نهر الجنون هي قصة خيالية معروفة للكاتب المصري توفيق الحكيم أعدها لتكون مسرحية قصيرة من فصل واحد.
تحكي هذه القصة عن تلك القرية التي شرب أهلها من نهر نفثت فيه ساحرة أحابيلها بأن كل من يشرب منه يصاب بالجنون فشرب الجميع إلا الملك ووزيره أبيا أن يشربا من هذا النهر فظن الناس أنهما وحدهما قد جنّا وفقدا عقليهما لأنهما ليسا على نفس أخلاق القوم وسلوكهم.
وهنا يدور الحوار بين كل من شرب من نهر الجنون الذين يتأسفون فيه عن المصير الذي آل إليه الملك ويحاولون البحث عن أي علاج للجنون الذي أصابه هو ووزيره.
وهذا ما يصاب به في عصرنا كل الرافضين الذين يأبون أن يخوضوا مع الخائضين ويتسلحوا بالتملق والمداهنة والرياء والنفاق والتبعية حتى يصلوا الى مآربهم، وقد رأينا العديد من الأمثلة على أولئك الذين إغترفوا من نهر الجنون حتى يحققوا أهدافهم للوصول الى المراكز والمصالح الشخصية التي يحلمون بها أو لنيل الحظوة والمكانة عند أولي الأمر وهي سياسة - للأسف - لا تزال مستشرية حتى عند الكثيرين .
فهل باتت المداهنة هي السبيل الأوفى الى نيل الرضى والإعتبار؟ وهل كتب على الشرفاء وأصحاب المواقف الثابتة والمخلصة وأهل الكفاءة أن يلاقوا الصد واللوم والعتاب لأنهم لم يسايروا هذا أو ذاك ؟!
وهل من الجائز أن يتخلى المرء عن قناعاته حتى ينال حقه رغم كفاءته وجدارته ؟ والى متى يجب الإستمرار في المداهنة وإتخاذ بطانة السوء التي تمنع وصول الحق والحقيقة الى أولي الأمر، بل وتزين لهم خلاف الوقائع وتمضي في الغيبة والزور والبهتان لمآرب أخرى.
لكن رغم هذه المعاناة والطريق الشائكة لن نقترب من نهر الجنون ولن نكون أمعات إن أحسنوا الناس أحسنا وإن أساؤوا أسأنا، بل سنبقى بإذن الله قوامين بالقسط لا نخشى في الله لومة لائم ، ولن نحيد عن هذا المنهج الذي إرتضيناه في سلوكنا على المستويات كافة، حتى وإن اتهمنا أننا نحن البلهاء خارج العصر والعرف والتقاليد..
ولنستحضر قول إبن القيم رحمه الله الذي يقول: عليك بطريق الحق ولا تستوحش لقلة السالكين، وَإِيَّاكَ وَطَرِيقَ البَاطِلِ، وَلَا تَغتَرَّ بِكَثرَةِ الهَالِكِينَ.
وليعلم الجميع أن هناك كثيرين من الذين يأبون أن يشربوا من نهر الجنون وهؤلاء هم الذين ينبغي أن يتقدموا بكل جدارة على جميع الاصعدة.