الجمعة 21 تشرين الأول 2016 10:23 ص

الحريري يُعلن قراره تأييد ترشيح عون للرئاسة الأولى ويعترف أنه «مخاطرة سياسية كبرى»


مثلما كان متوقعاً أو مقرراً، أعلن الرئيس سعد الحريري عصر أمس قراره بتأييد ترشيح العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية، مشيراً إلى أن القرار «نابع من ضرورة حماية لبنان وحماية النظام والدولة والناس»، كما أنه يستند إلى «اتفاق بأن نحافظ معاً على النظام وتقوية الدولة وإعادة إطلاق الاقتصاد وتحييد أنفسنا عن الأزمة السورية»، معلناً تفاؤله: «بأننا بعد انتخاب رئيس الجمهورية سنتمكن من إعادة شبك أيدينا معاً لنقوم بإنجازات يفيد منها كل مواطن لنعزّز أمننا الداخلي ووحدتنا الوطنية في وجه كل الحرائق المشتعلة حولنا، ولنجعل من لبنان نموذجاً للدولة الناجحة والعيش الواحد والحقيقي».
ولفت الرئيس الحريري في بيانه المسهب الذي تلاه عند الخامسة عصراً من «بيت الوسط» إلى أن العماد عون مرشّح لأن يكون رئيساً لكل اللبنانيين وحارساً لسيادتهم وحريتهم واستقلالهم وخيارات الإجماع بينهم لا خيارات الإنقسام.
ولم يخلُ البيان الذي قدّم فيه الحريري المبررات والأسباب التي أملت عليه اتخاذ هذا القرار استناداً إلى مخاطر استمرار الفراغ الرئاسي، من اعتراف صريح بأن ما قام به هو «تسوية سياسية بكل معنى الكلمة»، لكنها تسوية لا تخلو أيضاً من «مخاطرة سياسية كبرى»، إلا أنه أكد استعداده لأن «يخاطر بنفسه وبشعبيته ومستقبله السياسي ليحمي اللبنانيين جميعاً»، وأنه «ليس مستعداً لأن يخاطر بأي واحد من اللبنانيين ليحمي نفسه أو شعبيته أو مستقبله السياسي».
وفي ما يلي نصّ الكلمة:
أيها اللبنانيون واللبنانيات،
منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري في ذلك اليوم المشؤوم، أمسكت بمسؤولية الفراغ الكبير الذي تركه رجل بحجم وطن.ومنذ تلك اللحظة كان دليلي في العمل السياسي، وبوصلتي الوطنية والأخلاقية، سؤال واحد: ماذا كان ليفعل رفيق الحريري في مثل هذا الموقف أو حيال ذاك القرار؟
ماذا عسى رفيق الحريري كان فاعلا بعد 14 شباط 2005؟ وماذا عساه كان فاعلا بعد 14 آذار 2005؟ وماذا عساه كان فاعلا بعد عدوان تموز 2006؟ وماذا عساه كان فاعلا إزاء الإرهاب الآتي من أقبية النظام السوري إلى نهر البارد؟ وماذا عساه كان فاعلا بعد 7 أيار 2008؟ وماذا عساه كان فاعلا بعد انتخابات 2009؟ وماذا عساه كان فاعلا بعد مبادرة السين - سين؟ وماذا عساه كان فاعلا بعد الانقلاب على الحكومة في 2011؟ وماذا عساه كان فاعلا بعد اغتيال اللواء الشهيد وسام الحسن؟ والوزير الشهيد محمّد شطح؟ وماذا عساه كان فاعلا إزاء انخراط حزب الله في الدم السوري وإزاء الخيارات الهوجاء التي قابلته في عبرا وطرابلس وغيرها؟ أو ازاء العدوان الارهابي والظلم الوطني الواقع على اهلنا في عرسال؟ وماذا عساه كان فاعلا مع نهاية ولاية فخامة الرئيس ميشال سليمان؟
ماذا برأيكم كان ليفعل رفيق الحريري؟ هل كان ليصرخ او ليحرّض طائفيا ومذهبيا؟ هل كان ليقول احملوا السلاح في 7 أيار؟ هل كان ليخرج من المحكمة في لاهاي ويقول انه لا يريد ان يتكلم مع أحد في البلد؟ هل كان ليوقف الحوار؟ هل كان ليقول بإبقاء الفراغ الرئاسي الى أبد الآبدين؟ انا متأكد ان كل واحد وكل واحدة منكم يعرف الجواب: كان رفيق الحريري ليسأل نفسه: كيف نحمي لبنان وأهله، وكان ليتكل عليكم بعد الله ويبادر ويبادر ويبادر ليصل الى تسوية!.
