الأربعاء 14 أيلول 2022 16:41 م |
الصراع الأميركي - الروسي.. أوروبا الضحية |
* جنوبيات يبلغ حجم الاقتصاد الروسيّ 1.8 تريليون دولار، وهو يحتلّ المرتبة الـ11 في الاقتصادات العالمية. مخطّط الولايات المتحدة وحلفائها هو تدمير هذا الاقتصاد لليّ الذراع السياسية والعسكرية للكرملين، فهل تنجح؟ إذا نجحت فإنّ معنى ذلك دفع الصين إلى الاستسلام للأمر الواقع أيضاً. وقد أكّدت الولايات المتحدة جدّيّتها في توجيه هذه الرسالة إلى بكين من خلال صفقة الأسلحة الجديدة التي عقدتها مع تايوان. وهي صفقة لا تخالف فقط التفاهم الصيني – الأميركي الذي مرّت عليه عدّة عقود، لكنّها تتحدّى التوجّه الصيني لاسترجاع تايوان إلى الوطن الأمّ (شأن كلّ من هونغ كونغ من بريطانيا، وماكاو من البرتغال). تعثر الحرب الاقتصادية على روسيا حتى الآن لم تنجح الولايات المتحدة في تدمير الاقتصاد الروسي على الرغم من أنّ نصف الاحتياطي الروسي من العملات الصعبة (580 مليار دولار) مجمّدة وخارج التعامل مع المصارف العالمية. ويتركّز الضغط الاقتصادي على روسيا على: - وقف ومنع تصدير الشرائح أو الرقائق الإلكترونية إليها. والمنتج الأوّل في العالم لهذه الشرائح (كمّيةً ونوعاً) هي تايوان. وتحتاج الصين إلى هذه الشرائح للاتّصالات المحليّة، والأقمار الصناعية والأسلحة الصاروخية البعيدة المدى. - قطع المعاملات المصرفيّة الدولية بحيث تتعثّر ثمّ تفشل روسيا في تمويل الحرب في أوكرانيا، وبالتالي تعجيز الرئيس بوتين عن القيام بما تسمّيه الولايات المتحدة "مغامرة" جديدة ضدّ دولة مجاورة ثانية (ربّما من دول البلطيق؟). - تراهن الولايات المتحدة على أنّ استمرار مقاطعة روسيا حتى عام 2025 سيجعل خُمس أسطولها الجوّي غير صالح للعمل خلال عام أو عامين بسبب الافتقار إلى قطع الغيار التي تستوردها من أوروبا وكندا والولايات المتحدة (سبق لهذا السلاح أن نجح مع ليبيا القذافي فلم تتوقّف مقاطعة ليبيا إلا بعدما تعهّدت إلغاء برنامجها النووي في عام 2003). تراهن أيضاً على تراجع حادّ في خدمات الاتصالات الإلكترونية، فيما تواصل هذه الاتصالات تقدّمها في أوروبا. - كانت الولايات المتحدة تتوقّع أن يؤدّي سلاح المقاطعة إلى خفض حجم الدخل القومي الروسي في عام 2022 بنسبة 15 في المئة، لكنّ البنك الدولي يقول إنّ الانخفاض لم يتجاوز ستّة في المئة حتى الآن. - تريد الولايات المتحدة أن ترى روسيا وقد تحوّلت إلى فنزويلا ثانية، لكنّ نجاح روسيا في تصدير نفطها إلى الصين والهند وسواهما وفّر لها عائدات بالعملة الصعبة رفعت من حجم الفائض الذي تملكه إلى 265 مليار دولار هذا العام. وهو الثاني بعد الصين. أوروبا ضحية الخطة الأميركية وعلى العكس من ذلك فإنّ أوروبا هي التي تعاني من أزمة طاقة، وقد ارتفعت أسعار الغاز 20 في المائة، وهو ما يضخّم حجم الركود الاقتصادي الأوروبي ويطيل زمنه. تراهن روسيا على أنّ من شأن ذلك أن يؤدّي إلى اضطرابات داخل الدول الأوروبية ربّما تؤدّي إلى تغيير المعادلات السياسية وأن تقلبها رأساً على عقب. وإذا خفضت روسيا صادراتها من الغاز إلى أوروبا بنسبة 20 في المئة فقط، فإنّ ذلك سيكون كافياً لزجّ أوروبا في ركود اقتصادي ستكون له مضاعفات اجتماعية عميقة وواسعة، فكيف إذا أوقفت التصدير نهائيّاً؟ يعود تعثّر مخطّط تدمير الاقتصاد الروسي إلى أنّ أكثر من مئة دولة تشكّل اقتصاداتها 40 في المئة من الدخل العالمي ليست جزءاً من هذا المخطّط، ولا تريد أن تكون جزءاً منه. فنفط الأورال الروسي يتدفّق غزيراً إلى آسيا، وحركة الاتصال والتواصل (بشراً ومالاً) بين روسيا وآسيا وإفريقيا والشرق الأوسط وحتى معظم دول أميركا الجنوبية مستمرّة على قدم وساق.
