الخميس 22 أيلول 2022 14:48 م |
أسقف التواضع والوداعة |
* المونسنيور إلياس الأسمر صغبينيّ النشأة، بقاعيّ الهوى، خلقيدونيّ العقيدة، كاثوليكيّ الإيمان، إنه المطران طانيوس الخوري، الذي ولد ونشأ في كنف عائلة مسيحيّة مؤمنة، زرعت في نفوس أولادها حب الوطن والكنيسة، فكانت هذه العائلة مقلعاً للدعوات المكرسة، لما زرعته في نفوس أفرادها من غيرةٍ ونشاطٍ وكرمٍ وحبٍّ للعطاء، جرأة في اتخاذ المواقف الصلبة عندما تدعو الحاجة.
في هذا الجو الروحي عاش المطران طانيوس، فانتسب منذ صغره إلى مدرسة مار عبدا هرهريا، التي أنمت في قلبه الفضائل الإلهيّة، ومن ثمّ اكتسب علوم اللاهوت في المعهد الشرقي في بيروت، فانغرس هذا اللاهوت في وجدانه لما له من طيبة قلب، وبساطة إنجيليّة؛ هذا ما لمسه عارفوه وأبناء الرعايا التي خدمها بنشاط وروح رسوليّة، واضعاً يده على المحراث، لا ينظر إلى الوراء. كلفه المطران أنطونيوس خريش الإشراف على المدارس الأسقفيّة في الأبرشيّة، فجال طوال العام الدراسي على كل المدارس العائدة للأبرشيّة ينظم الإدارات فيها، ويضع جداول للمعلمين والتلاميذ ويرفعها إلى وزارة التربية. فما عرف الراحة يوماً إلا عندما كان يخلد إلى النوم، يعمل من الصباح إلى المساء كالوكيل الأمين. ثم عيّنه المطران إبراهيم الحلو قيماً عاماً على الأبرشيّة، فجال في أملاكها، يتفقّد أحوالها، ويسعى إلى استصلاح الأراضي فيها، ويسهر على إنتاجها، ويتابع مردود أثمارها وغلالها، ويضع الخطط لتطوير الإنتاج، هدفه نقل اقتصادها من ريعيٍّ إلى إنتاجيّ. أحب الوعظ، فجال في رعايا الأبرشيّة خلال أزمنة الصوم المباركة حاملاً كلمة الله إلى المؤمنين المتعطشين لسماعها، يلقي العظات مستشهداً بآيات الكتاب المقدس.
ولمّا انتخبه مجلس الأساقفة مطراناً على أبرشيّة صيدا سنة 1996، سهر على أدارتها، فعُرِف بطيبة قلبه ونقاوة ضميره وصدق لسانه، فكان إذا وعد وفا، وأكمل بذلك مسيرة أسلافه الأحبار الذين امتازوا بحسن إدارتهم للأبرشيّة.
عُرف المطران طانيوس بالأسقف المتواضع، وهذا التواضع نابع من السلام الذي كان يغمر قلبه، مقتدياً بتعليم معلمه الإلهي القائل: "تعلموا مني إني وديع ومتواضع القلب". وهذا التوضع تجلى في أبوّته لأبنائه كهنة الأبرشيّة، الذين وجدوا فيه الأب الحنون والعطوف، الذي يحنو عليهم كما تحنو الدجاجة على فراخها. أكمل المطران طانيوس مسيرة البناء والإنماء التي بدأها سلفه المطران إبراهيم الحلو بعد تهجير أبناء أبرشيّته، فبدأت مداميك الكنائس وأعمدتها تعلو في كافة الرعايا، وكان يحثّ المؤمنين، ويبث فيهم روح الحماس للعودة وإطلاق ورشة بناء الكنائس، فانتشر في عهده بناء الكنائس في كافة أقاليم الأبرشيّة.
"مطران طانيوس"، ها أنتم اليوم تعودون في شهر أيلول إلى بلدتكم صغبين، وكم أحببتم خلال حياتكم أن تقضوا شهر أيلول في مسقط رأسكم صغبين. وها أنتم تعدون إليها بعد أن جاهدتم الجهاد الحسن، وها هو معد لكم إكليل المجد الذي سيجازيكم به ربكم الديان العادل. المصدر :جنوبيات |