لقد فرضت علينا ظروف البلد الاقتصادية أولاً، وجائحة "كورونا" ثانياً، سنتين قاسيتين من التعليم عن بعد، ولم يكن في ذلك ذنب لأحد لا لوزارة التربية، ولا للمدارس أو المعلمين، أو الأهل، ولا التلاميذ أنفسهم.
إنما التلامذة كانوا هم الضحايا في هذه الأزمة، وذلك بأن هناك نسبة كبيرة من التلاميذ في صفوف التعليم الأساسي لديهم مشاكل في الكتابة والقراءة، كذا في الحساب.
أذكر ذلك بعد ملاحظة هذه الأمور عن قرب، ومتابعة إن مع المحيط العائلي أو في المدارس، حيث نجد أن تلاميذ الصف الأول أساسي، وبغالبيتهم ليس لديهم معرفة بالحروف بشكل صحيح وجيّد، وليس لديهم معرفة بالجانبية، أو المكانية، ولا الجهة المسيطرة في جسدهم، وعدم إدراكهم بهذه الأمور، جعلهم يكتبون الكلمات بشكل مقلوب، فيبدأون بالكلمات العربية من اليسار إلى اليمين - أي من آخر الكلمة إلى أولها، فمثلاً إذا طلبنا منهم كتابة كلمة (كرسي) يبدأ التلميذ بالكتابة من جهة اليسار ويبدأ بحرف (ي) وينتهي بحرف (ك)، فتكون الكلمة صحيحة، ولكن لديه مشكلة من أين بدأ بالكتابة.
وباللغة الأجنبية أيضاً، يبدأ من آخر الكلمة إلى أولها، هذا فضلاً عن عدم معرفة الحروف بشكل صحيح، كما وأن معظم الأطفال ليس لديهم قدرة السيطرة والكتابة بين السطرين، أو على السطر.
كذلك الأمر في الرياضيات، فتلامذة الصف الأول أساسي الذين لديّ متابعة مباشرة معهم لا يعرفون الأرقام بدون مساعدة وتوجيه، وأما كتابتهم لها، فهم يباشرون كتابتها من أسفل إلى أعلى، مثلاً رقم اثنين: المفروض أن يكتب خط أفقي، نبدأ من اليمين متصل بخط عامودي من أعلى إلى أسفل، بينما اغلبهم يكتبونه خط عامودي ويبدأون من أسفل إلى أعلى، متصل بخط أفقي من اليسار إلى اليمين.
فبعد أن لفتت انتباهي هذه الأمور، وعند نسبة لا بأس بها من التلاميذ، كان لا بد لي أن أبحث وأدقق، هل هذه مشكلة محصورة في مدرسة واحدة أم أنها موجودة في مدارس أخرى!، وبالفعل فقد زرت عدة مدارس ولاحظت أن هذه المشكلة موجودة وبشكل ملحوظ عند هذه الفئة من التلاميذ، وأن المشكلة عامة وليست في مدرسة معينة دون سواها وليست سببها المعلمة، كما كان أول الظن.
ومن الجدير ذكره أن المدارس التي زرتها كانت مدارس خاصة، ومعروفة بمستواها التعليمي الجيّد، ولم تُتح لي الفرصة لزيارة المدارس الرسمية والتي عانت هذه السنة أيضاً من مشكلة إضافية عن المدارس الخاصة ألا وهي الإضرابات المتتالية مما "زاد الطين بلة".
وبما إنني لم أوفق لزيارة المدارس الرسمية، فقد قمت بالاتصال مع العديد من المعلمات اللواتي يدرّسن الصفوف الأساسية في الحلقة الأولى، فأكدوا لي أن المشاكل لديهم في هذه الأمور أكبر وأعمق، لأن هناك قسم من التلامذة لم يكن في مقدورهم متابعة التعليم عن بعد حتى، وذلك بسبب صعوبة الوضع الاقتصادي لدى العوائل، فمنهم من لم يكن لديهم أجهزة إلكترونية كافية لجميع أطفالهم، فكانت الأولوية للصفوف العليا، ناهيك عن مشاكل الكهرباء والإنترنت، مما فاقم الأزمة وكانت النتيجة، عدم وصول المفاهيم والكفايات المطلوبة للطلبة.
