السبت 22 تشرين الأول 2016 10:18 ص

"الاندبندنت": اللواء عباس إبراهيم الرجل الأقوى في لبنان


* جنوبيات

في مقال لصحيفة "الاندبندنت" بعنوان "الحروب تستعر في الشرق الأوسط لكن لبنان يتجنّبها، لماذا؟" اعتبر الكاتب روبرت فيسك ان مدير عام الأمن العام اللواء عباس إبراهيم، هو الرجل الأقوى في لبنان في ظل غياب رئيس الجمهورية.
ووصف فيسك اللواء إبراهيم بالرجل المقدام والشجاع، معتبراً أنه من الشخصيات المهددة بالإندثار في لبنان و"رجل شجاع للغاية يرغب عدد كبير جداً من الأشخاص بقتله".
وفي التالي مختصر عن مقال روبرت فيسك: الجيش اللبناني الذي أُعيد بناؤه بعد الحرب الأهلية، هو المؤسسة الوحيدة غير الطائفية في البلاد. كما أنه المؤسسة الوحيدة التي لا تزال تعمل. وبدونه، كان يمكن للصراعات أن تتجدد في لبنان.
ربما لأنني أتنقل باستمرار بين بيروت وحلب ودمشق، لذلك أعتبر أن الدولة اللبنانية يمكن وصفها بـ "الطبيعية". البلاد حاولت الحفاظ على استقرارها، على الرغم من أنها أشبه بالجوهرة الصغيرة في الشرق الأوسط، التي تحيط بها الحرائق والحروب (سوريا والضفة الغربية المحتلة، العراق، اليمن، ليبيا، مصر وكردستان تركيا).
لبنان يتألق كالجوهرة في الظلام، من دون أن تشوهه الويلات التي تحيطه من كل الجهات على حدوده... أو هكذا يبدو.
نحن نعتقد بأن لبنان جنة صغيرة لا تزال موجودة في العالم العربي. على الرغم من أن لبنان ليس لديه رئيس، ولا حكومة فاعلة وانقطاع التيار الكهربائي المستمر، لكننا ما زلنا نعتقد أنه جنة.
صحيح أن شرارات الحرب السورية وشظاياها وصلت إلى لبنان، من تفجيرات مساجد، ومحاولة تدمير السفارة الإيرانية على يد مفجرين انتحاريين والقبض على بلدة عرسال اللبنانية من قبل داعش لفترة وجيزة، وقطع رؤوس جنود لبنانيين اعتقلوا هناك...كل هذه المشاهد كانت بمثابة إنذار بتكرار الحرب الأهلية القديمة في البلاد.
مقاتلو حزب الله يعودون من سوريا بالعشرات محملين في النعوش الى جنوب لبنان وتقام لهم الجنازات العسكرية. المسلحون السُنّة والعلويون يتقاتلون أيضاً في طرابلس، لكن كل هذا لم يتسبب في إعادة اندلاع الحرب اللبنانية الجديدة.
لدي بعض النظريات حول قدرة لبنان على الاستمرار. سكان هذه البلاد هم الأكثر تعليما في العالم العربي والأكثر موهبة (بالمعنى الحرفي للكلمة).
الحرب الأهلية اللبنانية حصدت أرواح 150,000 شخص (وهو رقم متواضع مقارنة بالأرقام السورية اليوم). هذه الحرب علّمت اللبنانيين أن لا أحد يفوز، على الرغم من أن الأقلية المسيحية استمرت بالسيطرة على الرئاسة فيما استمر حزب الله الشيعي بالحفاظ على أسلحته.
حفاظا على سلامتهم، عشرات الآلاف من الأطفال اللبنانيين - ذرية من الطبقات المتوسّطة والنخبة، بطبيعة الحال - تم إرسالها إلى الخارج من قبل ذويهم خلال الحرب 1976-1990. كانوا يعيشون في جنيف، باريس، لندن، نيويورك، ودرسوا في جامعة أكسفورد وهارفارد وجامعة السوربون. تعلم هؤلاء الحريات ومبادئ الكرامة والعدالة والحقوق الطبيعية في دول الغرب بدلاً من الامتيازات السائدة في لبنان.
عاد هؤلاء الى بلادهم وكرهوا فسادها وزعاماتها والإقطاعيين الذين يسيطرون على السلطة، حتى أنهم أرغموا الحكومة على قبول الزواج المدني، ما أثار غضب رجال الدين المسلمين والمسيحيين على حد سواء.