واليوم، يعود السؤال البوصلة مجددا. فأتوجّه إليكم في لحظة دقيقة ومفصليّة، تفرض علينا مواجهة الأمور بكل واقعية وصراحة والتحرّك المبادر لإنقاذ بلدنا ومستقبلنا عوضاً عن الاستسلام لمخاطر الجمود والفراغ والمكوث في أسر الماضي.
قبل سنتين ونصف إنتهى عهد فخامة الرئيس ميشال سليمان ودخل لبنان في الفراغ الرئاسي.
ومنذ تلك اللحظة، وفي الحقيقة منذ ما قبلها، كنّا نحذّر من مخاطر هذا الفراغ ونقوم بكل ما يمكننا لحماية لبنان من هذه المخاطر. وكانت أوّل خطوة حمائيّة تشكيل حكومة دولة الرئيس تمام سلام، لتفادي الفراغ الكامل في السلطة التنفيذية، أي غياب الرئيس والحكومة في آن معا. بعد ذلك لم نترك محاولة إلا وقمنا بها لانتخاب رئيس للجمهورية.
بدأنا بالعمل لوصول مرشّح 14 آذار الدكتور سمير جعجع، وهو الأمر الذي لم يتحقّق. إنتقلنا بعدها لطرح أسماء توافقية للرئاسة إلا أنّ ذلك لم يجد تجاوبا من أحد عند الحلفاء والخصوم سواء. كنّا قد قمنا بحوار أوّل مع العماد ميشال عون، طلبت فيه أن يتّفق مع الدكتور سمير جعجع، لكنّني لم أنجح في دفعهما إلى لقاء الحد الأدنى.
وبعد عام ونصف العام من الفراغ، وبعد حصر المتاح بالمرشحين الأربعة الذين تعاهدوا في بكركي، إنتقلنا لتأييد ترشيح الوزير سليمان بك فرنجية، على أمل أن يؤدّي ذلك بحلفائه المقاطعين إلى حضور جلسة الانتخاب. وبقينا عاما كاملا على هذا الموقف، ولكن أيضا، للأسف، من دون نتيجة.
وفي هذه الأثناء، فإنّ كلّ اللبنانيين، وكل من كان لا يرى ما عنيناه منذ اللحظة الأولى بمخاطر الفراغ الرئاسي، باتوا اليوم يرون بأم العين ما يعنيه فعليا هذا الفراغ. كل اللبنانيين باتوا شهودا على كيف شُلّ مجلس الوزراء وكيف بات التشريع في مجلس النواب إستثناء، وكيف بدأ انهيار الدولة ومؤسساتها، فباتت عاجزة عن تأمين حتّى أبسط الخدمات الأساسية. ولم يعد إثنان يختلفان على حقيقة الأزمات الاقتصادية والمالية والنقدية التي تنخر لبنان وقطاعه الخاص وحالات الإفلاس وتسريح العاملين بالآلاف والفساد المستشري في المؤسسات. والأخطر من ذلك كله، بات الجميع شاهدا على عودة اللغة القديمة الجديدة وتعابيرها القاتلة للهويّة الوطنية والمنافية للعيش المشترك والسلم الأهلي والاستقرار: لغة «ما عاد بدنا نعيش سوا، وما بقا ينعاش معن»!.
