"البقاء للأقوى"، هي عبارة نسمعها دائمًا من أساطين السّياسة الهوجاء، ومن جحافل القوّة العمياء، ومن زخرفات ومفردات المتفلسفين العرجاء، ومن أبالسة الشرّ والإغواء.
وببساطة وبلا تكلّف وتزخرف وتعجرف وتفلسف: البقاء ليس للأقوى! البقاء للأخفّ.. للألطف
للأحنّ.. والأجمل أثرًا..
البقاء الحقيقيّ لمن يحمل في قلبه ابتسامة وفي عقله مودّة وفي مشاعره رحمة.
البقاء لمن يملك الإنسانيّة في تصرّفاته والحبّ في معاملاته والرقّة في سلوكه.
البقاء لمن يهديك المساعدة بدون مقابل، ومن يحمل عنك أعباء الحياة بدون هدف.
البقاء للمشاعر الحلوة والنيّات الصافية والقلوب الرحيمة.
فلو أنّ السّباق إلى الله باﻷقدام، لتصدّر خفيف البدن، شديد التحمّل، "لكنّ السّباق إلى الله بالقلوب". فهنيئًا لمن أتى الله بقلب سليم.
هناك أناس يعيشون معنا في الأرض وأملاكهم في السماء عظيمة، قصورهم تُبنى، وزروعهم تُسقى وبساتينهم تُغرس.
جعلني الله وإيّاكم ووالدينا وأحبابنا منهم.
سيأتي يومٌ وتعرف أنّ همّك الدائم لم يكُنْ مُبرَّرًا، وأنّك كنتَ قلقًا أكثر ممّا ينبغي، وستُدرك حينها أنّ الله عزّ وجلّ قد دبّر كلّ شيء بأحسن ممّا كنتَ تتمنّى، وستعلم معنى قوله تعالى "فقدرنا فنعم القادرون".
لن يتمكّنَ المرء مِن القيام بعمله، ومواجهة العقبات، وإنجاز المهمّات، ما لم يمتلك الأملَ الدائم من خلال حسن الظنّ بالله والتوكّل عليه بالقيام بأداء العمل على الوجه الأكمل، وليس التّواكل والكسل للبحث عن الأمثل!
يقول الله تعالى في محكم التنزيل: "لا يُكلِّفُ الله نفسًا إلّا وسعها".
إنّ الله لا يضعُ ثمارًا على غصنٍ ضعيفٍ لا يقدِرُ على حملها. وما دام حمَّلكَ شيئًا فلأنّه يعلم أنّك تستطيع حمله.
فكلّ مسؤوليّة ألقاها الله على عاتقك أنتَ لها، وكل همّ وغمّ وحزن أصابك أنت بحجمه وقادر على تحمّله. فالمصاعب والمصائب إمّا أن تقوّيك أو توقظك. وإذا لم نفهم رسائل الله التي تأتينا مع البلاء، فنحن في بلاءٍ أعظم.
ومع الوقت ستعرف حكمة الله في كلّ ما حدث لك، وستعلم علم اليقين أنّهُ كان أرحم بك من نفسك.