الجمعة 29 تموز 2022 10:12 ص |
بالنظام - "الذكرى" |
* جنوبيات
صدر أمس عن رئاسة مجلس الوزراء بيان أعلن إقفال الإدارات العامة الخميس #4 آب 2022 في ذكرى "فاجعة إنفجار #مرفأ بيروت"، وتنكيس الأعلام، وتعديل البرامج العادية في محطات الإذاعة والتلفزيون "بما يتناسب مع ذكرى الفاجعة الأليمة، وتضامناً مع عائلات الشهداء الأبرار والجرحى وعائلاتهم". حَسَنٌ أن تحافظ الدولة على مستوى رفيع من الاهتمام بالذكرى، وكان عددٌ من المعنيين بالتحقيق أو ممن تجب مساءلتهم انهمكوا على مدى السنتين الماضيتين في إشادة النُصُب التذكارية والأغاني والأفلام وسواها من أشكال إحياء الذكرى والتقرّب من الأهالي، ولكن ذلك لن يرفع الذنب ولن يخفف منه، عمّن تورطوا من متولي السلطة في الجريمة. كما لن تتحوّل تلك المأساة الوطنية إلى مجرّد ذكرى. أمس أيضاً دعا أهالي شهداء وضحايا التفجير للتحرّك يوم الخميس المُقبل لاستذكار "جريمة العصر" والمطالبة بالعدالة بالإضافة للمطالبة بعدم هدم الإهراءات. ضحايا جريمة العصر، كما يصفها الأهالي عن حق، هُم جميع اللبنانيين لأن الجميع أصيب في ذلك اليوم المشؤوم. ومن لم يُصِبْه عصف التفجير في جسده أو في أحبائه أو مسكنه أو مورد رزقه، أصيب بالآثار المدمرة للتفجير التي حطّمت ما تبقى من مقومات العيش وأطاحت بإمكان النهوض على يد الجماعة الحاكمة، المتهمة بالجريمة، بعد أن جاءت ردة فعلها مزيداً من الشراسة بالتمسك بالسلطة لحماية الذات من المحاسبة عن جرمٍ بهذا الحجم. ولهذا على كل مواطن أن يتصرف، وإلى حين جلاء الحقيقة ومحاكمة المسؤولين، على أنه من ضحايا التفجير وأن يكون مع أهالي الضحايا المباشرين الذين فقدوا أفراداً من عائلاتهم، في مواقع النضال لأجل العدالة وإحقاق الحق. لأن السكوت جريمة، والخضوع لخطط الإفلات من العقاب الذي يبرع فيه أهل السلطة عندنا جريمة، والاعتقاد بأن جريمة كهذه قد تسقط بعامل الزمن وهمٌ وخطأ كبير. مرت سنتان من المعاناة الإضافية على اللبنانيين، ملأتهما السلطة بأنواع من المسرحيات السلطوية التقليدية الهادفة إلى احتواء اندفاعة التحقيق العدلي المحلي، واستُخدمت فيها بفعالية وسائل "قانونية" لتعطيل حكم القانون. لكن غاب عن بال هؤلاء أن هذه الجريمة ليست من النوع أو الحجم الذي يمكن خنق حقيقته أو دفنها في ملف راقد في أحد مكاتب قصر العدل مليء بالتحقيقات والاستجوابات ومذكرات الاستدعاء والتوقيف المعطّلة. صحيح أن مسار كشف الحقيقة تعطّل داخلياً إلى حينٍ، لكن لن يتمكن أحد من تعطيله إلى الأبد. لأن الجريمة لا تتعلق بفرد أو عائلة أو جماعة محدودة العدد يمكن إسكاتها أو إدخالها في نفق اليأس والاستسلام للواقع. فمهما طال أمد التعطيل لا بد أن تأتي الظروف المناسبة لمتابعة التحقيق وكشف الحقائق كاملة. محاصرة التحقيق داخلياً أدّت كما كان متوقعاً إلى توجّه المعنيين صوب المسارات الدولية التي يمكن أن تفي بالغرض. بعض هذه المسارات أممي كمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة وهو يبدأ بلجنة لتقصي الحقائق وقد ينتهي بقرار من مجلس الأمن يحيل القضية إلى المحكمة الجنائية الدولية التي يتطوّر اجتهادها حول تعريف الجرائم الداخلة في اختصاصها وتتوسع حدود هذا الاختصاص. وبعض المسارات الممكنة أيضاً هي اللجوء للمحاكم الوطنية في الدول التي تعطي قوانينها لمحاكمها الجزائية اختصاصاً دولياً واسعاً يطال الجرائم الإرهابية وغيرها، ومنها فرنسا. ما قد يعيق المسارات الخارجية أو الدولية للتحقيق هو أن يكون التفجير حصل بفعل صاروخ أطلقه الطيران المعادي من الجو أو البحر، لكن ذلك لا يمنع من المحاولة. فالمسؤولية تبقى على من أدخل المواد المتفجرة وغضّ النظر عنها وأهمل خطرها، وقد يُحاكَم هؤلاء في الخارج عن تلك الأفعال. المصدر :النهار |