الأحد 1 كانون الثاني 2023 13:33 م

أحداث 2022 الثقيلة تورث تبعاتها للأعوام المقبلة


* جنوبيات

من تعليق سعد الحريري لعمل تيار المستقبل السياسي، مروراً بالانتخابات النيابية، وصولاً إلى خروج ميشال عون من قصر بعبدا، حمل العام 2022 أحداثاً ثقيلة كان لها وقعها على مجريات الحياة الساسية في لبنان، وستكون لها تبعاتها في الأعوام المقبلة.

لا شك أن قرار الحريري اعتزال العمل السياسي مؤقتاً وترك البلاد كان له تداعيات، أبرزها الفراغ في البيئة السنّية، وجاء في سنة مليئة بالأحداث والمستجدات، سنستعرض أبرزها في هذا التقرير.

اعتزال الحريري: فراغ وفوضى 

بعد فشله في تأليف حكومة مع رئيس الجمهورية ميشال عون، وعمل التيار الوطني الحر على محاصرته في السياسة، وعدم جدوى تدخّل رئيس مجلس النواب نبيه برّي لدعمه، وجد سعد الحريري في خيار تعليق العمل السياسي السبيل الأفضل له ولتياره، على اعتبار أنّه لا يريد المشاركة سياسياً في عهد عون، وتحمّل تبعات سياسة العهد المدمّرة.

لكن الطبيعة لا تقبل الفراغ، وانطلاقاً من هذ المبدأ، عملت أطراف عدّة على ملء مساحة الحريري في البيئة السنّية، وكانت نتائج الانتخابات النيابية خير مثال، فتوزّع النواب السنّة بين مستقلين وآخرين ينتمون إلى تكتّلات متعدّدة.

انجاز الانتخابات النيابية بعد طول تشكيك

كان إجراء الانتخابات النيابية محط تشكيك، ولم يكن الأمر مضموناً، لكن الاستحقاق حصل بإرادة دولية وداخلية نسبياً، وغيّرت من خارطة مجلس النواب التي كانت تعطي الأفضلية لفريق 8 آذار والتيار الوطني الحر، فخسر الأخير على إثرها موقع أكبر كتلة مسيحية لصالح القوات اللبنانية، فيما ارتفعت حصّة النواب المستقلّين والتغييريين.

وفي المجلس الجديد، لا يتمتع أي فريق بالأغلبية، وذلك لأن النواب المستقلّين والتغييريين لم يتموضعوا في موقع ثابت إلى جانب فريق ضد آخر، وفضّلوا المساحة الرمادية، فبقيت الفوضى والتحالفات "على القطعة" متحكّمة بمسار عمل المجلس.

ومن نتائج الانتخابات النيابية، خسارة أسماء كانت لها رمزيتها في المجلس لعقود، ومعظم هذه الأسماء مقرّبة من النظام السوري.

قوارب الموت: البحر أكثر أماناً من لبنان

كان عام قوارب الموت بامتياز، شهدت خلاله مناطق الشمال مأساتين، الأولى تمثّلت بغرق قارب أمام الشواطئ الطرابلسية، الثاني غرق مركب مشابه أمام مدينة طرطوس السورية، ورحل ضحيتهما عشرات القتلى والمفقودين.

تُحاول السلطات اللبنانية الحد من هذه الهجرة، لكنها تفشل، ومراكب الموت تستمر في الانطلاق من بشكل دوري من أمام الشواطي الطرابلسية والعكارية.

خلافات التيار – الحزب

بدأ العام 2022 بخلاف عميق بين التيار الوطني الحر وحزب الله، وانتهى على خلاف أعمق، ما يُشير إلى أن العلاقة ليست بأفضل أحوالها بين الطرفين. في مطلع العام، كان الخلاف بينهما على عقد جلسات حكومية. 

