ليست المرة الأولى التي يوقف فيها الجيش «أميراً» من أمراء «داعش»، من دون أن يبدي التنظيم أيّ ردة فعل. الأمر الذي يقود الى أكثر من احتمال ومنها أنّ الموقوف ليس اميراً من الدرجة الأولى وأنّ هناك مجموعة أمراء جاهزون لتولّي مهماته ولن يغيّر توقيفه شيئاً في حياة «الدواعش». هذا إذا لم يكن «داعش» قد أقفل ملف المخطوفين. فكيف ولماذا؟بمعزل عن حجم العملية العسكرية التي نفّذتها وحدات النخبة في مخابرات الجيش اللبناني في جرود عرسال وانتهت بتوقيف الإرهابي حامل لقب أحد أمراء «داعش» في المنطقة أحمد أمّون وأحد عشر مسلّحاً من رفاقه فإنّ الحديث عن تحوّلات مهمة في ملف المخطوفين العسكريين لدى «داعش» ما زال أمراً غامضاً.
فالمنطق يستدعي القول إنّ أمّون ليس الأمير الأول والأخير الذي أوقفته أو ستوقفه وحدات الجيش والأمن العام والأجهزة الأمنية الأخرى. فلائحة الأمراء باتت طويلة وتحتوي أسماء معروفة وأخرى كانت غامضة استُدرجت أو أوقفت في مناطق متعددة من لبنان حدودية من جرود عرسال والقلمون أو من عكار والبقاع وكذلك من المخيمات الفلسطينية.
وهؤلاء الأمراء من رتب مختلفة وتعدّدت أوصافهم واختصاصاتهم ومن بينهم مَن نادوا بالولاء للتنظيم الإرهابي فنُصِّبوا أمراء. ومنهم مَن تولّوا تجنيد المناصرين لضمّهم الى صفوف التنظيم ومَن برعوا في تفخيخ السيارات وتجهيز الأحزمة الناسفة وتدريب الإنتحاريين فنُصِّبوا قادة.
وإن كان ثابتاً أنه مع توقيف أيّ إرهابي أو مجموعة يكون لبنان قد أنجز مهمة أمنية استباقية وحال دون تنفيذ عملية في هذه المنطقة أو تلك. فما بات مؤكداً أيضاً، أنّ أيّاً ممّن أوقفوا لم يستدرج «داعش» بعد الى البحث في مصير المخطوفين العسكريين لديه رغم الجهود المبذولة لفك أسرهم أو تحرير مطرانَي حلب والصحافي سمير كساب وآخرين مفقودين في مناطق متعددة من سوريا.
على هذه الخلفيات توقفت مراجع معنيّة أمام سيل الروايات التي واكبت توقيف الأمير الأخير. فسارع بعض وسائل الإعلام والمواقع الإلكترونية الى الحديث عن حصيلة التحقيقات معه قبل أن يشفى أو أن يلتقي به محقق وحرص البعض على أن يرفق الحديث عن هذه التحقيقات مبشّراً بفتح ملف العسكريين مذيّلاً بنفي مرجع أمني بدء التحقيق معه.
ولذلك تحرص المراجع الأمنية على التعبير عن استغرابها وأسفها من إصرار البعض على ارتكاب الهفوات الإعلامية ونشر معلومات لا أساس لها من الصحة ولا تستند الى أيّ مرجع أمني، علماً أنّ الموقوفين الجدد هم في عهدة جهاز أمني واحد لم يُسأل عن مضمونها.
ولذلك سعت هذه المراجع الى إنعاش ذاكرة البعض بالعودة الى مسلسل التوقيفات التي وضعت عدداً من أمراء «داعش» وقياديّيه في السجون أو تحت التراب من دون أن تسجّل قيادتهم أيّ ردة فعل تتصل بملف العسكريين المخطوفين فإنحصرت الأضرار على المس بمعنويات أهالي العسكربين والمجتمع المحيط بهم والمتعاطف معهم.
وفي المناسبة فقد ذكّرت المراجع الأمنية المعنية بالملف بالجهود التي بُذلت سابقاً والآمال التي عُلّقت على أشخاص ادّعوا استعدادهم للوساطة ونُسجت الروايات الهوليودية ليظهر لاحقاً أنهم غير مؤهّلين لمثل هذه الأدوار الكبيرة والدقيقة.
والتجارب على ذلك كثيرة، فقد سبق للمعنيين أن تعاطوا مع أشخاص من هذا النوع على مدى الأشهر الماضية التي أعقبت الإفراج عن العسكريين وراهبات معلولا وعملية التبادل بين مسلّحي ومدنيّي الزبداني في ريف دمشق من جهة والفوعا وكفريا في شمال سوريا من جهة ثانية.
وتضيف المراجع الأمنية، قد يكون ضرورياً الكشف اليوم عن فشل عدد من محاولات بقيت طيّ الكتمان ويعود بعضها الى عامين ومنها محاولة وسيط ادّعى القدرة على كشف مصير مطرانَي حلب فتبلّغ بالموافقة شرط توفير ما يؤكد سلامة المطرانين بتسجيلٍ مصوَّر يتضمّن عبارة محدّدة لا تخطر على بال أحد يشيران اليها في حديثهما بما يؤكد أنه شريط جديد يستأهل أن يكون في شكله ومضمونه إشارة واضحة لبداية مفاوضات منتجة. وفي انتظار هذه الخطوة بُلّغ الوسطاء المزعومون أنّ النظر الى الأتعاب المالية التي كانوا يطالبون بها أمر ثانوي وسيكون مدار بحث في الوقت المناسب.
وهو أمر لم يبصر النور فذهب بعض الوسطاء ولم يعودوا بعد، فيما تمنّى آخرون مزيداً من الوقت لترجمة وعودهم وهو ما أكد أنهم كانوا سعاة مال حرام وقد تمكّن البعض من نيله بخدعة.
وعليه، وتجنّباً للدخول في كثير من التفاصيل يبقى الأمر الأهم أن يعبّر قادة داعش عن استعدادهم لمثل هذه الخطوة لتبدأ المفاوضات، وعدا ذلك فالحديث عن وسطاء جدد وقدامى وارد في أيّ وقت. والى تلك اللحظة التي يبرز فيها المفاوض الجدي فمن الأجدى أن يبقى الملف بعيداً من الأضواء فهو الى اليوم في أيدٍ أمينة والتجارب السابقة خير برهان.