حولت قضية اختفاء الطيار الاسرائيلي رون اراد الى محطة فاصلة في بلورة الاداء الاسرائيلي مع قضايا الاسرى والمفقودين من الجيش الاسرائيلي. باتت هذه القضية، التي تحولت الى لغز، حاضرة في خلفية صانع القرار السياسي في تل ابيب، في كل محطة يضطر معها الى اتخاذ قرار يتصل بصفقة تبادل، وكذلك لدى عائلات الاسرى الاسرائيليين الذين كانوا يتلقون الدعم من عائلة اراد ويناشدون رؤساء الوزراء الاسرائيليين المتعاقبين عدم تكرار سابقة الطيار المفقود.
تحولت قضية اراد الذي سقطت طائرته قبل ثلاثين عاما في جنوب لبنان، الى سابقة تجسد الاخفاق الاستخباري والعملاني للجيش الاسرائيلي الذي عجز عن انقاذه. وفشلت القيادة السياسية في استرجاعه بأثمان كان يأملها، في حينه، وزير الامن اسحاق رابين.
وفي مناسبة الذكرى السنوية الثلاثين لسقوطه في الاسر، تناول المعلق العسكري في صحيفة «هآرتس»، عاموس هرئيل، قضية اراد من زاوية مفاعيلها على الوعي والوجدان الاسرائيليين، مظهّرا أبرز محطاتها الاساسية التي تسببت بتحولها الى لغز محيّر لم يتم حله حتى الان. بل ويشير الى توقع الاجهزة الامنية الاسرائيلية أن لا يتم حل هذا اللغز خلال السنوات المقبلة، وأن لا يُعرف تماما ما الذي حصل مع اراد. ومع أن كل اجهزة الاستخبارات في اسرائيل تتشارك في التقدير، منذ سنوات، بأنه مات في الاسر قبل 20 عاما على الاقل، إلا أن القيادة السياسية تمتنع عن اعلانه «شهيداً» بشكل رسمي.
ويلفت هرئيل الى أن «الفجوة الاستخبارية والتخلي عن صفقة مع حركة أمل (بسبب مطالبة الرئيس نبيه بري بمعتقلين فلسطينيين)، وابقاء ورقة المساومة لفترة طويلة بأيدي حزب الله، هي اخفاقات لم تخلّد لغز رون اراد فقط، بل كان لها تأثير بعيد المدى، في مقاربة القيادة السياسية والامنية لقضايا الاسرى طوال العقود الثلاثة الماضية»، ويضيف: «قوَّضت قضية اراد الشعار الذي تتباهى به اسرائيل، بأنها تفعل كل شيء من اجل اسراها».
ومع أن هرئيل يؤكد أن منشأ لغز اراد يتصل بوجود فجوة استخبارية واكبت القضية لسنوات، إلا أن مسؤولين في الاستخبارات يقرون بتفويت الفرص الى جانب هذه الفجوة. وينقل هرئيل عن مسؤولين استخباريين سابقين، رفيعي المستوى، شاركوا في الجهود لكشف مصير الطيار المفقود، انه كانت هناك فرصة لعقد صفقة تبادل مع حركة امل وإعادة اراد حياً الى اسرائيل، مع نهاية عام 1987 أو بداية عام 1988، مشيراً الى ان الرئيس بري طالب بتحرير اسرى لبنانيين من معتقل الخيام. وبحسب مساعدي وزير الامن في حينه اسحاق رابين، فإن الاخير غير رأيه وقرر تأجيل الصفقة التي نسجها منسق الشؤون الاسرائيلية في لبنان، اوري لوبراني، عبر عدة وساطات. ويعود هذا التغير في موقف رابين الى أن بري اضاف الى مطالبه تحرير عشرات الاسرى الفلسطينيين، من فصائل منظمة التحرير الفلسطينية المعتقلين في اسرائيل. ويشير الى ان رفض رابين جاء على خلفية صدمة الجمهور الاسرائيلي من صفقة أحمد جبريل، عام 1985، التي اطلق خلالها 1150 معتقلا أمنيا أغلبهم فلسطينيون، وكان لعدد منهم دور رئيسي في اطلاق الانتفاضة الفلسطينية الاولى عام 1987.
وفي سياق ذلك، يؤكد رجال استخبارات اخرون، شاركوا أيضاُ في قضية اراد، أن العامل الاساسي لتغيير الموقف الاسرائيلي يعود الى مطالبة بري بالمعتقلين الفلسطينيين. مع الاشارة الى أن الاتصالات غير المباشرة مع حركة امل، كانت تجري في سياق انطلاقة الانتفاضة الاولى.
وبحسب هرئيل، فإن إسرائيل فوّتت أيضاً فرصة سحب ورقة أراد من حزب الله عبر الاعلان عنه «شهيداً». ففي عام 2005، خلصت لجنة تابعة للاستخبارات العسكرية الى استنتاج بموته، وحاول رئيس الاستخبارات اللواء اهارون زئيفي – فركش، اقناع رئيس الوزراء في حينه ارييل شارون بقبول التوصية، كونها تسلب من حزب الله ورقة مساومة، لكن شارون رفض. وأوضح معلق الشؤون العسكرية في «هآرتس»، أن قضية اراد طرحت في مختلف الاتصالات مع حزب الله، سواء في تبادل الاسرى عام 1996. أو تبادل انصارية عام 1997، أو صفقة (العقيد الحنان) تننباوم وجثث ثلاث جنود، عام 2004. وفي كل مرة كان مطلب اراد يطرح نتيجة ضغط الجمهور الاسرائيلي. لكن مع كل صفقة تبادل كان يتم القفز فوق القضية، مما كان يثير عائلته واصدقاءه ويدفعهم الى الاحتجاج.
ويلفت هرئيل الى أن أصداء قضية اراد، وصفقات التبادل بما فيها صفقة (الجندي الاسير لدى حماس غلعاد) شاليط، كان لها حضورها وتأثيرها في اداء الجيش العملاني في الحرب على قطاع غزة. حيث كان ضباط الجيش يؤكدون على الجنود ضرورة عدم الوقوع في الاسر مهما كان الثمن.