الأربعاء 22 شباط 2023 17:08 م

بوسعك أن تنقذ الأرض... فهل تعرف كيف؟


* جنوبيات

معظم المواطنين، بخاصة في البلدان العربية، يعتبرون أن مهمة المحافظة على البيئة هي من اختصاص الدولة ومؤسساتها بعيداً منهم. لكن الحفاظ على البيئة يبدأ من وجود بصمة بيئية لكل فرد عبر سلوك يومي متراكم يستطيع من خلاله المساهمة بشكل فعال في الحفاظ على بيئة نظيفة ليس فقط لحياته الآن، بل ولأبنائه وأحفاده من بعده، وهذا العمل يحتاج إلى خطط بسيطة ومستدامة لحياة أنقى وأكثر صحة.

البصمة البيئية

يعرف وليام روس البصمة البيئية بأنها "مساحة الأرض المنتجة، والنظم الأيكولوجية المائية اللازمة لإنتاج الموارد والمواد التي يتم استهلاكها، واستيعاب النفايات الناجمة عن مجتمع يعيش عند مستوى حياة معين على كوكب الأرض"، أي أنها مؤشر لقياس تأثير مجتمع ما على الموارد الطبيعية ومستوى استدامة نمط عيش السكان وتأثيرهم في كوكب الأرض

يعد مصطلح البصمة البيئية أحد المعايير الرائدة في قياس الطلب البشري المتزايد على الموارد الطبيعية المحدودة المتمثلة بالأراضي الزراعية، ومصائد الأسماك الطبيعية، والمراعي الطبيعية، والأراضي المستخدمة في البناء، والغابات، وانبعاث الكربون، ورصد تأثير الإنسان على النظم البيئية، وتقييم استدامة نمط العيش لسكان أي مجتمع أو دولة، مع الأخذ في الاعتبار طريقة المأكل والمشرب والانتقالات والمسكن والأنماط والعادات الحياتية الأخرى، في محاولة لقياس مساحة الأرض المطلوبة بشكل عام لتزويد السكان بالمواد والموارد بالهكتار بناء على معدلات الاستهلاك المتباينة جغرافياً، وكذلك قياس المساحة اللازمة لامتصاص واستيعاب نفاياتهم بالهكتار.

الطعام والنفايات

يعتبر الغذاء من بين أكبر ثلاثة مكونات للبصمة البيئية، فالاستهلاك الغذائي يعتمد بشكل كبير على العادات الغذائية، وبخاصة كثيفة البروتين مثل اللحوم والحليب ومشتقاته، وما تتطلبه هذه الثروة الحيوانية من مساحات شاسعة من الأراضي، بالتالي فهي دعوة مبطنة لإزالة بعض الغابات لرعاية المواشي.

يستطيع المواطن العادي، عبر اتباع نظام غذائي أقرب للنباتية والاستهلاك النباتي بشكل عام من خضراوات وحبوب، إضافة إلى التقليل من استهلاك اللحوم وما تنتجه من مشتقات مختلفة، أن يسهم في الحفاظ على المناخ والحد من غاز الميثان الضار بالبيئة.

تقول منظمة الأغذية والزراعة العالمية التابعة للأمم المتحدة "فاو" في تقرير على موقعها الرسمي "دعونا نركز برهة على مجال يسمح بتحقيق أثر سريع نسبياً ومباشر من أجل مكافحة تغير المناخ، ألا وهو الحد من الانبعاثات الناجمة عن مليارات رؤوس الماشية على كوكب الأرض. ومع أنها تشكل مصدراً أساسياً أو أحياناً المصدر الوحيد للتغذية والدخل بالنسبة إلى بعض المجتمعات الأفقر في العالم. فإنه من خلال الاستثمار في طرق أفضل لإطعام الماشية وإدارتها يمكننا الحفاظ على سبل كسب العيش وتوفير تغذية أفضل للأشخاص، مع الحد في الوقت ذاته من الآثار الضارة للميثان والغازات الأخرى".

يقول المتخصصون المناخيون إن هدر الطعام بكميات كبيرة يزيد من إمكانية ارتفاع غاز الميثان، الذي يعتبرونه أخطر على المناخ بـ36 مرة من ثاني أكسيد الكربون، وهذه دعوة إلى استهلاك الطعام بكميات محددة، وليست فوق حاجة الفرد.

وسائل النقل

في ظل عصر استهلاكي بامتياز، تتهافت الشركات من كل أنحاء العالم لتسويق منتجاتها، وتتسابق المتاجر لإعلان ما لديها. لكن لا أحد يتساءل: كيف وصلت هذه البضائع إلى الرفوف واستقرت حيث توجد؟ فيلتقطها الإنسان من دون التفكير في الرحلة التي خاضتها وصولاً إلى بلده والمتجر الذي يشتري منه. بماذا أتت وكيف؟ لا أحد يعرف كم من المسافات قطعتها في البر أو البحر أو الجو مستهلكة وقوداً لا بد أن يؤثر في البيئة لأجيال عدة.

تعد وسائل النقل من أكثر مسببات تغير المناخ، فنقل البضائع داخل البلد الواحد أو في جميع أنحاء العالم مسؤول عن نحو ستة في المئة من مجموع انبعاثات الغازات الدفيئة عالمياً، بحسب تقديرات المنتدى الاقتصادي العالمي.

