السبت 18 شباط 2023 18:36 م

السور الواقي 2: الهدف "أبو مازن"


لم تتوقف يوماً الاتهامات والاستهدافات والتهديدات الاسرائيلية للسلطة الفلسطينية وقيادتها رغم كل ما تحمّلته الأخيرة بسبب التزامها من جانب واحد بالاتفاقات الموقّعة مع دولة الإغتصاب والإرهاب، ورهانها على الشرعية الدولية وقراراتها وإعطائها كل الفرص للدول التي كانت ولا تزال تبذل جهوداً لإقناع قادة تلك الدولة بالتوقف عن الممارسات التي تتناقض مع مساعي التوصل الى حلول عادلة، وتحذّرها من خطر إضعاف السلطة الفلسطينية، وعدم دفع الأخيرة الى وقف التنسيق معها لأن ذلك سيعمّم حالة من الفوضى تعرّض أمن اسرائيل للخطر وتدفع الى الانفجار الشامل. كل الحكومات المتعاقبة لم تقم اعتباراً للسلطة. تريدها بكل أجهزتها أداة "لقتل الروح الفلسطينية" المجاهدة في سبيل الحق والتخلي عن القضية وأهلها واسراها وشهدائها. وكل الإدارات الأميركية غطّت هذه السياسة. في العام 2002 كانت شراكة اسرائيلية أميركية في إطلاق عملية "السور الواقي" التي وصلت الى حد محاصرة الرئيس الرمز ياسر عرفات في المقاطعة ثم تسميمه واغتياله. لماذا؟؟ لأنه رفض التوقيع على ما أرادوه، ولم يقبل بوضع السلطة وأجهزتها في وجه أهله وأبنائه من كل الاتجاهات الفلسطينية، وحمى الانتفاضات بطريقة أو بأخرى بسبب تنكّر اسرائيل لتعهداتها. اليوم يكرّرون الشيئ ذاته. أبو مازن رفض "صفقة القرن" المشروع الأميركي الذي أعدّه "العبقري" جاريد كوشنير الذي أبهر بعض العرب، صهر الرئيس السابق دونالد ترامب، فكان لا بدّ من معاقبته "أبو مازن لم يعد شريكاً في الحل"، "ابو مازن يدعم الإرهاب"، "يغطي كل العمليات ضد قواتنا"، "يموّل عائلات الأسرى والشهداء"، "ويشجع على تنفيذ عمليات إرهابية"!!
اليوم ومع عودة نتنياهو الى الحكم يخرج وزير الخارجية السابق – في عهد ترامب – مايك بومبيو، رئيس المخابرات المركزية CIA سابقاً ليقول في كتاب مذكراته "قتال من أجل أميركا" "إن السلطة الفلسطنية عملت بقوة ضد جهودنا، هم يعرفون أنه إذا تحطّم السد، إذا تضاءلت قدرتها على أن تكون حاجزاً دون السلام، ستخسر قدرتها على امتياز التهديد بإطلاق انتفاضة وإشعال غضب العرب عبر العالم". وكال اتهامات للفلسطينيين بشأن علاقتهم بالدول المطّبعة مع اسرائيل (الابراهيمية)، لكن زعماء هذه الدول لم يتأثروا كما قال. هو يستقوي بطبيعة الحال باتفاقات هذه الدول مع اسرائيل ويعتبرها إنجازاً أميركياً بامتياز!!
في هذا الوقت خرج ايتمار بن غفير وزير الأمن القومي الاسرائيلي ليهدّد السلطة الفلسطينية بـ"عملية السور الواقي 2" أي باستباحة الضفة، والتخلّص من قيادة السلطة كما فعلوا مع ابو عمار. وكل الإجراءات والمؤشرات على الأرض والقوانين التي تسنّ في الكنيست الاسرائيلي تؤكد صحة هذه النوايا، وإن كان نتانياهو حاول إخفاءها فالمدعو مئير بن شابات مستشار الأمن القومي السابق والمستشار الأمني لنتانياهو بين 2017 و 2022، هاجم السلطة الفلسطينية وموقفها ودورها وقال: "إنها لعبة خطيرة. إذا كان المقصود منها زيادة الضغط على اسرائيل فهذا أمر خطير على ابو مازن أولاً قبل كل شيئ. فشل محمود عباس في محاربة الإرهاب كان مقامرة متعمدة ومليئة بالمخاطر. وفي حال لم يحارب الإرهاب قد تقوم اسرائيل بعملية أمنية كبرى في الضفة الغربية على غرار "السور الواقي" التي أطلقتها عام 2002 واجتاحت الضفة وحاصرت عرفات في رام الله. يتذكر ابو مازن جيداً أيام تلك العملية. إنه لا يريد الوصول الى هذه النقطة، لكن الأمر سيصل الى هنا وإذا وصلنا الى موقف نحتاج فيه القيام بذلك فسنقوم به"!!
هل ثمة كلام أوضح من ذلك؟؟ وهم بدأوا اجراءات عملية ضد قيادة السلطة ورموزها بتقييد حرية حركتهم وانتقالهم، وبمصادرة أموال السلطة، وباجتياحات واقتحامات متتالية في مناطق الضفة، واغتيالات مستمرة، وعقاب جماعي للشعب الفلسطيني. إن خطتهم الفعلية هي "السور الواقي 2". إسقاط السلطة الفلسطينية. تعميم الفوضى مراهنين على الانقسامات الداخلية ومشكلة وراثة أبو مازن وهو في سن متقدّم، والانقسامات الفلسطينية. بالنسبة إليهم – الإرهابيون الاسرائيليون – لا قيمة لسلطة ومؤسسات فلسطينية إن لم تكن في خدمة مشروعهم، وما سبق وكتبناه عن "ديمقراطية اسرائيل" والإجراءات والقوانين التي تسنّ وتشرعّن البؤر الاستيطانية وتطلق العنان لكل الإرهابيين والدعوات الى تسليح المستوطنين وإعطائهم حرية الحركة في وجه الفلسطينيين، يؤكد هذه النوايا، وبالتالي فإن ما ينتظر الشعب الفلسطيني وسلطته ومناطقه كافة من غزة الى الضفة الى الداخل المحتل، حرب مفتوحة وعمليات قتل جماعي وتهجير جماعي وإسقاط لأي أمل بقيام دولة بل إعدام فكرة الدولة الفلسطينية.
بالتأكيد الفلسطينيون لن يستسلموا. سيقاومون. وسنكون أمام حمّامات دم كبيرة وكثيرة ولن تتمكن اسرائيل من كسر إرادتهم وإخضاعهم ولو راهن الإرهابيون على الالتفاف عليهم واستفزازهم بسبب اتفاقاتهم مع بعض الدول العربية. ولكن عندما يكشف هؤلاء عن مشروعهم بالذهاب الى عملية جديدة كتلك التي انتهت باغتيـال الشهيد ياسر عرفات، لا يجوز تضييع الوقت. المطلوب أكثر من اي وقت تفاهمات راسخة داخل حركة فتح، ومنظمة التحرير، والسلطة الفلسطينية، تحسّباً لهذا الخطر، بما يعطي الشعب الفلسطيني قوة أكبر ومناعة في مواجهته، وتزداد هذه المناعة رسوخاً بتفاهم كل الفصائل الفلسطينية لأن الخطر داهم على الجميع.. إنها مسؤولية وأمانة فلسطينية قبل أي شيئ آخر تستحق كل جهد ومعاناة وتعب لإتمامها... اسرائيل تريد الموت للجميع بدءاً من القيادة وصولاً الى كل أبناء هذا الشعب الطيّب المناضل.

المصدر :جنوبيات