![]() |
الأربعاء 9 تشرين الثاني 2022 16:37 م |
شيخ العقل زار المجلس الاقتصادي: لوضع خارطة طريق لوقف الانهيار المالي |
![]() |
* جنوبيات
وصف شيخ العقل لطائفة الموحّين الدروز الشيخ سامي ابي المنى، من المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، الواقع الراهن بـ"الصعب"، لافتاً الى "أن الحلول ممكنة وتبدأ من احترام الدستور والتصدي معا لمعالجة القضايا الاقتصادية والاجتماعية"، منوّهاً بما يقدمه المجلس من "افكار واقتراحات من شأنها المساهمة في العلاج وتحسين الواقعين الاقتصادي والاجتماعي"، داعياً الى خارطة طريق "لوقف الانهيار المالي والاقتصادي والوقوف الى جانب الطبقات الفقيرة". وتابع :ترحيبنا بكم، لوذ بجمال لبنان، ونقاوة نواته الصلبة التي لا تنكسر، صوانية المعدن، مرمرية الملمس. هذه هويتنا الواحدة التي حمت لبنان إلى الآن، وبها نستمسك لنحميه على الدوام".
وإذ أسف "لأن ظروف الناس وأحوال البلد تتعقد، مع كل استحقاقٍ فائت، أو فرصة مضيعة"، قال:" نحن في المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي ننظر إلى هذه الأحوال والفرص، وفي بالنا أولاً اقتصاد الناس. هذا المفهوم الذي يشمل اقتصاد المؤسسات والحال الاجتماعية، ولا يستثني الدولة ومؤسساتها". وأكد "أن المرحلة تحتاج إلى الحكمة التي وحدها تفتح الأبواب الموصدة أمام الحوار والحلول، ولأن العقل الحكيم والحوار البناء يخرجنا من هذه الفوضى، قررنا في المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي ان نستكمل لقاءاتنا مع سماحة شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الدكتور سامي ابي المنى، فهو رجل الحوار والحكمة، صاحب الكلمة الجامعة". وأردف: "ها نحن نجتمع لنحمل سوياً الهم الاقتصادي والاجتماعي والمعيشي والتربوي، وقد كان لسماحتكم دور في لجنة التربية منذ ثلاثة أعوام عندما طرحنا الصوت في مجلسنا هذا، في لقاءات تشاركية وتفاعلية لتطوير المناهج مع أركان المؤسسة التربوية. وزارة التربية و لجان الأهل ، كذلك نقابات المعلمين والمدارس الخاصة والرسمية". ولفت الى أنه "منذ ذلك الوقت وحتى اليوم، تعقدت الأمور وسادت المآسي، وباتت تنعكس في تفاصيل حياتنا اليومية، لتصبح مركبة وموصولة على عامل أساس، هو انهيار في سعر صرف الليرة وغلاء معيشة وزيادة الفقر وفقدان تام للحماية الاجتماعية بمختلف ابعادها الصحية والتربوية والغذائية، وزاد من استفحال كل ذلك تعثر الاقتصاد بتعثر دور الدولة من ناحية، وبتفاقم الضغوط على مؤسسات القطاع الخاص من ناحيةٍ ثانية، وسط تخلٍ خارجي عن تقديم المساعدة المطلوبة بإلحاح، تماشياً مع تخلٍ داخلي أكثر فداحةً عن إيفاء مسؤولياتنا الوطنية بالإصلاح وتفعيل حكم القانون". وأشار الى "أن المجلس قدم خلال الأزمة الحالية وقبلها حلولاً للكثير من مشكلاتنا، ليست آخرها الورقة التشاركية لاعادة توجيه الدعم نحو مستحقيه. ثم إطلاق زخم جديد منذ تموز الفائت مع الكتل النيابية بهدف بلورة ورقة جامعة تساهم في وقف الأزمة وتسرع الخروج منها".