يوم أغمي على خالد جمال عبد الناصر في بغداد أثناء إلقائه كلمة في مؤتمر القوى الشعبية الذي كان يقوده المناضل الراحل سعد قاسم حمودي قبل الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003 بأشهر، لم نكن ندري يومها إذا كان الإغماء نتيجة مرض ألمّ بالمناضل الكبير، أم نتيجة تأثره بالظروف الصعبة التي كان يعيشها العراق بعد سنوات عشر من الحصار الذي فرضه الأمريكيون وحلفائهم وأدواتهم على العراق للانتقام من دور العراق في مواجهة المشروع الصهيو – أمريكي ودعم المقاومة الفلسطينية.
ولكن الأيام أثبتت أن وراء تلك الإغماءه يكمن السببان معاً، بل أن المرض العضال نفسه الذي استحكم بالابن البكر لجمال عبد الناصر، ربما كان نتيجة غضبه واكتئابه من الأوضاع العربية السائدة والتي تحكمها معادلة الصمت والعجز والتواطؤ..
لقد عزّ على خالد ابن قائد الثورة الناصرية في مصر، وابن رائد الحركة القومية العربية المعاصرة، أن يرى بلاده أسيرة معاهدة "كمب دايفيد" مع العدو، وأن تتخذ تلك المعاهدة ستاراً لعقد اتفاقيات إذعان بين الكيان الغاصب في أوسلو ووادي عربة، قبل أن نصل اليوم إلى ما يسمى زوراً بالاتفاقات الابراهيمية للسلام، وقام مع رفيقه العقيد الراحل محمود نور الدين بتشكيل تنظيم "ثوار مصر" الذي نفّذ عدّة عمليات بحق صهاينة داخل مصر، مما أدى إلى سجن نور الدين لسنوات، وإلى لجوء خالد نفسه إلى يوغسلافيا التي كان لرئيسها جوزف بروزتيتو أوثق العلاقات مع جمال عبد الناصر.
أذكر يومها أننا أقمنا في بيروت لجنة تضامن مع خالد عبد الناصر وثوار مصر، وقامت بعدّة فعاليات، بل وأدى ذلك إلى احتجازي مرة في مطار القاهرة وتركز التحقيق معي على سؤالي عن سبب دفاعنا عن خالد وثورة مصر.
وأذكر يومها أن جوابي للمحقق الأمني معي: علاقتنا مع خالد لا تعود إلى العمل الوطني والقومي الذي يلاحق اليوم بسببه فقط، بل أيضاً لأننا في لبنان الذي يعيش حرباً أهلية طاحنة نقول: لو كان عبد الناصر حياً اليوم للعب دوراً حاسماً في إطفاء الحريق اللبناني، كما في مرات سابقة، لذلك فحين نتضامن مع خالد نريد أن نُذكّر بجمال عبد الناصر ودوره في خدمة لبنان الذي أحبه جمال كثيراً، كما أحب اللبنانيون رمز العروبة النهضوية التحررية في خمسينيات وستينيات القرن الفائت.
كظم خالد عبد الناصر مرضه، كما كظم غيظه من واقع الحال في بلاده وعلى مستوى الأمّة، وانتظر حتى قامت ثورة 25 يناير 2011، التي أبرزت للعالم كله موقف الشعب المصري من قضاياه الوطنية والقومية، تلك الثورة التي أقدم شبابها في أيامها الأولى على الهجوم أكثر من مرة على سفارة الكيان الغاصب في القاهرة حتى وصل الأمر بهم في 9 أيلول/سبتمبر 2001، إلى حرقهم وإنزال العلم الإسرائيلي عن المبنى الذي كانت تحتله.
يومها، كما أعتقد، تنفّس خالد عبد الناصر الصعداء.. بل تنفّس نفسه الأخير ورحل مطمئناً إلى أن مصر لا يمكن أن تنسى التزامها بفلسطين وقضايا الأمّة.