الجمعة 17 شباط 2023 16:12 م

توقيع بروتوكول فيما بين نقابة المحامين في طرابلس والجمعيّة الأورثوذوكسية لرعاية المساجين


* جنوبيات

وقعت نقابة المحامين في طرابلس  ممثلةً بالنقيبة ماري تراز القوال والجمعيّة الأورثوذوكسية لرعاية المساجين ممثلةً بالأب باسيليوس دبس بروتوكول تعاون فيما بينهما لرعاية المساجين، بحضور أعضاء مجلس النقابة، وأعضاء الجمعية، مديرة معهد حقوق الإنسان في النقابة الأستاذة دوللي فرح، ممثلين عن جمعيات معنية بحقوق الإنسان وجمعيات قانونية ومدنية، وعدد من المحامين ومحامين متدرجين.

البداية بالنشيد اللبناني ثم نشيد النقابة، ليُلقي بعدها ممثل النقابة في المحكمة الارثوذكسية الاستاذ ايلي بيطار كلمةً جاء فيها :" هو يوم بالف كلمة، يضع فيه الأمل توقيعه وختمه على ورقة هي بمثابة خشبة خلاص لكلّ من ضاقت به عتمة السّجن، حيث نقف كلّنا اليوم ليس كشهودٍ وحسب بل كصوتٍ صارخٍ في هذا العالم المظلم لنعد طريق الامل باجتماعنا في حفل توقيع بروتوكول التعاون بين نقابة المحامين في الشمال والجمعيه الارثوذكسية  لرعاية المساجين .

ثم عُرض فيديو تعريفي على الجمعيّة الأرثوذوكسية.
ثم ألقى الأب دبس كلمةً  جاء فيها:" اجتماعنا اليوم ليس بقائم لولا نعمة الله وجهود الإخوة العاملين بكد لنلتقي بوجوهكم النيرة والطافحة بالرجاء والخير ومحبة الخدمة لأحباء الله، المساجين، وخاصة لنقيبة المحامين في الشمال التي لا تهدأ ولا تستريح سعياً لإحقاق العدل في وطن يفتقد أمثالها بما تتمتع من مناقبية استلهمتها من كلمة الله".


وتابع قائلا:" سأتكلم بصراحة واصفاً خبرتي وشعوري، فلقد خرجت من السجن وأنا أشعر بفرحة عارمة في داخلي، في البداية لم أعرف السبب ولكن في وقت لاحق عرفت السبب وذلك بعد التحدث إلى السجناء أو النزلاء وبعد مشاهدة صنائع أيديهم وإلتفافهم حولنا أثناء الصلاة رغم عدم وجود أي شيء يجبرهم على الصلاة، نعم أدركت أني أنا السجين، أدركت كم ظلمهم ويظلمهم المجتمع، أدركت أنهم أشخاص قادرين أن يزرعوا البسمة على شفتيّ وهم وراء قضبان من حديد، بعيدين عن أحبائهم، إنما هذه الكلمات تعبر عن رؤية من تلاقى بالمساجين وليس عبر السمع عنهم، مما يضعك أمام حقيقة لا يمكن ادراكها عن طبيعة النزلاء فتنزع عنك روح الإدانة وتكشف لك الكثير من ظلم هذا العالم الذي نعيشه".

وأضاف:" لقاؤنا ههنا، آتٍ من ضعف بشري، عضدته قوة ايمان قلة نادرة من الناس، فشددت أحقاءنا وانزلت النعمة التي جمعتنا اليوم، فإن الخدمة الملقاة على عاتقنا طابعها قاس ومميز،  قاس لكونها تحمل لنا الدينونة إن تخاذلنا في خدمة أحباء الله، أو جعلنا من المؤسسة هدفاً يطوي صفحة المعنى الأسمى الذي نشأت من أجله جمعيتنا وهذا هو الخطر الأعظم، والدينونة تأتي أيضا من وجوه البائسين الذين نخذلهم حين يترجون العون وتقيدنا رغبائنا عن مد

يد العون، أما الطابع المميز فهو أن الخدمة لها وجه شيركوي، مبني على تآزر قوى المجتمع المدني، في وجه ثقافة العنف الطاغية على مفاهيم النمو والحضارة والتقدم، وبتكاتف الجهود المبذولة نستطيع أن تعضد الدولة في مسيرتها الإصلاحية لننهض جميعا من غفوة الكسل إلى وطن لا تستباح فيه كرامة مواطن أو تداس

فيه حريات القابعين خلف القضبان، فواقع أبناء الوطن الحالي بشكل عام لمرير، وواقع المساجين كذلك طالما هم تحت أركان من تناسى آلام الناس سعيا لمكسب عام، واقع السجون بالكاد يطرأ عليه أي تغير إيجابي".
كما تحدث عن أبرز المشاكل التي تعاني منها السجون في لبنان.