ففي حين كان يتمنّع الثنائي الشيعي عن الحضور بسبب ملف تحقيقات مرفأ بيروت ورفضهم للقاضي العدلي طارق البيطار، كان التيار الوطني الحر يُصر على عقد الجلسات، ويعتبر أن ما يحصل تعطيلاً لعهده. لكن الحال تبدّل في ختام العام، وبات التيار يُهاجم الحزب بسبب تغطيته عقد ميقاتي لجلسة حكومية في حين يرفض مبدأ الجلسات في ظل الفراغ الرئاسي. 

إلّا أن جذور الخلاف تعود إلى الانتخابات الرئاسية، فباسيل يرفض دعم حزب الله لترشيح فرنجية، ويُريد أن يكون المقرّر الأول في هذا الاستحقاق، ويطمع في أن يكون هو مرشّح فريق 8 آذار، وبالتالي فإن التباين العميق موجود، وهذا ما دعا عون وباسيل وعدد من نواب التيار للتهديد بمراجعة الاتفاق مع الحزب.

وستتجه الأنظار في العام 2023 إلى كيفية معالجة حزب الله لهذا الشرخ الموجود في فريقه، والاختلاف مع التيار الوطني الحر، علماً ان أمينه العام حسن نصرالله عقد اجتماعاً مطوّلاً جمع فرنجية وباسيل فيه قبل الانتخابات النيابية.

ترسيم الحدود: انجاز لبناني برعاية دولية

بعد أكثر من 10 سنوات على بدء المفاوضات مع إسرائيل برعاية أميركية وأممية لترسيم الحدود البحرية الجنوبية، أُنجز الملف في الربع الأخير من العام 2022، بعد جهود كبيرة خاضها المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين، الذي استطاع تقريب وجهات النظر، واقتناص فرصة وجود بنيامين نتانياهو خارج الحكم في إسرائيل، والظروف الاقتصادية الصعبة في لبنان، ودفع باتجاه إنجاز الاتفاق.

وعلى إثره، تقرر اعتماد الخط 23 بدلاً من الخط 29 الذي كان يصر عليه لبنان، ومنح الاتفاق حقل كاريش لإسرائيل مقابل حقل قانا للبنان. وبدأت تل أبيب بالتتقيب عن الغاز في مناطقها، في حين ينتظر لبنان العام المقبل لإطلاق عمليات الاستكشاف.

ولا شك أن عوامل دولية ساهمت في إنجاز الملف في ذلك الوقت، أبرزها الحرب الروسية الأوكرانية ووقف استيراد أوروبا للغاز من موسكو، وبحثها عن مصادر مستدامة أخرى.

انتهاء "العهد القوي" وخروج عون من بعبدا

طال انتظار اللبنانيين لانتهاء العهد العوني، ومرّت السنوات الست وكأنها عقود، على إثر الانهيار الاقتصادي – الاجتماعي الكبير. خرج عون من القصر في 31 تشرين الثاني، أي في الموعد المحدّد، بعد محاولات فاشلة جرت في السر للخروج ببدع قانونية تسمح له بالتمديد أو البقاء في القصر حتى انتخاب رئيسٍ جديد، انطلاقاً من مبدأ عدم ترك البلاد دون رئيس للجمهورية وبإدارة حكومة تصريف أعمال، لكن عون وتياره ومستشاريه لم يفلحوا في ذلك، فخرج عون من بعبدا بمهرجان حزبي عوني، تاركاً المجال للفراغ ليكون سيّد القصر، فيما احتفل بقية اللبنانيين بصمت لكثرة مآسيهم.

تحقيقات انفجار مرفأ بيروت: مراوحة لعدم كشف الحقيقة

لم تشهد التحقيقات أي تقدّم في العام 2022، لأن السلطة القضائية مشلولة بشكل كامل. توقف عمل المحقق العدلي بعد تقديم طلبات رد بحقه، وعدم وجود قضاة للبت بها، إذ يرفض وزير المالية يوسف الحليل توقيع مرسوم مرتبط بتعيينات محاكم التمييز.

