الأربعاء 18 كانون الثاني 2023 09:11 ص |
كيف وصل 8 رؤساء قبل الطائف وكلمات السر التي أوحَتْ بانتخابهم؟ |
* جنوبيات 79 يوما على الشغور الرئاسي في لبنان، الذي يعيش كل أنواع الازمات، من دون أن تلوح في الأفق أي بوادر بإنجاز هذا الاستحقاق قريبا، وبينما يتوقع الجميع أن تلحق جلسة الانتخاب الحادية عشرة المؤجلة من الخميس في 12 الجاري الى غد (الخميس) في 19 الجاري، بسابقاتها العشر بلا أي نتيجة، تستمر الحكومة الميقاتية الثالثة التي تعتبر مستقيلة منذ بدء ولاية مجلس نواب 2022 في 22 أيار الفائت في مهام تصريف الأعمال، في وقت يواصل الدولار الاعيبه وتحليقه وانخفاضه من دون أن يسجل أي تراجع في الأسعار مع تدهور حياة الناس الاقتصادية والمعيشية والصحية، فينتقل الشغور الرئاسي الى العام 2023، ليستمر عداد فراغ الكرسي الأولى بالتصاعد، بانتظار إشارة مرور خارجية، عبر توافق دولي، وإقليمي وتحديدا عربي كان يطلق عليه «الوحي» الذي يحوّله النواب في صندوقة الاقتراع باسم الرئيس العتيد. بأي حال، فإن «كلمة السر» الحاسمة بشأن الانتخابات الرئاسية لم تصدر بعد، ليحوّلها نواب «الأمة» الى حقيقة في صندوقة الاقتراع الزجاجية، وبالتالي سيتواصل عداد أيام الشغور في الكرسي الأولى بالتصاعد «حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا»، فيما تتواصل معه مرارات اللبنانيين التي باتت تطال كل تفاصيل حياتهم اليومية، وخصوصا الصحية والاستشفائية والدوائية والغذائية، إضافة الى النور وحركة النقل. في الانتخابات الرئاسية عام 1943، كانت المنافسة على أشدّها بين النفوذين الفرنسي والبريطاني، التي انعكست مناورات شديدة بين اللاعبين اللبنانيين، يومها كان واضحا ان كفّة بشارة الخوري هي الراجحة على كفّة إميل إده بسبب نشاط سبيرز المتزايد وتراجع النفوذ الفرنسي يوما بعد آخر، وكان واضحاً أمام إده ان الأغلبية هي لصالح الخوري، وبالتالي كان عليه أن يعمل بشتى الوسائل للحؤول دون وصول بشارة الخوري، فأقدم كما يقول كميل شمعون في كتابه «مذكراتي» (ص.24) على خطوة لم يعرف كيف يكملها، فأبلغ سبيرز رغبة منه في توفير الاجماع لرئيس الجمهورية الجديد، موافقته على سحب ترشيحه شرط «أن ينسحب الشيخ بشارة الخوري بدوره من المعركة، ثم اقترح ثلاثة يتم اختيار أحدهم رئيساً للجمهورية، وكنت أحد هؤلاء فوافق الشيخ بشارة الخوري على الاقتراح وأصبحت طوال 48 ساعة المرشح الوحيد. لكن رسا الاختيار أخيرا على بشارة الخوري». وخلف بشارة الخوري على منصب رئيس الجمهورية عام 1952 كميل شمعون بفضل الدعم الإنكليزي ونظام أديب الشيشكلي في سورية الذي كان عونا لشمعون على فريق من اللبنانيين، وإذ بكميل شمعون بين ليلة وضحاها يجتذب الى صفه عدد لا يستهان به من نواب الشمال من زملاء حميد فرنجية ونواب بيروت، بفضل الضغط السياسي من جانب سوريا وتدخّل السفير البريطاني في بيروت، وبدا ذلك واضحا للعيان بتحوّل أصدقاء حميد فرنجية وزملائه في جريدة «لوجور» من أمثال حبيب أبو شهلا، شارل حلو، هنري فرعون، وموسى دي فريج الذين كانوا من دعامته الكبرى وقادة معركته الذين تخلّوا عنه، ليس حبّا بشمعون بل تحت الضغط السافر الذي مارسه عليهم السفير البريطاني عبر ميشال شيحا. وهكذا بسحر ساحر انتقلت الأكثرية النيابية من حميد فرنجية الى كميل شمعون الذي انتخب رئيسا للجمهورية في 22 أيلول 1952، علما ان كل المؤشرات الداخلية كانت تشير الى أن حميد فرنجية هو الرئيس لكن «الوحي» الخارجي حل لمصلحة شمعون. وانتخاب الرئيس فؤاد شهاب عام 1958 كان بوحي من الاتفاق الأميركي مع الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر. وفي العام 1964 حلّ شارل حلو في منصب الرئاسة بدلا من عبد العزيز شهاب الذي كان من اختيار الرئيس شهاب وبموافقة ناصرية - فاتيكانية.
