ما دام مجلس النواب عاجزاً عن تحقيق مقاصد #الدستور وإنجاز المهام التي أوكله إياها في تكوين السلطة بدءاً من الرئاسة، وهو في حالة انتظار للمخارج أو التسويات أو الإيحاءات الخارجية، التي يأمل البعض منها أن تُقرّ له بدور ما في إدارة البلد، فلا بد من مخاطبة الخارج وحمله على التفكير بالعودة إلى البدايات والبحث عن أساس العلة وأسبابها.
السؤال اليوم موجّه إلى الخارج المعني ب#لبنان، وهو يتعلق بمدى اهتمامه وصدقه برعاية الحل الدائم في هذا البلد، وقد سَئِم بالفعل من الصداع اللبناني وأدرك حقاً بأن الأمور وصلت إلى مرحلة لا يمكنه احتمالها، ولم يعد لديه الوقت للاهتمام بمشاكل لبنان التي تبدو أقل أهمية من الأزمات الدولية والإقليمية الأخرى، ألم يحن الوقت لأن يريحوا هذا البلد ويستريحوا؟.
يتحمل الخارج جزءاً من المسؤولية بسبب تقصيره في تطبيق اتفاق الطائف وفق مضمونه والتساهل في ترك النسخة المشوّهة منه تُطبق. ومؤخراً يتحمل مسؤولية التعامل مع الأمر الواقع المتمثل بالقوى المهيمنة على المشهد العام في لبنان وإعطائها الشرعية رغم انتفاض الشعب اللبناني عليها بما سمح بالإجهاز على إرادة اللبنانيين ومعاقبتهم وإعادتهم إلى بيوت الطاعة.
ما دام الزمن الدستوري الذي يعيشه لبنان، من الناحية النظرية، هو زمن الدستور المعدّل وفق بنود وثيقة الوفاق الوطني في الطائف الذي لم يُنفّذ في الشق المتعلق منه بالإصلاحات التي تؤسس لدولة المواطنة والحق والقانون والإنماء. فلا بد من الانطلاق من تلك الأسس الميثاقية التي جرى تغييبها حتى اليوم.
الدستور ووثيقة الوفاق الوطني وضعا قواعد إعادة بناء الدولة على أسس تُخرجها من منطق المحاصصة الطائفية. وهذه كانت أصل العِلل وسبب الصراع والمطالبات بالمشاركة في السلطة بين فئات "مغبونة" وأخرى متمسكة بالامتيازات، وكانت أيضاً الأرض الخصبة والدافع لكل فئة بالبحث عن رعاية خارجية واستدراج التدخلات، وهذه المعادلة ما تزال قائمة مع تبدّل التسميات ودخول لاعبين جدد وخروج آخرين.
المحاصصة الطائفية مرض دمّر المؤسسات وبدّد الأموال العامة والخاصة وسمح بالولاءات للخارج، ولا يمكن التعايش معه والتأسيس لسلم أهلي واستقرار اجتماعي، كما لا يمكن الاستمرار في إضفاء الصفات الحسنة عليه. فالتمسك بالمحاصصة حفاظاً على المكتسبات وخوفاً من الديموغرافيا لن يوصل البلد إلا إلى نتائج مماثلة لما نعيشه من انهيارات.
العلاج لا يجوز أن يتناول العوارض بل يجب التخلص من المرض بذاته. والضمانة البديلة الأولى التي يجب إقرارها في الخطة المرحلية التي تحدث عنها الدستور هي التشدّد في تجريم ومعاقبة التمييز بين المواطنين على أساس الطائفة والدين، على اعتبار هذا التمييز شكلاً من أشكال العنصرية، ومن ثم الفصل بين الشأن العام من جهة والشؤون الدينية من جهة أخرى مع تعزيز الخصوصيات وحمايتها. وهذا يتطلب وجود قانون للأحزاب غير الطائفية تتنافس على إدارة البلد وخدمة المواطنين وليس على المحاصصة الطائفية.
يدور صراع اليوم حول التعاطي مع أحد عوارض المرض وهي الأزمة المالية الكبرى، وهناك من يرى فيها فرصة لتصفية أموال المودعين خلافاً للدستور ويسمي مشروعه الإجرامي هذا خطةً للتعافي، وهناك من يعتبر أن الحل في إصلاح القطاع المصرفي وإقرار قانون لتصفية بعض المصارف ودمج بعضها ببعضها الآخر. وما دام الخارج معنياً بهذه المسألة ويضع الشروط لمساعدة لبنان فلا بد من لفت انتباهه إلى أن الجدوى تكمن بتطبيق مبدأ التصفية والدمج، لا على المصارف وحسب، بل على الأحزاب والقوى السياسية.