ماذا أقول في هذه المناسبة وقد مضى على فراق سماحته اثني عشر عاما وما كان لمرور الايام أن تنسينا غيابك ، ولكن الايام تمر ،ومرُّ فراقك لا يمر كأنها في مفرداتها الزمنية كالغرابيب السود أو كانت من الفواصل التي ينوب فيها القلب عن العين فتسكت الظواهر وتبكي السرائر؟!!
ماذا أقول فيك أيها المفتي التقي النقي العلم يا شمساً أفلت ويا كوكباً درياً خبا نوره وغاب؟!
ماذا أقول فيك أيها الأخ والحبيب والصديق يا رفيق الدرب الطويل ؟!!!
ماذا أقول في دقائق معدودات ومحددة يتصارع فيها البيان والألم والقول في سماحته وتعداد جمال صفاته وذاته ومآثره يتطلب المزيد من الوقت والصفحات.
بداية فإنني لا أجد قولاً خيراً من قول الرسول (ص): كفى بالموت واعظاً، وفي قوله:"اذكروا محاسن موتاكم".
كذلك لا أجد قولاً خيراً من قول الشاعر:
المرء بعد الموت احدوثة
فكن جريئاً حسناً لمن وعى
إن محاسن صاحب السماحة كثيرة ومتعددة ،كان حافظاً لكتاب الله مرتلاً لآياته عالماً بأحكامه وقواعد تجويده ومَن يحفظ كتاب الله يتعلمه ويعلمه ويتدبره فهو كما يقول الرسول (ص) من خير الناس وأفضل الناس ... أو هو ... طيب وريحها طيب، تولى سماحته وظائف ومذاهب عالية وهامة في دائرة الأوقاف والقضاء الشرعي والإفتاء.
لقد كان طيب الأرومة دمث الأخلاق رحب الصدر طليق الوجه في لسانه حلاوة وفي حديثه طلاوة وفي سلوكه حسن واستقامة وتقوى إيمان، إن عاشرته فعشرته حلوة ولطيفة، وإن صادقته فهو الصديق الحميم الودود، وإن فارقته وغبت عنه تأمن من لسانه الغيبة والنميمة.
ومن أجمل صفاته الشخصية أيضاً أنه مؤدب ومهذب ومتواضع يخفض جناحه للمؤمنين والأصدقاء والمحبين والفقراء والمساكين عكس ما توحيه إليه شخصيته القوية المتزنة والموقرة والمحترمة لأول وهلة ومن تواضعه كان كما يقول الشاعر:
كالنجم قد لاح لناظر
على صفحات الماء وهو رفيع
ولم يك كالدخان يعلو بنفسه
على طبقات الجو وهو وضيع
لقد كان سماحته أميراً من منابر الرسول (ص) إن استمعت إلى خطبته يوم الجمعة وهو يعالج أمراً من أمور المسلمين أو يداوي سقماً من أسقام المجتمع والوطن والأمة يدعو إلى الخير ويأمر بالمعروف وينهي عن المنكر مذكراً بالقرآن الكريم والسنة الشريفة فتجد نفسك مشدوداً ومجذوباً إليه لفصاحة وحلاوة لسانه، وطلاوة وبلاغة كلامه وسعة علمه وفقهه يعطي فيغني لذلك يخرج المصلي من المسجد منشرح الصدر والقلب وقد غرف من بحور علومه درراً غوالياً واكتسى من أدبه وثقافته حللاً سندسية، وتحلّى بالقيم الإسلامية والخلقية والعملية بما هو نافع ومفيد في الدنيا والآخرة.
وأما في القضاء والإفتاء فأحسبه كان يحكم الأزواج المتخاصمين بشرع الله بنزاهة وراحة ضمير ونظافة كف، يعلم الحق ويعمل به، وفي الإفتاء ينير سبل السائلين ويبين لهم الحلال من الحرام والصواب من الخطأ، هكذا أحببته ولا أزكي على الله أحداً.
كما كان لسماحته مواقف مشرفة في مناسبات كثيرة إسلامية وجهادية ووطنية وخاصة قضية فلسطين والقدس الشريف إذ كان يدعو إل المحبة ووحدة الصف والكلمة بين المسلمين سنة وشيعة والوقوف تجاه العدو المشترك. كما كان يدعو إلى نبذ الخلافات السياسية والمذهبية والطائفية بين اللبنانيين مركزاً على العيش المشترك والأمن والسلام بينهم حتى وصف برجل المحبة والتسامح والتآخي ورجل الاعتدال والانفتاح.
كما ان محاسن سماحته في المركزالثقافي الاسلامي ومدارس الايمان متعددة وهامة ودوره فيها بناء وفاعل ومؤثر، فمدارس الايمان كانت في عقله وقلبه ومجاري دمه فكان يتردد اليها باستمرار يرعاها ويؤدي رسالتها ويحقق اهدافها وغايتها التي من اجلها اسست حريصا كل الحرص على نجاحها وتقدمها وتطورها وازدهارها بكل أمانة واخلاص حتى اخر يوم ورمق من حياته فرحم الله سماحته كخير راع لخير مؤسسة ورعية برحمات عواد رائحات .لقد كلفني سماحته ادارة مدارس الايمان فكان خير داعم لي واستطعنا بفضل الله معا ان نقفز بالمدرسة من المحلية الى العالمية حتى اصبحت من أهم المؤسسات التربوية على مستوى الوطن ، فكم نحن بحاجة الى حكمته ورؤيته ....حديثي عن الشيخ محمد لا ينتهي ولكن مهما كانت عبارات التقدير معبرة عن مشاعرنا الفياضة بالحب والوفاء فاننا لا نوفي سماحته الا بعض حقه علينا وذكراه وسيرته العطرة ستبقى حية في وطننا وفي صرح مدارس الايمان وفي قلوبنا وعقولنا سائلين الله ان يجعل كل ما قدمه فضلا في ميزان حسناته يوم القيامة .
فما أحوجنا اليك أيها الفقيه العالم : سيذكرني قومي اذا جد جدهم.... وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر