السبت 28 كانون الثاني 2023 14:27 م |
الحاج توفيق راشد الحوري.. رافعة الوعي والهمة والعمل..!! علماً وفكراً وممارسة واستدامة وأثراً |
* جنوبيات قد تشتهر صورته وإسمه عند جيل عريض، كأمينٕ عامٕ للجامعة العربية في بيروت لسنوات طويلة، حققت خلالها الجامعة نقلات وثبات وتطور واستدامة، رغم الظروف القاسية التي مر بها لبنان في تلك الفترات المسماة بالحرب الأهلية (١٩٧٣-١٩٨٢)، ثم الاجتياح الاسرائيلي الغاشم (١٩٨٢)، وما اعقبه من مراحل الصراعات،(١٩٨٤-١٩٨٩)، ثم محطة اتفاق الطائف(١٩٩٠)، وبداية الاستعادة الاستقرار وتجديد البناء(١٩٩١-١٩٩٧)..إلخ. فهو سليل أسرة ناشطة في الخدمة، منذ جده توفيق في العهد العثماني، ووالده راشد، مؤسس جمعية البر والاحسان والحامعة العربية.. كما إن زوج خالته، المفكر والمؤلف الموسوعي الشهير د. عمر فروخ، صاحب الكتاب الأشهر "الإستعمار والتبشير"، كان له اثر هام في تطعيم معاني الخدمة الاجتماعية لديه، بروح المواقف الثابتة، والقيم الأصيلة، والثبات على الهوية. لم تتوقف مسيرة العطاء عنده على الإرث التاريخي، بل جدد وطور، وأنشأ بدوره مؤسسات ومرافق جديدة.. وبات علماً على المعالم، ونهضتها، وخدمتها..!! بل وشارك حماه الشيخ الداعية الشهير، محمد عمر الداعوق، تاسيس جماعة عباد الرحمن الدعوية، وترأس مجلسها لفترات. فكان خليطاً من الروحين، ومزيجاً من المسيرتين. ثم إنه كان عامل تحديث وتطوير في عضويته بلجنة المعادلات في وزارة التربية والتعليم انذاك، وطور من خلالها صيغ توأمة الجامعات واعتمادها. وإلى ذلك فقد اشتهر عند الحركات الإسلامية والوطنية وحركات التحرر الوطني، وخاصة بواكير العمل الفدائي الفلسطيني، انه كان الحضن الدافئ، والمنارة الهادية، واليد الداعمة، لفصائل التكوين والتشكيل في بواكير نشأتها، حتى انه كان محرر البيان الأول لحركة فتح، ورديفاً داعماً للنشاط الفلسطيني في لبنان والمنطقة. وذكره بالفضل والتوثيق، عدد من قادتها الكبار ومنهم القائد أبو جهاد في مذكّراته على سبيل المثال. كما وثقت لذلك مراكز ومواقع مختلفة (الزيتونة/ اساس..مثلاً) كما أنه أحد أهم رواد الإحياء الوقفي، علماً وفكراً وممارسة وتوجيهاً، في لبنان والعالم العربي. فهو مؤسسُ عددٕ من المؤسسات الوقفية العلمية، كجامعة الإمام الأوزاعي للدراسات الإسلامية. وهو مطلق نظرية تحويل الجمعيات التقليدية العريقة، الى تسجيل املاكها اوقافاً، لحمايتها ولحفظها ذخراً للأجيال.. ونفذت هذه الآلية في عدة مؤسسات كبرى وتحت إشرافه، وعلى رأسها جمعية البر والإحسان، منشئة ومالكة الجامعة العربية في بيروت ومرافقها. كما أطلق أول طرح توجيهي (١٩٨٣م)، لإنشاء وتاسيس الجمعيات بصيغة وقفية خيرية اسلامية، مسجلة ومشهرة في المحاكم الشرعية، ونشر لها لاحقاً دليلاً توجيهياً بعنوان "الوقف الخيري الإسلامي" (١٩٨٩م).. ونفذ ذلك في المركز الإسلامي للتربية، وحذت حذوه اكثر من ٣٠ جمعية ومؤسسة في سائر المدن والمناطق اللبنانية. لم يكن الحاج توفيق رحمه الله، الا بصمة منيرة، مشعة، هادية، ملهمة، رافعة للهمة والوعي والجد والعمل. شهدت له بحادثة في الثمانينات الاولى، يوم وجدته في الجامعة يمارس عمله، ولكن بوجهه بعض التوتر والحزن، فسألت مساعده عن حاله، فأبلغني أن إبنه الكبير "راشد" قد تعرض لمحاولة اغتيال في الليل، وأنه "الآن" يخضع لعملية جراحية دقيقة في المستشفى..!! صدمني الخبر مرتين، مرة بحجم الفاجعة، والأساليب الدنيئة لاطفاء شعلة نور في زمن الظلمة والظلم، ومرة بان الرجل "الجبل" موجود هنا في مكتبه، يمارس عملاً مكتبياً، وابنه تحت مبضع الجراحين..! فتقدمت منه على ،وجل وتهيب، وسألته ما الذي تفعله هنا يا مولانا؟
فكان الجواب الثابت الملهم: لكن اليوم امتحانات الجامعة العربية، وفيها خمسة آلاف "راشد" آخر، كلهم أبنائي، ولا أعطل امتحاناتهم، لأن الأسئلة موجودة بالخزنة، ومفتاحها عندي، وتوقيت وتوقيع اخراجها وتسليمها كذلك. نعم.. هذه هي بصمته العلمية والقيادية والإدارية في الأجيال التي عرفته، بصمة أصالة ونبل وشهامة وإيثار، ومواقف عزة وثبات وخدمة. وحركة دؤوبة برؤية ومنهجية ومثابرة واستدامة.
رحم الله الوالد الموجه لي شخصياً، ولكثيرين غيري، ولا اتردد في الإعتراف بفضله الأثير الأول في تعريفي بفهم جديد لمعنى الوقف والأوقاف، منذ حملته منه، سنة ١٩٧٩م ومعه في الجلسة رفيق دربه أ.د. عبد الله الخالدي رحمه الله، بات محركاً متجدداً داخلي عندي من وقتها..!! وكانت آخرها جلسة موثقة ومسجلة صوتياً في ٢٠١٦م، في منزله ببيروت، وذلك في فترة دخوله ببعض أمراض الشيخوخة المرهقة، وتخففه من الدوام المكتبي، فقبل بالموعد كاستثناء خاص، وكعلامة من علامات الحب والرعاية الأبوية والعلمية، واستبشر ولده، الصديق الصيدلي د.أيمن، من قبوله الموعد، كما سره ما لاحظه من تجدد همته في الحوار، وحضور ذهنه في التنبيه والتصويب، وكان تفسيري لهذا، انه قد حضر بين يديه ثلاثة من أبنائه، أيمن، وعبد الحليم، والابن الثالث وهو العزيز جداً عليه.. "الوقف"، موضوع اللقاء. الحديث عن الحاج توفيق يطول، وهو دون شك حديث ذو شجون، وسيكتب ويشهد له كثيرون بتجاربهم معه وتأثرهم به، وبصماته فيهم.. ونسأله تعالى ان يجعلها كلها من نوع مقولة: "شهادات الخلق أقلام الحق"، المقبولة والمشهودة والرافعة لمقام الفقيد وأجره وفضله وأثره. اللهم آمين آمين المصدر :جنوبيات |