الصين من أهداف اميركا من هنا بات الضغط على روسيا يتطلّب ضغطاً على الدول المتعاملة معها، وفي مقدَّمها الصين التي لها ودائع في الولايات المتحدة وأوروبا الغربية يقدّر حجمها بحوالي 3 تريليونات دولار. لذلك قد يكون افتعال أزمة مع الصين مبرّراً لتجميد هذه الودائع والضغط ليس فقط على الصين المتحالفة مع روسيا، ولكن على روسيا أيضاً وبصورة مباشرة لأنّها تتلقّى عائدات نفطها إلى الصين من هذه الودائع. إذا حدث ذلك فستكون الصين قادرة على توجيه ضربات انتقامية مؤلمة للاقتصادات الغربية بوقف تصدير الإلكترونيات والبطّاريات والموادّ الطبّية. وهي الموادّ التي تملأ رفوف المراكز التجارية الكبرى في أوروبا والولايات المتحدة على حدّ سواء. الصراع الذي لا مفر منه حتى الآن تقوم الولايات المتحدة ويقوم حلفاؤها الأوروبيون بإجراءات استباقية وكأنّ الصدام مع روسيا والصين أمر لا مفرّ منه. من هذه الإجراءات: - تسريع عمليات اللجوء إلى الطاقة النظيفة والنووية (فرنسا على سبيل المثال). - تقليل الاعتماد على التقنيّات الصينية المستوردة. - إيجاد مصادر جديدة للغاز (شمال إفريقيا وشرق المتوسط مثلاً). - تعزيز الدفاعات العسكرية لدى تايوان (صفقة الأسلحة الأميركية الجديدة). حتى الآن مرّت المقاطعة (المقاطعات) الأميركية – الأوروبية لروسيا في سبع مراحل تصاعديّة. ولكنّ ذلك لم يدفع روسيا إلى أن تجثو على ركبتيها، غير أنّ صوت الألم في أوروبا يرتفع مع تضخّم فاتورة الطاقة (نفط وغاز) وانعكاسات هذا التضخّم على الاقتصادات الأوروبية. النجاح الباهر الوحيد الذي حقّقته الحرب الاقتصادية الأميركية - الأوروبية على روسيا هو مصادرة أو تجميد ممتلكات 1,455 ثريّاً روسيّاً بتهمة الولاء للرئيس بوتين. وتنوي الولايات المتحدة تطبيق قانون مصادرة ممتلكات "المافيا" على هؤلاء الروس، ثمّ تقديم عائداتها إلى الحكومة الأوكرانية تعويضاً لها عن خسائر الحرب. من هنا السؤال الروسيّ الكبير: هل يحقّ لِمن لا يملك أن يعطي مَن لا يستحقّ؟ المصدر :اساس ميديا |