وقال:" كنا نتطلع ان تتم الاستحقاقات الدستورية بسلاسة لتكون فرصة للنهوض وذلك بعد إنجاز الانتخابات النيابية في أيار الفائت". وأضاف: "الآن، كما على الدوام، نستمر في المجلس بتركيز جهودنا وامكاناتنا وطاقاتنا ووضعها في تصرف السلطة التنفيذية، وننمي جهوزيتنا بصورة دائمة للمساعدة على صياغة آراء في الموضوعات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، تستند إلى ركيزتين أساسيتين، الخبرة العلمية والمعرفية، والتجارب العملية العميقة لممثلي القطاعات والنقابات والخبراء بكل أطيافهم". وختم: "أن اللبنانيين يتطلعون إلى إعادة تكوين سلطة جديدة ورئيس جديد لوضع رؤية للخروج من الازمة واستعادة الثقة بالدولة ومؤسساتها من كافة أبناء المجتمع اللبناني المقيمين والمغتربين. كما يضعون في أول اهتماماتهم إلى جانب وقف النزيف الاقتصادي والبشري، الحفاظ على المجتمع التعددي الذي لا تقوى فيه جماعة على أخرى. ويتطلعون إلى إدارة سياسية أكثر مسؤولية، تساهم في تخفيف همومهم اليومية وتحاكي تطلعاتهم لبناء مستقبل يحلمون به، لهم ولاولادهم من بعدهم. انهم ينتظرون تشكيل سلطة تعيد لهم ما فقدوه من ثروات مادية ومعنوية، تعيد لم شملهم بعد أن تشتتت العائلات واصبحت الهجرة كابوس يطرق كل باب". ثم تحدّث الشيخ ابي المنى، معرباً عن سعادته "أن نلتقي اليوم وإياكم لنتعاون على البر والتقوى، وكم نحن بحاجة إليهما في خضم ما نعيشه من أزمات وما يعاني منه أبناؤنا في هذا الزمان والمكان بالذات، ولعل أجمل عبارة أبدأ بها كلمتي هي قول رئيس المجلس شارل عربيد في إحدى مداخلاته: "إن بلادنا صارت أرضا لكنوز التناغم الروحي، تلك التي صنعت سحرها مستخلصة عسل الحكمة من أزهار الأديان المتنوعة". وأضاف: "من عسل الحكمة هذا، ومن جمال هذا التناغم في التنوع نبدأ، فنحييكم جميعا حضرة السادة والسيدات أركان المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي رئيسا وهيئة إدارية وأعضاء ممثلين عن مختلف القطاعات، وحضورا كريما، ونشكر رئيس المجلس الذي تكرم وزملاؤه بزيارتنا في دار الطائفة لدعوتنا إلى هذا اللقاء التشاركي التفاعلي في رحاب المجلس وبين أهله المحترمين، علنا نستطيع في الفسحة المتاحة لنا من الوقت وفي ما توفر لنا من معلومات وما خطر ببالنا من أفكار وما سيقدمه بعضكم من تعقيبات ومداخلات، من الإضاءة على مواضيع مهمة متعلقة بعمل المجلس ومهامه وبالواقع الاقتصادي والاجتماعي والمعيشي، وما يمكن أن نراه من حلول، وما يقتضيه الواجب من توجه وعمل، والله ولي التوفيق". وتابع :"مما لا شك فيه أن إنشاء المجلس الاقتصادي والاجتماعي كان خطوة إصلاحية أساسية كإحدى الخطوات المهمة التي أقرها اتفاق الطائف منذ ثلاثة وثلاثين عاما، إضافة الى مجلس الشيوخ الذي تلتقي فيه الطوائف الدينية والذي يحرر المجلس النيابي من الانتماءات الطائفية، احتراماً للدين ودوره الروحي والأخلاقي، واحتراما للدولة ودورها السياسي والإداري، بحيث يتكاملان في دور وطني انساني ينهض البلاد ويحفظ القيم الروحية والاجتماعية في المجتمع. هذا المجلس الاقتصادي الاجتماعي الذي نشعر كم نحن اليوم بحاجة إليه وإلى دوره، وإلى تفعيل هذا الدور ليكون عاملا أساسيا مؤثرا في مسيرة النهوض بالدولة وتنظيم عملها، من خلال السعي إلى خلق المساحة المناسبة لتلاقي الأفكار، حول الاقتصاد والمجتمع، من قبل المجلس الذي يضم خبراء من كل أطراف الإنتاج، مما يساهم "في إنضاج مناخ مناسب للتفكير الجماعي، المحكوم بمصلحة الدولة واقتصادها وشعبها"، بحسب رئيس المجلس. من هذا التعريف المختصر، ومن طبيعة الأدوار المتعددة التي أنيطت بالمجلس؛ من إبداء الرأي بالمشاريع والاقتراحات، إلى تنمية الحوار والتعاون والتنسيق بين الإدارات، إلى مراقبة الاتجاهات والتطورات في مجال اختصاصه واقتراح خطط التأقلم معها، من كل ذلك ننظر إلى مجلسكم بعين الأمل، راجين أن تسمح الظروف بذلك وأن تتلاقى النوايا والإرادات