالبيها ولا تقوى على مواجهة الازمات وحل مشاكل المواطنين، مما يشكل خطرا على مستقبل الدولة وثقة الناس بالوطن".
وسأل: "ألا يفترض بالقادة المسؤولين اجتراح الحلول والمخارج لهذه الأزمات، للتخفيف مما يعانيه اللبنانيون من ألم وضيقة، وما يواجهونه من مآس اقتصادية ومعيشية واجتماعية وصحية وتعليمية؟ ألا يجدر بهم التزام روحية الدستور والتضامن لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية؟ فلبنان التراث والتنوع والحرية والعيش المشترك والوحدة، لبنان التاريخ والحضارة والعروبة والانفتاح، لبنان المحبة والرحمة والأخوة جدير بالوفاء ويستحق التضحية لإنقاذه من خطر وجودي يهدد مستقبله، والتغيير الحقيقي الذي يرجوه شبابنا يكون بالإصلاح وإنقاذ ما تبقى من مؤسسات وقيم أخلاقية ووطنية، وليس بهدم ما تبقى".
وقال: "العيد الكبير معناه العودة إلى الذات ومراجعتها ومساءلتها والنهوض بقواها الحية، فعسى أن ندرك معناه ونسعى إلى تحقيقه، وعسى أن يحمل العيد في طياته الأمل، وأن تحمل هذه الأيام المباركة في ثناياها الخير للبنانيين جميعا وللعرب والمسلمين، إذا ما راجعوا أنفسهم واستنهضوا قواهم وطردوا من دواخلهم ما يقلقهم وما يفسد الود بينهم، واندفعوا معا في سبيل تثبيت عيشهم المشترك وتضامنهم المأمول لصون وطنهم وحفظ أمتهم".
وختم: "إنه رجاء الأضحى، وإنه تعالى السميع المجيب، لا رجاء إلا به، ولا ملجأ إلا إليه، وله الحمد في كل بدء وختام. أضحى مبارك".