على الصعيد الفردي، يعمل كل فرد في العالم العربي للحصول على امتياز امتلاك سيارة أو أكثر، مما يعني ازدياداً مطرداً في التلوث والإضرار بالمناخ، لذلك لا بد من الحد من استخدام وسائل النقل الفردية والتوجه لوسائل النقل العامة، أو التنقل عبر الدراجة الهوائية، أو سيراً على الأقدام وبخاصة في المناطق القريبة، حيث لوحظ أن الإنسان تخلى عن استخدام قدميه وأصبح كسولاً لدرجة أنه يحتاج وسيلة نقل لينتقل مسافة 300 متر، وهذا ضرر بالإنسان وبالبيئة.

تسبب ملوثات السيارات آثاراً فورية وطويلة المدى على المناخ، حيث تطلق عوادم السيارات مجموعة واسعة من الغازات والمواد الصلبة مما يتسبب في الاحترار العالمي والأمطار الحمضية، إذ تنتج السيارات أكثر من نصف انبعاثات أول أكسيد الكربون والهيدروكربون، ويمكن أن تتسبب هذه الانبعاثات، بما فيها الجسيمات الدقيقة، في مشكلات التنفس والقلب، إضافة لارتفاع خطر الإصابة بالسرطان. كما تسبب ضرراً، ليس فقط للإنسان والهواء، بل وللتربة والمياه والثروة المائية، إذ أثر التسرب النفطي لشركة BP عام 2010 والذي شمل 16 ألف ميل من السواحل الأميركية، في نفوق أكثر من 8 آلاف حيوان.

أساس الحياة

إن مسألة المياه تتجاوز مجرد توفيرها وخدمات الصرف الصحي والنظافة الشخصية وإدارة الموارد الطبيعية، فالمياه أساس كل أشكال الحياة على الأرض، وحق أساسي من حقوق الإنسان، لذلك فوضعها في صميم استراتيجيات العمليات المتعلقة بالمناخ العالمي والتنمية المستدامة هو وسيلة أساسية للمضي قدماً.

وبينما تعمل الأمم المتحدة مع الدول على الحد من تلوث المياه، لا يُعنى الأفراد باتباع خطوات بسيطة تجاه الحفاظ عليها، بدءاً من رمي الأوساخ فيها بخاصة المواد البلاستيكية، التي أصبح البحر واليابسة موطناً دائماً لها مما أثر في البيئة بشكل خطر، وكذلك هدر المياه وبخاصة في العالم العربي الذي تعاني أكثر من 12 دولة به من شح المياه مما يؤثر بالتالي في التربة والغذاء وبالنتيجة في الإنسان.

بينما تعمل الأمم المتحدة مع الدول على الحد من تلوث المياه لا يُعنى الأفراد باتباع خطوات بسيطة تجاه الحفاظ عليها (بيكسلز)​​​​​​
ومن المياه إلى البيوت التي أصبحت في معظمها إسمنتية، وما تنتجه صناعة الإسمنت هو ثلث قيمة النشاط الصناعي المسؤول عن إنتاج غازات دفيئة مضرة بالمناخ. لذلك ينصح المتخصصون المواطنين بالعيش في بيوت صغيرة، أو العودة إلى استخدام المواد الأصلية من البيئة إن أمكن ذلك، كما يدعونهم للتقليل من استخدام الأدوات الكهربائية والعمل على الاعتماد على موارد طاقية صديقة للبيئة في منازلهم كالطاقة الشمسية، وزراعة شرفات المنازل بالنباتات الخضراء التي تساعد على الحد من انتشار ثنائي أكسيد الكربون في الجو.

دائرة مدمرة

إذن المسؤولية الشخصية والخيارات البسيطة اليومية تصنع فارقاً واضحاً في الحفاظ على المناخ، لكن الأفراد في المجتمعات العربية لديهم تساؤل دائم: ماذا سأغير وحدي؟ والجواب في قضية البيئة واضح، فكل خيار صحيح وصديق للبيئة هو خطوة للأمام للحفاظ على هواء وماء نقيين. وزراعة نبتة مهما صغرت في أي بيئة هي خطوة مفيدة، كما أن التقليل من ثقافة الاستهلاك التي وقع الإنسان ضحية لها في عالم مجنون لا يتوقف عن الإنتاج، بات أمراً حتمياً لبقاء كوكبنا.

فالإنسان لا ينبغي أن يعيش على حد السيف، متوتراً وجامحاً نحو امتلاك كل شيء، والحصول على ما يطيب له تحت عنوان عريض هو إشباع الرغبات، لأن ذلك يؤدي إلى حياة يقتل الإنسان فيها نفسه بنفسه نتيجة خيارات استهلاكية لو فكر بها لما هم باقتنائها.

لذلك لا بد من إعادة تدوير بعض المنتجات التي تهدر مع النفايات، مثل الورق والزجاج وأكياس البلاستيك، كما أن تقليل استخدام البلاستيك وكل ما ينتج من هذه المادة من ضرر للبيئة سيخفف المعاناة، كأن توضع كل الأشياء في كيس واحد، وهناك من يدعون لمقاطعة البلاستيك ممن يأخذون معهم حقيبة خاصة يملأونها بما يحتاجون وبذلك يستغنون عن الأكياس.

إن الإنسان يعيش اليوم في دائرة مدمرة، فهو يحتاج لأن يستهلك أكثر، بالتالي أن يدفع أكثر، والأهم أن عليه أن يعمل أكثر، وهذه حلقة مفرغة تحتاج للتفكير في الخلاص منها وتخليص الإنسان لنفسه وللبيئة التي يعيش فيها لينحو باتجاه ثقافة البيئة الخضراء.

 

المصدر :جنوبيات