أما بالنسبة لتلامذة الصف الثاني الأساسي، فكانت بالإضافة إلى هذه المشاكل هناك مشكلة (الوعي الفونولوجي)، وهو تجزأة الكلمة وتحليلها وتركيبها، فهذه الفئة لم يصلهم هذا المفهوم في صفي الروضة الثالثة والصف الأول أساسي بشكل صحيح، ففي الصف الثاني الأساسي، من المفترض أن يكون التلميذ قادراً على تحليل الكلمة وتقطيعها وتركيبها، و"الوعي الفونولوجي"، هو الذي يساعد التلميذ على قراءة الكلمات وكتابتها، ومن ثم الجمل وبعدها النصوص الكاملة بشكل صحيح.
هذا ما أردت الإضاءة عليه، لأن هذه المشكلة إن لم تُأخذ بعين الاعتبار، فإن هذه الفئة من التلاميذ، ومع مرور الوقت، والانتقال إلى الصفوف الأعلى، هناك احتمال كبير أن يصبح لديهم صعوبات تعليمية، وبالتالي الفشل المدرسي أو التسرّب المدرسي، وإذ أننا لا زلنا في مكان لدينا القدرة على السيطرة إذا ما وُضعت خطة عامة وشاملة وملزمة لجميع المدارس وبإشراف المعنيين من وزارة التربية لمعالجة هذه المشكلة، وهي ليست بالمسألة الصعبة، والدليل أنه هناك من باشر بالمتابعة، حيث مرّ أمامي إعلان من أحد المعاهد الخاصة لاستقطاب هذه الفئة العمرية للعمل معهم، من خلال حصص يومية لـ(حسي حركي) أو (سيكو حركي)، ومن خلال هذه الحصص يمكن السيطرة على هذه المشكلة إلى حدٍّ كبير، وذلك لأن هذه الفئة من التلاميذ لم يحصلوا على هذه الحصص من خلال التعليم عن بعد، وذلك لصعوبة إعطاؤها إلا في الصف، ومن خلال حصص (الحسي حركي) يتعلم التلميذ الأجنبية (يمين - يسار) (أعلى - أسفل)... وبالتالي يتعلم جهة الكتابة، الأشكال الهندسية... وبها يكون تأسيس التلامذة.
وبعد الإضاءة على هذه المشكلة، علينا كمهتمين بالشأن التربوي ومستقبل أطفالنا، الذين هم مستقبل بلدنا، أن نضع أيدينا بأيدي بعض للنهوض بهم ومعهم لإنقاذ هذه الفئة العمرية، ومساعدتهم للوصول إلى أقصى ما يمكننا الوصول إليه من تخطي هذه المشكلة والسير بهم إلى التقدم الصحيح والسليم.
هذا عن تلامذة الحلقة الأولى الذين كان لي معهم تماس مباشر، أما الصفوف الأعلى وتلامذة التعليم الرسمي لهم قصص ومشاكل أخرى كثيرة حين تسمعونها من المعلمين وأولياء الأمور، إذا كنتم من أصحاب الضمير الحي، فأنتم صدقاً لن تناموا، وسيصبح القلق مرافقاً لكم على مستقبل هذا الجيل الذي ليس له أيّ ذنب بالذي يحصل في بلده.
من هنا، فإننا نضع هذه الأمور لدى أصحاب الشأن، لمتابعتها بجدية ومتابعة حثيثة للوصول إلى تخطي هذه المشاكل، كما يجب وإنهائها إن شاء الله.
وأود الإشارة في الختام، إلى إنني وضعت لديكم مشاكل التلاميذ العاديين (الأسوياء)، ولم أتطرأ إلى التلامذة الذين لديهم صعوبات تعليمية، والذين هم في الظروف الطبيعية بحاجة إلى معلمين مختصين لمتابعتهم، فكيف بهم بعد عامين دراسيين من التعليم عن بعد!