كما بات السؤال ينتشر، أو يُنشر، علنا وسرّا، حول فشل النظام، فشل الطائف، وضرورة فرط النظام وإعادة تركيبه، بينما تتسابق العراضات الميليشياوية على شاشات الإعلام ووسائل التواصل الإجتماعي.
أيها اللبنانيون،
نعم، إنّ الصراحة تفرض عليّ أن أقول: إنّ الوضع اليوم أخطر وأصعب بكثير ممّا قد يكون ظاهرا للكثير منكم. لأنّه في الحالتين، مثل هذه اللغة وهذه الطّروحات من شأنها أن تؤدّي إلى حرب أهلية. حتّى لو بقينا على رفضنا للصراعات الأهلية، سيجد هذا الوحش من يزايد علينا، علينا جميعا، ويتبنّاه. أينفع التذكير أنّه في كل مرة وقع فيها لبنان في فراغ رئاسي ولم يبادر فيه أحد للتسوية، إنتهت الأمور بالخراب والمآسي، وبتسويات مجبولة بالموت والدم والدموع؟
في 1958 حصل ذلك، وفي 1988 حصل ذلك أيضا، وفي 2007 بدأ ذلك وكاد أن يكبر لولا أنّ بوصلة رفيق الحريري دلّتنا إلى القرار الصحيح بعد مأساة 7 أيار. أينفع التذكير أنّه في العام 1975، في المرة الأخيرة التي قال فيها بعض اللبنانيين لبعضهم الآخر أنهم لم يعودوا يريدون العيش معا أو أنهم يريدون فرط النظام وإعادة صياغته، تكبّدنا جميعا حرباً أهلية واجتياحات إسرائيلية واحتلال سوري ومئتي ألف قتيل وجرحى ما زالوا معطوبين، ومخطوفين ما زال أهلهم يبحثون عنهم، ودمار شامل واقتصاد منهار ودولة فاشلة و17 عاما كان لبنان واللبنانيون خلالها على قارعة الجغرافيا والتاريخ والحضارة والتقدّم والأخلاق والعلم والعالم...
ولا يكذّبن احد على احد ويقول ان أيّ حرب جديدة لا سمح الله هذه المرّة ستكون أرحم أو أسرع أو أقصر. يكفّي ان نتطلّع من حولنا الى سوريا والعراق واليمن وليبيا، هذه البلاد التي صار أهلها لاجئين مشرّدين، إن لم يكونوا جثثا عائمة على سطح البحر الأبيض المتوسط!
أنا لم أتسلّم القيادة السياسية كي يصل بلدي وأهل بلدي إلى هذا! بالأصل، أنا إبن رفيق الحريري، الذي فنى نصف عمره السياسي لوقف الحرب الأهلية، ونصفه الثاني لمحو آثارها الكارثيّة! نحن لو أردنا الإستسلام للغرائز وردات الفعل الهوجاء التي يتمناها ويراهن عليها خصومنا قبل المزايدين، لكنّا دخلنا في صدام أهلي دموي في 7 أيار 2008.
لكنّي رفضت يومها كما أرفض اليوم حتى التفكير بمثل هذا الإحتمال، لأني كنت دائما وما زلت دائما أفكر بالناس، باللبنانيين واللبنانيات، بإبنائهم وبناتهم، بحياتهم ومستقبلهم.
ولا يساور الشك احد منكم بأننا لو سرنا في 7 أيار بطريق الحرب الأهلية لكنّا اليوم، بعد 8 سنوات لا زلنا غارقين في مآسيها!
نحن من مدرسة، تاريخها وحاضرها ومستقبلها بإذن الله قائم على التضحية من أجل الناس،
لا التضحية بهم! في الأصل أيضا، أنا لم أخض معترك العمل السياسي كي أكون نائبا أو رئيس كتلة نيابية أو رئيس حكومة. إخترت مواصلة مسيرة رفيق الحريري، بكل ما تعنيه من حب لبنان وإرادة للإعمار وحرص على كرامة اللبنانيين وأمنهم الإجتماعي واستقرارهم وتعلّق بالعلم والتربية والثقافة ورفض للطائفية والمذهبية والتخلّف الإقتصادي والسياسي والحضاري.