بعد شارل حلو انتخب سليمان فرنجية الذي أسهمت بفوزه قضية ما اسمي بطائرة الميراج، حيث أتهمت المخابرات السوفياتية: الـ «كا.جي.بي» بمحاولة اختطاف طائرة حربية لبنانية لمعرفة أسرارها، بعد الخسائر الفادحة التي مُنيت بها طائرات «الميغ» في الحرب العربية - الإسرائيلية عام 1967. وإذ نفى السوفيات بشدّة أن يكون لديهم خطط لخطف طائرة الميراج، استنكر كمال جنبلاط والأحزاب اليسارية هذه التهمة، ووصفوا بأنَّها من «بنات خيال أجهزة الدكتيلو» وهي من الصفات التي أخذت تطلق على المكتب الثاني، فكانت أن أعلنت جبهة النضال الوطن النيابية بقيادة كمال جنبلاط تأييدها لفرنجية، ولم يمتثل لهذا القرار النائبين بهيج تقي الدين ومعروف سعد، وقد أسفرت هذه الانتخابات عن نيل فرنجية 50 صوتا وسركيس 49 صوتا في الدورة الثانية، لكن رئيس المجلس النيابي صبري حمادة رفض إعلان النتيجة لأن الأغلبية المطلقة برأيه هي النصف زائدا واحدا، وبالتالي فان هذه النتيجة هي زيادة نصف صوت فقط، فحصل هرج ومرج وفوضى في مجلس النواب، انسحب على أثرها رئيس المجلس الى مكتبه رافضا إعلان النتيجة، فكان أن اتصل النائب رينيه معوض بالرئيس فؤاد شهاب ليعلمه بالإشكال القانوني الذي أثاره رئيس المجلس، فطلب إليه بأن يدعو الرئيس حمادة لإعلان انتخاب النائب فرنجية رئيسا للجمهورية، وفعلا دخل الرئيس رشيد كرامي والنائب معوض الى الرئيس حمادة وطلبا إليه إعلان نجاح فرنجية، مؤكدين له انه إذا أعاد الاقتراع فسيصوّتان لمصلحة فرنجية، وهنا دعا الرئيس حمادة مكتب المجلس الى اجتماع، أعلن على أثره فوز فرنجية برئاسة الجمهورية، ومنذ انتخابه كان الرئيس فرنجية يقول كلما ذكّره أحد من النواب انه يدين له بانتخابه: «انه صوتي أنا» وليس صوت أحد آخر. وكان قد قاطع هذه الجلسة 30 نائبا هم: جميل كبي، رشيد الصلح، زكي مزبودي، صائب سلام، فريد جبران، محمد يوسف بيضون، نجاح واكيم، عبد اللطيف بيضون، علي الخليل، نزيه البزري، البير مخيبر، توفيق عساف، ريمون إده، ناظم القادري، زاهر الخطيب، منير أبو فاضل، أمين الحافظ، باخوس حكيم، رشيد كرامي، صالح الخير، عبد المجيد الرافعي، عبدالله الراسي، هاشم الحسيني، عبد المولى أمهز، البير منصور، حسن الرفاعي، حسن زهمول الميس، حسين الحسيني، أحمد اسبر، وسليم الداود. وبعد اغتيال بشير الجميل في 14 أيلول أي قبل تسلّمه سلطاته الدستورية بتسعة أيام ، اجتمع في الحادي والعشرين من أيلول 1982 مجلس النواب في المدرسة الحربية في الفياضية، في ظل الاحتلال وانتخب في الدورة الأولى، بأكثرية 77 صوتاً من أجل 80 نائباً حضروا الجلسة، النائب أمين الجميل رئيساً للجمهورية. لقد وصل أمين الجميل إلى المركز الأوّل في لبنان، فهو تماماً كما يصفه كريم بقرادوني: «لقد حالف الحظ أمين منذ بداية حياته، وكان قدره أن ينجح حيث يفشل الآخرون، ورث النيابة عن خاله موريس الجميل، الموسوعة الفكرية المشدودة إلى التجديد والعصرنة والذي توفي قبل أوانه في عام 1970، فخلفه أمين نائباً عن المتن الشمالي عن عمر يناهز الثامنة والعشرين، وكان أصغر النواب سناً، وورث الزعامة عن أبيه بيار، الذي أسس أكبر الأحزاب اللبنانية واقتطع في أمين مكانة مرموقة، وحول منطقة المتن إلى امارة خاصة به، وورث اخيراً الرئاسة في 21 أيلول 1982 عن شقيقه بشير الذي اغتيل في 14 أيلول 1982 رئيساً للجمهورية، فخلفه وهو في الأربعين من العمر، فصار أصغر رئيس جمهورية يحكم». وفي عام 1988 انتهت ولاية أمين الجميل عند منتصف ليل 22 أيلول، فغادر القصر الجمهوري من دون وجود رئيس للجمهورية، ليستمر الفراغ في الكرسي الأولى مدة 409 أيام، لتبدأ بعدها مرحلة الطائف.
المصدر :جنوبيات |