على المصلحة العامة للدولة، انطلاقاً من احترام الدستور والقانون ومن تحمل المسؤولية في الانتقال من دولة المحاصصة والتسويات والمناكفات وتنازع السلطات إلى دولة المواطنة والسيادة والاستقلال وتكافؤ الفرص وتكامل السلطات والشراكة الفعلية بين المؤسسات المتنوعة وبين المكونات الوطنية المختلفة تحت عنوان أساسي واحد هو "بناء الدولة". وأردف ابي المنى: "لقد دعيتم مرارا إلى عقلنة مفهوم التغيير والإصلاح بدءاً من تطوير قانون الانتخابات وسن التشريعات وصياغة سياسة اجتماعية واقتصادية عادلة وفعالة، إلى ضرورة مكافحة الآفات ومعالجة القضايا المتراكمة بعيدا عن المطالب والحصص والمناكفات، وإلى وضع جدول زمني للإصلاحات والإنجازات المطلوبة، وهذا جميعه ما نشاطركم الرأي به وما ندعو معكم إليه، وما نرى وإياكم أنه قاعدة الانطلاق لبناء الدولة الحديثة. من الطبيعي والبديهي القول إن لغة الاقتصاد هي لغة السياسة في عالم اليوم، ولكن لا بد من الاعتراف بالحقيقة المرة، فقد كان للأزمات المتلاحقة، المحلية والإقليمية والعالمية الأثر الكبير على هذا الاقتصاد وعلى الواقع الاجتماعي والسياسي والأمني والبيئي. هذا الواقع الذي يعاني أصلا من تشوهات دراماتيكية ناتجة عن جملة عوامل، تبدأ من عدم وجود رؤية شاملة ومنهجية لإدارة الدولة، ومن إهمال كبير للقطاعات وتحول لبنان الى دولة استهلاكية بامتياز تمولها المصارف، ومن قطاع مصرفي يدفع فوائد خيالية على الودائع، ومن تراكم الدين الداخلي والخارجي لتمويل الإنفاق على قطاعات أساسية يفترض بها ان تكون الرافد الرئيسي لخزينة الدولة، وعلى رأسها قطاع الكهرباء، ولا تتوقف تلك العوامل عند استمرار المحاصصة وتفشي الفساد وتوسع نطاقه، وعند قصور الدور الرعائي للدولة في كل من المجال الاجتماعي والصحي والتربوي والانمائي. وقال: "إلى ذلك، فقد جاءت الأزمات اللاحقة المختلفة لتفاقم الوضع، من النزوح السوري الى لبنان وأثره الكبير على الاقتصاد اللبناني، وتشكيله ضغطا كبيرا على البنية التحتية لقطاعات التعليم والطاقة والمياه والسكن وسواها، إلى جائحة كورونا وتداعياتها الضخمة وتأثيرها السلبي على القطاعات الحيوية، وبالتالي على الوضعين الاجتماعي والاقتصادي، ناهيك عن الحرب الروسية الأوكرانية التي انعكست تداعياتها على دولتنا المنهكة وأدت إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية والطاقة بنسب قياسية".
ولا يخفى الأمر على أحد أن سلسلة من التداعيات المؤثرة ألقت بثقلها على هذا الواقع المتعب؛ من تراجع احتياطات المصرف المركزي وانعكاساته على توقف سياسات الدعم للمحروقات والغذاء في ظل غياب ملحوظ لسياسات الحماية والرعاية الاجتماعية، إلى انهيار العملة الوطنية وضآلة فرص العمل، إلى انخفاض الودائع العربية والدولية، وتقلص تحويلات المغتربين، إلى عدم إيفاء المانحين الدوليين بالتزاماتهم حيال لبنان وربطها بالإصلاحات البنيوية".
في تصوير دقيق للواقع وأسبابه وتداعياته، يرى التقرير "أن حجم ونطاق الكساد المتعمد الذي يشهده لبنان حاليا يؤديان إلى تفكك الركائز الرئيسة لنموذج الاقتصاد السياسي السائد في البلاد منذ انتهاء الحرب الأهلية. ويتجلى هذا في انهيار الخدمات العامة الأساسية، واستمرار الخلافات السياسية الداخلية المنهكة، ونزيف رأس المال البشري وهجرة الكفاءات على نطاق واسع. وفي موازاة ذلك، تتحمل الفئات الفقيرة والمتوسطة العبء الأكبر للأزمة، وهي الفئات التي لم يكن النموذج القائم يلبي حاجاتها أصلا".
