الثلاثاء 25 تشرين الأول 2016 09:49 ص

غيدا رحلت الى الأبد... شاحنة مرّت على "ريغار" فطارت قطعة منه!


* أسرار شبارو

"قريباً سأصعدُ إلى السماء وسأنتظرك أنت ووالدتي هناك"، كلمات قالتها غيدا جهاد المهتار قبل أن تغادر هذا العالم بحادث هزّ منطقة عرمون- الضيعة، لا بل كل لبنان. فبين القضاء والقدر والاستهتار، شاحنة مرّت على "ريغار" والنتيجة طارت قطعة منه تزن عشرات الكيلوغرامات لتصيب ابنة الاربعة أعوام، فتسلم الروح على الفور أمام أعين والديها تاركة توأمها غدي في حيرة يسأل عنها، ينتظر عودتها من المستشفى كما يظن، آبياً الذهاب الى المدرسة من دونها.
ظهر السبت الماضي وقعت الكارثة، كانت غيدا في محل والدها للسمانة الملاصق لمنزلها، عندما مرت الشاحنة، وما إن صعدت عجلتها على ريغار البلدية حتى طارت قطعة حديد منه الى داخل المحل، أصابتها في بطنها ووجهها، فتوفيت على الفور، قبل نقلها الى مستشفى قبر شمون. الضيعة في حال ذهول، سكون يعم شارع الضحية... وحدها لافتة حديد كتب عليها (بلدية عرمون ... تمّهل حفريات) تدل أن المصيبة وقعت على ذاك الطريق. الحفرة لا تزال على حالها، والتحذير جاء متأخراً بعد أن كلف عائلة المهتار أغلى ما تملك.

 

 


إهمال وراء مقتل "الأميرة"
منزل جهاد غصّ بالمعزين، على إحدى الكنبات يجلس تائهاً لا يريد أن يصدق ان من انتظر خمس سنوات كي يرزق بها وشقيقها فقدها في لحظة، ممدداً رجله التي أصيبت هي الأخرى في الحادثة تحدث لـ "النهار" عن فراشة حياته التي مُزّق جانحاها وهوت بفعل الاهمال، ومع ذلك حلقت بعيداً عن هذا العالم المستهتر بحياة الناس، قائلاً: " منذ اشهر ونحن نطالب البلدية بإصلاح الريغار، لكن لا آذان صاغية، وبعدما حلّت المصيبة، احمل المسؤولية لكل من يظهره التحقيق مقصراً".
الحديث عن غيدا يطول رغم عدد السنوات القليلة التي عاشتها على هذه الارض، والدتها التي جلست متشحة بالسواد وسط المعزين تعجز عن الكلام، أما والدها فيضيف "هي المضيافة التي تسارع الى اكرام كل من يدخل المنزل، وهي الذكية التي تبهر كل من يتحدث معها عاكسة وعياً ونضوجاً يفوقان سنها، وهي الشغوفة التي تحب معرفة كل ما يدور حولها" ليقاطعه مدير مدرستها، ثانوية العلوم والآداب، ناهي المهتار قائلاً " كانت في صف الروضة الثانية، فتاة مجتهدة، مهذبة، ومحبوبة من جميع زملائها، سنفتقد ضحكتها، وجو المرح الذي كانت تتركه اينما حلّت"، مضيفاً أن ثمة "اهمالاً واستهتاراً في المرافق العامة، ناشدنا منذ فترة البلدية الاهتمام بالطرقات ولا زلنا ننتظر".
غيدا التي كانت تهوى التقاط الصور، جُمدّت صورتها في لحظة، والدها يحمل هاتفه ويتذكر كل صورة التقطتها له ولعائلتها، يقول: " لا أعلم كيف سأخبرُ غدي ان توأم روحِه لن تعود، وسيكمل حياته من دونها، لا أعلم كيف سيعيش من دون من اعتاد ان يستيقظ وينام معها، يأكلان ويشربان معاً، يلعبان ويمرحان". يسكت لحظة، يمسح دموعه، ليكمل "لم أرفض لها طلباً، كانت أميرتي التي حرمت منها الى الابد".


البلدية تتحمل مسؤولية
جهاد أكد ان اطار الشاحنة التي كانت فارغة لم ينفجر، بل مجرد أن صعد على الريغار، كسر وطار، في حين قال رئيس بلدية عرمون فضيل الجوهري الذي كشف اليوم على موقع الحادث لـ "النهار" أن "من الواضح أن هناك كسراً في الباطون، وعندما انفجر دولاب الشاحنة، علق السيغمون بالريغار الذي يزن 70 كيلوغراماً، طار نحو 10 امتار، وقتل الفتاة". ولام بعض الوسائل الاعلامية التي "تحرض وتعمل على إثارة البلبلة"، لافتاً إلى أنني "لم أقل أن الطريق كالحرير كما ذكرت احدى المحطات التلفزيونية، لذلك نتمنى على الاعلام التروي، وقد قمت بواجب العزاء لاهل الضحية. أضم وجعي الى وجعهم، ونحن نتحمل مسؤولية ونعمل على تسوية الامور معهم".
لا شيء سيعيد غيدا إلى حضن عائلتِها، أو يبرّد قلب والدتها، ويمحو الدمعة التي جمدت في بؤبؤ والدها، ويجيب على نهر أسئلة شقيقها، لكن علّ ما حصل مع عائلة المهتار يكون درساً تتعظ منه باقي البلديات بأن الاستهتار بالسلامة العامة ثمنه كبير... أرواح الناس!

المصدر :النهار