وماذا عن الفساد؟ إنّه سرطان مستشرٍ في الشرق الأوسط (والكثير من الدول الغربية). كل هذه الأسباب إضافة إلى السرقات والسلاح المنتشر وجرائم القتل التي تحدث في الشوارع (أحد رجال الأمن أطلق النار على جيرانه وقتلهم بسبب خلاف على كلب)، تهدد استقرار لبنان.
كل بضع سنوات، تبدأ الحكومة بـ "حملة لمكافحة الفساد" حيث يتجنّب موظفو الخدمة المدنية قبول الرشوة (لبضعة أسابيع) لتجنّب العقاب.
لكن بعد ذلك ماذا يحدث؟ يعود كل شيء إلى ما كان عليه سابقاً، أي إلى الاحتيال والفساد والسرقة.
الفساد، حتى على نطاق صغير يؤدي إلى اهتراء الدولة، لكن – الحمدلله على نعمة الجيش اللبناني - كما يقول كل اللبنانيين. لولا هذا الجيش غير الطائفي لكانت الحرب الأهلية قد اشتعلت في لبنان.
السعوديون كانوا في طريقهم لدعم الجيش بهبة قيمتها ثلاثة مليارات دولار، وتزويده بأسلحة قادمة من الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، صديق الملك سلمان، لكن عندما غضب السعوديون من تهجّم حزب الله على المملكة، تم إجهاض الاتفاق.
لكن الجنود اللبنانيين ما زالوا يقومون بحماية أمتهم ببنادق SLR البريطانية القديمة التي استخدمت سابقاً في البلفاست، وباستخدام عربات الهمفي التي عفا عليها الزمن ومروحيات هيوي القديمة جداً.
في غياب رئيس للجمهورية، الرجل الأقوى في لبنان هو الجنرال عباس إبراهيم، مدير عام الأمن العام – وهو شيعي وصديق جيد لقطر - ساعد في التفاوض على إطلاق سراح الجنود والراهبات الذين وقعوا في الأسر من قبل جماعة (جبهة النصرة) الاسلامية، كما أنه رجل مقدام وشجاع (أو متهور كما قد يقول البعض).
كلما أرى هذا الرجل (آخر مرة كانت في قطر) أقول له بأن يهتم بنفسه ويحافظ على سلامته لأنني أخشى أنّه من الشخصيات المهددة بالاندثار في لبنان: رجل شجاع للغاية يرغب عدد كبير جداً من الأشخاص بقتله.
في حين يعتبر نقّاده أنه (غير مؤثر أو غير ذي جدوى)، إلا أن إبراهيم رجل شجاع. عندما كان ضابطا كبيرا في استخبارات الجيش في جنوب لبنان، كان من واجبه البقاء على اتصال مع كل الجماعات المسلحة في المنطقة. كان يمشي ليلاً، وحده، أعزل بدون سلاح في مخيّم عين الحلوة الفلسطيني لإجراء محادثات مع أعضاء من تنظيم القاعدة التابع لأسامة بن لادن. إنه رجل يستحق البقاء على قيد الحياة.
لبنان أيضاً يستحق البقاء على قيد الحياة. السيناريو الحالي يرعب اللبنانيين، إذ يبدو أن الجنرال ميشال عون في طريقه لتحقيق حلم الرئاسة، كما أن سعد الحريري، رئيس الوزراء السني السابق الذي اغتيل والده رفيق الحريري على يد أفراد أمن سوريين (كما يعتقد الإبن) في عام 2005، صدم الشارع السني في لبنان بإعلانه تأييد ترشيح عون.
بعبارة أخرى، الحريري تملّق لدعم الرجل الذي يُعتبر حليفاً للنظام السوري الذي يَعتقد بأنّه قتل والده. أما رئيس مجلس النوّاب نبيه بري فهو لا يرغب بترشيح عون، ويشاركه في هذا الرأي العديد من قيادات تيار المستقبل.
إنّها الطائفية مرّة أخرى؛ نظام يعيش فيه المسيحي والسني والشيعي اللبناني في علاقة حب وشك وخوف متبادل، والحب دائماً يطغى على هاجس الخوف لأن الناس لا يريدون حرباً أهلية أخرى. بكلمات أخرى، هذا ما يسمى الميثاق الوطني. وهذا هو السبب في أن لبنان سوف يكون دائماً دولة في الانتظار.
لبنان يعاني من عدّة سيئات، لكن الحمدلله على شعبه.
الشعب اللبناني هو السبب في أنّ هذه الدولة ستبقى على قيد الحياة. الشعب اللبناني يتمتع بأشياء عدة تفتقدها شعوب عربية كثيرة: الحرية النسبية، والتعليم، حب القراءة... اللبنانيون هم أبطال بلادهم".

 

المصدر :الاندبندنت