الجمعة 9 كانون الأول 2022 10:28 ص |
لبنان الحقيقي |
* زياد شبيب ظن كثيرون أن الحياة الثقافية دخلت في مرحلة انحطاط طويل أو أنها سوف تعاني آثار الأزمة والخيبات الأخيرة في السياسة والاقتصاد لسنوات مقبلة على الأقل، وبالفعل غاب المسرح غياباً شبه تام وضمرت أنواع الإبداع التشكيلي وندرت إصدارات الكتب في شتى المجالات لمدة طويلة. لكن شيئاً فشيئاً ومن دون تفسير منطقي بدأت الحياة تعود إلى "الأجندة" الثقافية، وتزايدت المواعيد حتى ضاقت أيام الأسبوع عن استيعاب العروض المسرحية والتشكيلية وامتلأت أماكن العرض بالأعمال والزائرين، وبدا الزخم في الإقبال على الأعمال والنشاطات مماثلاً لزخم الإنتاج.
مرّة جديدة أصرّ النادي الثقافي العربي على تنظيم معرض بيروت العربي للكتاب رغم ما يتعرض له، وانطلقت النسخة الرابعة والستون التي استضافت دور النشر من لبنان والخارج. في جناح دار النهار للنشر إصدارات جديدة تشكل رافداً لنهضة إبداعية يمكن مشاهدتها في المعرض، وعدد كبير من نفائس الكتب التي لا تتراجع جاذبيتها أو أهميتها مع الزمن: - "الجسر العتيق" لكمال ديب لم يعد عتيقاً مع صدور جديده "عهود رئاسية" الذي لخص في ما يقارب الالف صفحة تاريخ لبنان بأزماته وحقائقه من شارل دباس الى ميشال عون. - أديب صعب بَدَت مقدّمته الشهيرة في "فلسفة الدين" متجدّدة في طبعةٍ ثالثة وهي تعتبر بحثاً فريداً بسبب أصالة تأليفه بالعربية وأطروحاته التي جعلته مقرّراً جامعياً ومرجعاً في المادة. - "تاريخ بيروت" لسمير قصير ظهر في طبعة رابعة أقبَلَ عليها القراء كأنها الأولى، كتبت مقدمتها جيزيل خوري فأعادت إليها وإلى سمير قصير الحياة واختصرت فيها أسباب الأمل وحتميته وسرّ هذه المدينة العظيمة. - مروان اسكندر، في قدرة نادرة على الإيجاز والشمول، جمع التاريخ مع الاقتصاد السياسي في "السعودية، الإرث والمستقبل"، فأبرَزَ الإنجازات دون مديح وحلّل الإخفاقات دون هجاء. - أما مسعود ضاهر فـ "تاريخ لبنان الاجتماعي المعاصر" عنده "خارج القيد الطائفي". وفي الندوة التي نُظّمت حول الكتاب، أبدع جورج قرم وعصام سليمان إلى جانب المؤلف، في مناقشة أسباب منع بناء دولة المواطنة وسبل تحقيقها. الكتاب ليس في طور الزوال كما ظنّ كثيرون. فقد ثبت أن ما أصاب سائر المطبوعات من تراجع أمام التكنولوجيا لم يُصِب الكتاب ولن يصيبه. كثيرون يفضلون الكتاب الورقي على الإلكتروني بسبب تعلّقهم به وحبهم لملمس الورق، واهتمامهم بالحصول على توقيع الكاتب. أضِف إلى ذلك أن الوسائط الالكترونية لا تُسهّل قراءة الكتاب أياماً وأسابيع التي يتيحها الكتاب الورقي. التناقض البارز في لبنان اليوم بين حركة الفكر والإبداع من جهة والواقع المالي الاقتصادي والسياسي من جهة أخرى، يدلّ على المكان الذي تجد فيه لبنان الحقيقي وسبب الأمل بنهوضه. هذا الامل بثورة ثقافية ونهضة فكرية تكون مقدمة لتغيير حقيقي. المصدر :النهار |