حاولت السلطة الالتفاف على الأمر من خلال تعيين محقق عدلي رديف للبيطار لاستكمال الملف أثناء توقفه عن عمله، لكن كان ثمّة رفض قضائي لهذا الملف، على اعتبار أن التحقيقات سرّية، ولا يُمكن للبيطار تسليم معطياته لقاض ثانٍ، طالما أنّه محقق عدلي، فعاد وزير العدل هنري خوري عن خطوته.

عقد جلسات حكومية: رفض التيار مقابل إصرار ميقاتي

انتظر ميقاتي أسابيع بعد خروج ميشال عون من قصر بعبدا، من ثم دعا إلى إلى جلسة حكومية في الأول من شهر كانون الأول، على اعتبار ان مجلس النواب فشل في انتخاب رئيس جديد، والفراغ على ما يبدو سيطول، وبالتالي ثمّة ضرورة لإنجاز ملفات لا تحتمل التأخير والانتظار لإنجاز الاستحقاق الرئاسي.

رفض التيار الوطني الحر هذه الدعوة، لأنها برأيه تتعارض مع صلاحيات رئيس الجمهورية وتنتقص منها، فلم يحضر الوزراء المحسوبون عليه الجلسة، وحاول تعطيلها، وأراد من خلال موقفه زيادة الضغط على حليفه حزب الله لتغيير موقفه في ما خص انتخابات رئاسة الجمهورية، لكن الأخير استطاع اقناع وزير الصناعة جورج بوشكيان بالحضور، فعُقدت الجلسة، وخسر التيار وباسيل معركتهما بوجه ميقاتي.

حادثة العاقبية: الاستهداف الأول من نوعه لليونيفيل

في منتصف شهر كانون الأول، حصل اعتداء من قبل أهالي منطقة العاقبية على دورية لليونيفيل خرجت عن مسارها وسلكت الطرقات الفرعية، وأطلق أحد الموجودين النار على آليات القوّة الدولية، فقتل عنصر إيرلندي.

سارع حزب الله لنفي علاقته بالحادثة التي حصلت في مناطق نفوذه، وسلّم المعتدي للقوى الأمنية المولجة التحقيق في الملف، لكن ذلك لم ينف صلة للحزب بالاعتداء بشكل كامل، في حين ثمّة معلومات تتحدّث عن تقصّد التعدّي على اليونيفيل من خلال استدراج الآلية إلى الطرقات الفرعية، وثمّة أسئلة وشبهات كثيرة تحوم حول الموضوع.

جلسات انتخاب تُعيد التعطيل إلى الواجهة

دعا بري لجلسات لانتخاب رئيس للجمهورية بعد مرور شهر على بدء المهلة الدستورية لإطلاق هذه الجلسات، وتكرّرت هذه الدعوات حتى نهاية العام، لكن السيناريو كان واحداً، تعطيل وتطيير للنصاب.

شكّل دعم فريق السيادي لترشيح ميشال معوّض مفاجأة للشارع السياسي، لكنه كان من المتوقع أن يتقف هذا الفريق على اسم، في حين أن فريق الممانعة كان له رأي آخر، واعتمد الورقة البيضاء كخيار لإخفاء الانقسام العمودي الحاصل داخل صفوفه، مع رفض التيار الوطني الحر ورئيسه جبران باسيل لترشيح سليمان فرنجية، الذي يحظى بدعم الثنائي، واختار هذا الفريق حضور الجولة من الأولى من كل جلسة انتخاب، وتطيير نصاب الجولة الثانية.

باقي أطراف المعارضة لم تتفق مع الفريق السيادي على دعم معوّض، واختارت دعم شخصيات أخرى، لكن الانقسام لم يستثنيها، وأصاب تكتّل التغييريين، الذي انسحب منه نواب انضموا إلى دعم معوّض.

المصدر :الانباء