وكان خياري مواصلة هذه المسيرة تجسيدا لإرادة أكثر من مليون لبناني ولبنانية نزلوا إلى الساحات ليقولوا: سنكمل مسيرة رفيق الحريري، رغما عن القتلة. وحتى اليوم، ورغم كل الخلافات والنزاعات ما زال اللبنانيون من كل المذاهب والطوائف والإنتماءات السياسية، وإزاء الحالة المزرية التي بلغتها الدولة والسياسة والإقتصاد والخدمات في بلدنا، يترحّمون على الفترة الذهبية التي عرفها لبنان قبل اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري.
لو أردت الثروة لما دخلت الحياة السياسية أصلا وأنفقت فيها كلّ ما ورثت دفاعا عن حلم من أورثني. رفيق الحريري ثروة وثورة. ذهبت الثروة حماية للثورة. الثورة على العنف. الثورة على الكيديّة. الثورة على الاحقاد. الثورة على من يريد إقناعنا بأنّ لبنان مستحيل.
أيها اللبنانيون واللبنانيات،
أعلم جيدا أنّ هناك من سيقول إنّنا قادرون حتى الآن على حماية بلدنا من انتقال نيران الحروب المجاورة إليه. وهذا صحيح، لكنّ السؤال الحقيقي هو: إلى متى سنبقى قادرين إذا ما واصلت الدولة مسار تلاشيها؟
هل فكر احد ماذا سيحصل بعد عدة اشهر عندما تجري الانتخابات النيابية وتصبح الحكومة مستقيلة دستوريا، في غياب رئيس يقوم بالإستشارات ويكلف شخصاً بتشكيل حكومة جديدة؟ حينها نصبح بلا رئيس جمهورية وبلا حكومة!
وماذا سيحصل لمجلس النواب عندما سيرفض نصف النواب في المجلس الجديد إذا لم يكن اكثر ان ينتخبوا رئيسا للمجلس قبل ما يتمكنوا من انتخاب رئيس لجمهوريّتهم؟ ماذا سيحدث حينها للجمهورية، بلا رئيس جمهورية ولا رئيس حكومة ولا رئيس لمجلس النواب؟ ماذا سيصبح بالدولة؟ بالمؤسسات؟ بالاقتصاد؟ بالأمن؟ بالناس؟.
أن يكون لبنان جزيرة من الإستقرار والأمان النسبي في بحر من الدماء والدمار يبتلع المنطقة برمّتها، أمر لن يستمرّ بالصّدفة ولا بالدّعاء، بل بإرادتنا الواضحة وعزيمتنا الصّلبة في الحفاظ على السلام، مع إعترافنا الصريح بحقيقة أنّ الوقوع في الحرب أسهل بما لا يقاس من الحفاظ على السلام.
إنّ اكتمال النظام الدستوري، وانتخاب رئيس للجمهورية هو العنصر الأساس في الاستقرار والحفاظ على الاستقرار. وإنّ الأزمات الاقتصادية والمالية والنقدية التي نعيشها والمخاطر الأمنية الماثلة أمامنا لا يمكن تصوّر أي حل لها، ولو مؤقتا، إلا عبر اكتمال نصاب المؤسسات الدستورية، وعلى رأسها رئاسة الجمهورية. فكما كان الفراغ في رأس الجمهورية، مدخل ضرب الدولة والنظام والاقتصاد والمؤسسات والناس، يبقى سدّ الفراغ في رأس الجمهورية هو مدخل الحفاظ على الدولة والنظام والاقتصاد والمؤسسات والناس.