وختم :" نكرر ما كنا ندعو إليه مع إخوتنا في الهاجس والعمل، مع نقابة المحامين، التي يسعدنا اليوم أن نتشارك سويةً همومنا وهواجسنا بما يتعلق بالنزلاء الذين يحتاجون المعونة، ونطلب بإلحاح من كل الوزارات
المختصة، الإسراع في المحاكمات للموقوفين على ذمة التحقيق، وأولئك القابعين في غياهب السجون بدون
محاكمة لشهور عديدة، وإخلاء سبيل الأبرياء والمظلومين, كما نطالب بفرز المساجين بسجون حسب
أحكامهم، وتأهيل السجون بما يكفل حقهم كإنسان بما يتعلق بالصحة والرعاية، وندعوكم إلى تبني رؤيتنا بأن الإنسان السجين، هو صورة السيد، له المجد، المكبل

بالسلاسل والمهان، وبانضمامكم إلينا لخدمتهم تخدمون الرب الذي قال " كنت مسجونا فأتيم إلي".
والختام بكلمةٍ للنقيبة القوال جاء فيها:" في زحمة الأزمات التي تنزلُ على رؤوس اللبنانيين، وتزلزلُ الحياةَ تحت أيامهم، وتنشرُ هزَّاتِها الارتداديةَ في كل مرفقٍ من مرافقهم العامة والخاصة، تبقى أزمة السجون واحدةً من الأكثر إلحاحًا والأكثر قِدَمًا على حدٍّ سواء. فمن السهولة بمكان على أيِّ متابعٍ يرغب في أن يراقبَ سيرورةَ هذه الأزمة في الفكر القانوني والتطبيق العملي، أن يجد جذورَها الحقيقيةَ ضاربةً في التاريخ الإنساني منذ عصور الاستبداد التي حولت حضاراتٍ ودولًا إلى سجون كبيرة، بعضُها لا يزال إلى الآن، مرورًا بتحديد مفهوم العقوبة في الشرائع الحديثة، باعتبارها مزيجًا من قصاص وتأهيل، وصولًا إلى قراءة الواقع المأساوي المزري لحال السجون والسجناء في لبنان.
لن أغوص بالطبع ههنا في هذه المسائل التي تستحق بحوثًا وندوات".
وتابعت:" أودُّ أن أضيءَ بمثلِ شمعةٍ صغيرة، على أن ما يرتجيه أهل الدين والقانون، أن تكون السجون مراكزَ لتأهيل السجناء وإعادة دمجهم في مجتمعاتهم، وهذا يستلزم أمورًا عديدةً أهمها:
أولًا: التطبيق الصحيح لمسألة التوقيفات. فالأصل أن يبقى الإنسان الملاحق حرًّا، وأن لا يتم توقيفه إلا في الحالات المحددة وللأسباب الحصرية التي نص عليها قانون أصول المحاكمات الجزائية. هكذا نخفف عن السجون كثيرًا من أعباء الموقوفين.
ثانيًا: تسريعُ المحاكماتِ بحيث لا يبقى المتهمون نزلاء السجون من دون محاكمة ولمدد طويلة ربما تفوق العقوبة التي يرتبها القانون عليهم لقاء الجرائم التي يحاكمون بها، وهذا أيضًا يساهم في تخفيف اكتظاظ السجون.
ثالثًا: نقل إدارة السجون من وزارة الداخلية إلى وزارة العدل، كي لا تبقى المعالجة الأمنية هي الوسيلةَ الوحيدة أو شبهَ الوحيدة لمواجهة تحركات المساجين، موقوفين كانوا أو محكومين.

رابعًا: تحويل السجون إلى مدارس فعلية يتعلم فيها نزلاؤها ما يرغبون فيه من العلوم والصنائع ويتابَعون نفسيًّا وصحِّيًّا واجتماعيًّا من أجل إعادة تكوين شخصياتِهم المستقيمة المؤهلة للانخراط مجددًا في الحياة الاجتماعية بعد انتهاء العقوبة.

خامسًا وفوق هذا كله وقبله وبعده، ينبغي نشر الوعي في المجتمع بأن السجين إنسانٌ كأي إنسانٍ آخر، وأنه إذا ارتكب ما يستوجب السجن توقيفًا أو عقوبةً، فإن له علينا الحق في أن يعودَ إلى مجتمعه، وأشير هنا بالمناسية إلى أنني لم أعثر على أي إحصاء يدل على نسبة السجناء الذين يسميهم القانون "معتادي الجرائم" أي الذين يرتكبون الجرائم تلو الأخرى غير آبهين برادع العقوبة، وذلك من أصل جميع السجناء الموجودين في السجون اللبنانية. ولكنني استنادًا إلى بعضٍ من خبرتي العملية، أظن بأن هذه النسبة ضئيلةٌ جدًّا، ما يعني أن الغالبية العظمى هي من الذين ارتكبوا الجرم لدوافع اقتصادية أو اجتماعية وأنهم متى تخلصوا من وطأة الظروف التي دفعتهم إلى الجريمة، وتحسسوا القصاص الذي أُنزِلَ بهم، فإنهم بلا شكٍّ سيعودون مواطنين صالحين وعلى المجتمع أن يتقبلهم ويحتضنَهم'.
وأضافت:" هذه المسائل تحتاج إلى دولة ذات سياسة واضحة بهذا الخصوص، وإلى تمويل مستدام لتنفيذها، وهذا غير متوفر إلى اليوم ما يدفع بمؤسسات المجتمع المدني ومنها نقابة المحامين والجمعية الأرثوذكسية لرعاية المساجين، وسواهما طبعًا، إلى تحمل هذه المسؤولية على قدر المستطاع ولو باللحم الحي.
من هنا يجيء هذا البروتوكول الذي نوقعه معًا فرحين، لأنه من أجل لبنان، ومن أجل الإنسان في لبنان، ومن أجل القيم العليا التي نمشي على هديِها،  وشكرًا.
وفي الختام وقعّت النقيبة القوال والأب باسيليوس دبس إتفاقية التعاون والتي تهدف لتوحيد الجهود والتعاون المتكامل لرعاية المساجين وتأمين حقوقهم القانونية والمدنية والاجتماعية.

المصدر :جنوبيات