يُحكى في هذا الزمن التعيس، حيث أضحت الخزعبلات مسرحًا لإبليس، أنّ شابًّا يُدعى "فارس" أراد الذهاب إلى "السوبر ماركت" لشراء بعض الحاجيّات.
وبينما كان يجول بحثًا عن مستلزماته الضروريّة، لفت انتباهه أنّ امرأة كبيرة في السنّ تتبعه أينما ذهب.
توقّف قليلًا ثمّ نظر إليها قائلًا: أي خدمة ممكن أن أؤدّيها لك يا أمّي؟ (وذلك من باب أدب التخاطب مع كبار السنّ).
أجابته: لا أبدًا أنا آسفة، لكنّك تشبه ابني المتوفّى كثيرًا، فكلّما أنظر إليك أشعر أنّك هو حتّى أنّ كلمة "أمّي" أشعرتني براحة لا توصف، وأثلجت قلبي.
ردّ عليها الشابّ قائلًا: لا تحزني يا أمّي هذه سنّة الحياة، فبدأت عيناها تدمع إذ أثّرت فيها كلماته. فنظرت إليه وهي متّجهة نحو الباب (وقد اغرورقت عيناها بالدموع) وقالت: يا ولدي ممكن أن أطلب منك أمرًا يسعدني؟ فردّ بالإيجاب قولًا وإيحاءً.
عندها ابتسمت وقالت: ممكن أن تناديني "أمّي" للمرّة الأخيرة؟ دمعت عينا فارس ونادى بصوتٍ عالٍ: "أمّي".. "أمّي".
أكملت العجوز توجّهها نحو باب الخروج من "السوبر ماركت"ولم تلتفت إليه، فناداها بصوت أعلى: "أمّي.. أمّي.. أمّي". فالتفتت إليه وودّعته بيدها.
تأثّر الشابّ كثيرًا بهذا الموقف الإنسانيّ واستمرّت عيناه تفيض بالدمع، ولم يستطع إكمال مشترياته.
وعندها اتّجه نحو الباب ليدفع الحساب، فقال له المحاسب: أنت حسابك مليون ليرة لبنانيّة. وأمّك حسابها ثلاثة ملايين ليرة لبنانيّة.
اندهش الشابّ وقال: من أمّي؟!
فردّ المحاسب: تلك التي كنت تناديها من لحظات: "أمّي.. أمّي". إذ إنّها، وهي خارجة لتوّها، قالت لي: ابني سيدفع الحساب.
يُقال إنّه بعد هذه الحادثة أصبح فارس ينادي أمّه الحقيقيّة ب"يا خالتي"! فضلًا عن أنّ إبليس رمى بقبّعته أرضًا وقال: "يا هكذا تكون ضروب الخداع أو لا تكون"!
وصدق من قال: "سلام عَلَى أَعْيُنٍ ذَاقَت العَنَاءَ، وَمَا زَالَتْ تَضْحَكُ، وَفِي قُلُوبِهَا فَوْقَ البُكَاءِ بكاء"...