وليس لهذا السؤال 20 جوابا! من يريد ان يكمل مسيرة رفيق الحريري، ومن يريد ان يحافظ على الدولة ويحمي البلد ويعطي الناس فرصة لتعيش وتأكل وتعمل وتتقدّم يجب ان يضع حدا للفراغ الرئاسي، اليوم...قبل الغد. من يريد ان يعطي الدولة فرصة التوازن مع قوى السلاح غير الشرعي يجب أن يضع حدا للفراغ الرئاسي اليوم... قبل الغد. ومن يريد ان يعطي لبنان فرصة ليتخلص من عدم إكتراث المجتمع الدولي وأصحاب القرار حول العالم يجب ان يضع حدا للفراغ الرئاسي اليوم... قبل الغد. من يريد ان يعطي لبنان فرصة يستفيد خلالها من أي مساهمة دولية بمواجهة أعباء أكثر من مليون نازح سوري، يجب ان يضع حدا للفراغ الرئاسي اليوم... قبل الغد!
أيها اللبنانيون واللبنانيات،
إذا اتّفقنا أنّ استمرار الفراغ ليس خيارا، وأنّ الدخول في صدام أهلي ليس خيارا، وأنّ الخيار الوحيد هو انتخاب رئيس للجمهورية، فالحقيقة والواقعية والصراحة تفرض عليّ أن أقول لكم إنّ الخيارات اليوم ليست كثيرة.
خيارنا الأول، مرشّحنا الأول الدكتور سمير جعجع أو فخامة الرئيس أمين الجميّل أو اي ممثل لـ 14 آذار... لم يأتِ برئيس.
خيارنا الثاني، مرشّح توافقي، وسطي، أيضا لم يأتِ برئيس.خيارنا الثالث: الوزير الصديق،
لأنّه فعلا بات صديقا وسيبقى صديقا بإذن الله، سليمان بك فرنجية، أيضا لم يأتِ برئيس، فلا نصاب ولا أي محاولة حقيقية جرت من أي طرف غيرنا لانتخابه.
بقي خيار واحد: العماد ميشال عون. هكذا بوضوح وبصراحة. خصوصا منذ ما تبنّى حلفاؤنا في القوات اللبنانية ترشيحه. لكنّ الأهم أنّنا نحن والعماد ميشال عون وصلنا في حوارنا أخيرا إلى مكان مشترك، إسمه الدولة والنظام.هو لا يريد للدولة والنظام أن يسقطا، ولا نحن نريد لهما ذلك. واتفقنا بصراحة أنّ أحدا لن يطرح أي تعديل على النظام قبل إجماع وطني من كل اللبنانيين على هذا الطرح.
وهذا كلام ينطلق من إجماعنا الذي كتبناه في دستورنا، دستور الطائف، على أنّ لبنان وطن نهائي لجميع أبنائه، عربيّ الهوية والإنتماء، وأنّ كلّ اللبنانيين يرفضون التجزئة والتقسيم والتوطين.وفي حوارنا أيضا وصلنا إلى اتفاق لإعادة إطلاق عجلة الدولة والمؤسسات ولإعادة إطلاق عجلة الاقتصاد والخدمات الأساسية وفرص العمل، وفرصة الحياة الطبيعية للبنان واللبنانيين واللبنانيات.
وأخيراً، وليس آخراً، وصلنا لإتفاق على تحييد دولتنا، الدولة اللبنانية، بالكامل عن الأزمة في سوريا.هذه أزمة نريد حماية بلدنا منها، وعزل دولتنا عنها، حتى إذا ما انتهت الأزمة واتّفق السوريون على نظامهم وبلدهم ودولتهم، نعود إلى علاقات طبيعية معها.
أيها اللبنانيون واللبنانيات،
بناء على نقاط الإتفاق التي وصلنا إليها، أعلن اليوم أمامكم عن قراري تأييد ترشيح العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية. هذا قرار نابع من ضرورة حماية لبنان وحماية النظام وحماية الدولة وحماية الناس، لكنّه مرة جديدة قرار يستند إلى إتفاق بأن نحافظ معا على النظام ونقوّي الدولة ونعيد إطلاق الإقتصاد ونحيد أنفسنا عن الأزمة السورية.
هذا اتفاق يسمح لي أن أعلن تفاؤلي، بأنّنا بعد انتخاب رئيس الجمهورية، سنتمكّن من إعادة شبك أيدينا معا لنقوم بإنجازات يفيد منها كل مواطن ومواطنة ولنعزز أمننا الداخلي ووحدتنا الوطنية في وجه كل الحرائق المشتعلة حولنا، ونعود لنجعل من لبنان نموذجا للدولة الناجحة والعيش الواحد الحقيقي في منطقتنا والعالم.
العماد ميشال عون، وفق القواعد التي التقينا عليها مرشّح ليكون رئيسا لكل اللبنانيين، وحارسا لسيادتهم وحريتهم واستقلالهم وخيارات الإجماع بينهم، لا خيارات الإنقسام، سواء جاءت من حليف له أو خصم إختار مواجهته. وسيحرص، كما سنفعل نحن، على الانفتاح على كل القوى السياسية القادرة على دعم مسيرة بناء الدولة بالمزيد من اسباب نجاحها.
أيها اللبنانيون واللبنانيات،
ما نحن بصدده اليوم هو تسوية سياسية بكل معنى الكلمة. لكنّني لن أختبئ خلف إصبعي، فأنا أعلم أنّ الكثير منكم غير مقتنع بما أقوم به، وبعضكم خائف من مخاطره عليّ، شخصيا وسياسيا، ويشكك، بناء على تجارب الماضي، بنوايا حزب الله الحقيقية بعد إعلاني هذا، ويقول لي: هذه ليست تسوية، هذه تضحية بشخصك، بشعبيّتك، وربما بأصوات ناخبين لك في الانتخابات النيابية المقبلة.
لكل هؤلاء اقول:
نعم انها مخاطرة سياسية كبرى، لكنني مستعدّ ان اخاطر بنفسي وبشعبيّتي وبمستقبلي السياسي ألف مرّة لأحميكم جميعا، ولست مستعدّا لأخاطر مرة واحدة بأي واحد منكم لأحمي نفسي أو شعبيّتي أو مستقبلي السياسي.
نحن جميعا، أنتم وأنا وكل واحد يقول: «لبنان أولا»، وهو يعني ذلك! «لبنان أولا» يعني لبنان أولا، وليس سعد الحريري أولا! يعني اللبنانيين واللبنانيات أولا، وليس تيار المستقبل اولا! يعني كرامة المواطنين أولا ولقمة عيشهم أولا وأمنهم واستقرارهم أولا ومستقبل اولادهم أولا، وحماية الدولة والنظام أولا، وحماية لبنان...أولا وثانيا وثالثا وأخيرا.
نعم، اني اخاطر من دون أي خوف، لان خوفي الوحيد هو على لبنان، عليكم أنتم، على مستقبل اولادنا. ولو كان هدفي الشعبيّة لكان الامر اسهل بكثير! ارفع صوتي، والوح بإصبعي واحقن الشارع، بالتحريض الطائفي والمذهبي الرخيص.
نعم: لن تكون المرة الاولى ولا الأخيرة التي نفتدي فيها الوطن والدولة والاستقرار بمصلحتنا السياسية والشعبية. سنسمع المزايدين قبل الخصوم يقولون : ايضا تضحية جديدة.
ولكن نحن في كل مرّة ضحّينا من أجل الدولة والنظام والوطن والناس، لم نسأل إلا عن رضى الله وتركنا الحكم للتاريخ علينا. بوصلتنا إنّ التاريخ والشعب اللبناني أنصفوا الرئيس الشهيد رفيق الحريري على كل تضحياته وصولا إلى أكبرها وآخرها لأجل الوطن.
وعندما تكون نجل الذي ضحّى بحياته لأجل وطنه وشعبه، لا تسأل عن ثمن التضحيات، مهما كبرت أو كثرت. وكما كان يقول الرئيس الشهيد: مش مهم مين بيجي ومين بيروح، المهم يبقى البلد!
قرار نابع من الخوف على لبنان؟...نعم قرار قائم على الأمل بلبنان واللبنانيين؟...نعم وألف مرّة نعم!
عشتم، وعاش لبنان

 

المصدر :جنوبيات