الخميس 15 كانون الأول 2022 08:25 ص

"القضاء حاجة.. وليس ديباجة"!


* جنوبيات

رحم الله الفقيه القانونيّ رجل القضاء المميّز الرئيس الأوّل القاضي الدكتور عاطف النقيب، فقد كان يقول لي: "القضاء العادل والمستقلّ مفتاح كافّة الحلول".

وبالفعل كم نحن بحاجة في هذه الظروف الصعبة التي تمرّ بها البلاد إلى قانون استقلاليّة السلطة القضائيّة بشكلٍ كامل وعلى المستويات كلّها.

ناهيك عمّا وصل إليه وضع القاضي المادّيّ والمعنويّ، لا بل الصحّيّ والتربويّ والاجتماعيّ أيضًا. أضف إلى أنّ الوضع القضائيّ أصبح حكاية تتداولها الألسن بخفّة وقلّة احترام. وتجدر الإشارة إلى أنّه ينبغي محاسبة بعض القضاة الذين شوّهوا سمعة القضاء وجعلوه حديث الناس لأتفه الأسباب.  

وبالعودة إلى مسألة استقلاليّة القضاء، فإنّ مِن شأنها تعزيز ثقة المواطن اللبنانيّ بدولته، هذا الشعب الكادح التوّاق إلى العدالة على الصُعد الاجتماعيّة والاقتصاديّة كلّها، والأهمّ مِن ذلك الإنسانيّة الّتي بدأت تتآكل في ظلّ ظروفٍ صعبة نتيجة الفساد والاستبداد السياسيَّيْن والإداريَّيْن ممّا انعكس سلبًا على حياة المواطنين البائسين.

القضاء، والقضاء العادل وحدَه هو السبيل الوحيد لبناء نظام مجتمعيّ يرتكز على حسن التصرّف والحسّ بالمسؤوليّة لمَن يقومون بواجب إدارة البلاد لتحقيق العدالة الاجتماعيّة الحقّة.

القضاء هو محور الارتكاز في حفظ الكرامات ورفع التعدّيات ودرء المفاسد والمظلومات. 

القضاء هو السبيل لتحقيق مطلب المواطن اللبنانيّ بدولة عادلة ومنصفة وعاملة لتحقيق أحلامه المُحقّة.

لستُ مِمَّن يستعمل التبخير لحاجة خاصّة، ولا لتسخير مطالب غير مُحقّة، ولستُ أسعى إلى منصب أتّكئ عليه لنيل جائزة ترضية.

إنّها صرخة وجع في وجه مستبدّ، ولا يُداويها إلّا القضاء المُستقيم.

أيّها المُشرّعون، كي تنجوا من عواقب الأمور، ولكي يظهر المستور، وتخفّ الشرور، سارعوا إلى إقرار قانون استقلاليّة السلطة القضائيّة بشكلٍ كامل وفاعل، لتتمكّن مِن الإسهام في بناء سلطة القانون على أُسس صلبة وسليمة.

وبوجود قضاة أفاضل مسلّحين بالعلم والمعرفة والأخلاق، ستتحقّق الآمال، وينفسحُ المجال أمام لبنان العدالة، لبنان الحقّ، لبنان الخير، لبنان الوطن الحرّ والسيّد والمُستقلّ.

وأخيرًا وليس آخرًا، القضاء حاجةٌ ضروريّة لبناء صرح العدالة على أسس سليمة ومتينة لقيام دولة القانون وتحقيق العدل المرجوّ للشعور بالأمان والاطمئنان وراحة البال. فهو الأساس لقيام تلك الدولة، وليس ديباجة فقط تعبّر عما يُصَدّرُ به الحكم من ذكر المحكمة ومكانها وقضاتها وتاريخ صدور الحكم، وهي وإن كانت قواعد جوهريّة إلّا أنّ الأساس هو تحقيق العدل في بلد أصبح في أشدّ الحاجة لتظهير الصورة الحقيقيّة التي تحاكي محاربة الفساد والاستبداد، وزجّ الفاسدين في السّجون. 

وعندها فقط سيتحقّق ما نصبو إليه جميعًا، بقوله تعالى في محكم تنزيله: "ولا يجرمنّكم شنآن قوم على ألّا تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى". صدق الله العظيم. 

المصدر :جنوبيات