وفي معرض التعقيب على التقرير، قال المدير الإقليمي لدائرة المشرق في البنك الدولي ساروج كومار جاه: "إن الإنكار المتعمد في ظل الكساد المتعمد يخلف أضرارا طويلة الأمد على الاقتصاد والمجتمع... وعلى الحكومة اللبنانية أن تمضي قدما بشكل عاجل نحو اعتماد خطة لتحقيق الاستقرار والتعافي المالي الكلي شاملة ومنصفة وذات مصداقية، وتسريع وتيرة تنفيذها إذا كان لها أن تتفادى دمارا كاملا لشبكاتها الاجتماعية والاقتصادية، وأن توقف على الفور نزيف رأس المال البشري الذي لا يمكن تعويضه".
لقد سلطتم الضوء على الكثير من القضايا وبلورتم العديد من الأفكار المفيدة التي يعرفها ويفكر بها الكثير من أولي الشأن والدراية في بلادنا، ولكن ما يجعلها موضع اهتمام وأهمية هو كونها صادرة عن مجلس رسمي، مما يحتم على الدولة الأخذ بها بجدية، والدولة مسؤولة وصاحبة قرار، ولا يجوز أن تهمل ما أنتجته عقول الاختصاصيين، وإلا تكون سائرة على غير هدى، بل عليها أن تضع الأفكار الصائبة موضع التنفيذ، وأقل ما يمكنها فعله لمواجهة الواقع الحالي المتردي، على المستوى الاجتماعي، هو رسم خريطة طريق لوقف الانهيار المالي والاقتصادي والبيئي، والوقوف إلى جانب الطبقات الفقيرة، وتقديم مساعدات منظمة ومباشرة للأسر الأكثر فقرا، وصولا إلى برنامج تكافل اجتماعي وإجراءات داعمة لتحفيز الإنتاج وخفض نسبة البطالة، مع ما يتطلبه ذلك من استعانة بالصناديق الدولية الداعمة بعد استعادة ثقتها بالدولة وإجراءاتها، مما يرسخ تاليا ثقة اللبنانيين بدولتهم". إلى ذلك، لخّص أحد خبراء البنك الدولي ما هو مطلوب بخمس نقاط: ضبط الحدود الجمركية- توحيد سعر الصرف - تفعيل الجباية - مكننة القطاعات والإدارات - والشفافية، أما إذا ما دخلنا في التفاصيل، فيمكن أن تضاف إلى تلك الحلول المطلوبة اقتراحات تتعلق باعتماد الطاقة المتجددة وأهميتها في حماية الاقتصاد وفي الحد من التدهور البيئي، وكذلك بأهمية تفعيل الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وبتأكيد الانفتاح على العالم وتعزيز التعاون الجدي والمتقدم مع الدول العربية، وأخيرا، وليس آخرا بالحوار الداخلي الشفاف بين جميع المكونات بغية خلق مناخ إيجابي يساهم في إرساء الاستقرار على الصعيدين السياسي والأمني، ما ينعكس خيرا على الصعيد الاقتصادي وجذب الاستثمارات الداخلية والخارجية".
وقا ابي المنى: "انها مسؤولية الجميع، وبالنسبة لنا، فإن التحديات الاجتماعية والمعيشية تحتاج، بالإضافة إلى الحلول المذكورة وقبل كل شيء، إلى التضامن الاجتماعي وعيش العدالة الاجتماعية في بيوتنا وعائلاتنا ومجتمعاتنا الصغيرة والكبيرة، وعلى قاعدة قول الإمام علي (ع) : "ان الله سبحانه فرض في أموال الأغنياء أقوات الفقراء, فما جاع فقير إلا بما متع به غني، والله تعالى سائلهم عن ذلك"، وكذلك على مستوى الجمعيات الأهلية، المحلية والاغترابية، كما تحتاج إلى القناعة وضبط المصروف والعودة إلى الأرض والتعامل مع الواقع بواقعية، وإلى تقوية الإيمان في القلوب عوضا عن الصراخ والشكوى باستمرار، فالله تعالى يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء، وهو نعم النصير المعين. المصدر :جنوبيات |