السبت 11 آذار 2023 16:47 م |
خيبة في أميركا.. صدمة في اسرائيل |
حدث استثنائي في الصين: حوار بين السعودية وإيران إمتدّ لأيام، وإعلان عودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين خلال شهرين. خطوة مباركة في توقيتها ومضمونها وأبعادها وانعكاساتها على كثير من الساحات. هي تتويج للعلاقات الصينية – الإيرانية والتي أنتجت اتفاقات استراتيجية سياسية واقتصادية بمئات المليارات من الدولارات في ظل العقوبات على إيران والتهديدات الأميركية المتتالية للصين "المنافس الاستراتيجي الأول" كما تراها إدارة الرئيس بايدن. وتتويج لنتائج القمم الثلاث التي عقدت في الرياض في كانون الأول الماضي أثناء زيارة الرئيس الصيني المملكة. قمة سعودية صينية. قمة خليجية صينية وقمة عربية صينية. القمم كانت أيضاً حدثاً شكّل بداية تحوّل على مستوى العلاقات مع الصين ودورها في المنطقة، والقرار السعودي كان استراتيجياً في هذا المجال. لم تنقطع الاجتماعات واللقاءات والمتابعات بين كل من الصين وإيران - وآخرها زيارة الرئيس ابراهيم رئيسي بكين - والصين والسعودية. تمكّنت الصين من رعاية الحوار بين الدولتين المقطوعة العلاقات بينهما منذ عام 2016 وما ترك ذلك من تأثيرات على الاستقرار في المحيط ومحاولات كل من أميركا واسرائيل بالتحديد استغلال هذا الأمر لتنفيذ مشاريعهما. كان لدولة عُمان أدوار تمهيدية، وكذلك للحوار الإيراني – السعودي في بغداد. وكانت روسيا متابعة عن كثب وهي الدولة التي وثّقت علاقاتها مع السعودية التي كان وزير خارجيتها فيصل بن فرحان في موسكو أثناء انعقاد الحوار في بكين وقبل أيام من إعلان الاتفاق، وكانت إشادة روسية بدور المملكة في أوكرانيا التي زارها بن فرحان أيضاً، مع الإشارة الى تقاطع في كثير من المواقف بين الصين والسعودية في موضوع الحرب في أوكرانيا.
اتفاق الأمس مهم جداً بعد سنوات من التوتر بين إيران والمملكة كاد أن يأخذ المنطقة كلها الى مخاطر كبرى ونتائج بشعة . طبعاً، لا يُتوقع أن ينتهي كل شيئ اليوم وبمجرد الإعلان عن الاتفاق الذي ناقش وعلى مدى أيام كل المشاكل العالقة والقضايا الاستراتيجية لذلك لا يجوز التسرّع. ينبغي الهدوء والجدية والحرص في التعاطي الإيجابي مع ما تحقق آخذين بعين الاعتبار الرعاية الصينية الاستثنائية والمتابعة الدقيقة لمضمون الاتفاق وتنفيذه. والكلام الذي أدلى به وزير الخارجية السعودية فيصل بن فرحان كان غاية في الدقة والحكمة عندما قال: "استئناف العلاقات الدبلوماسية يأتي إنطلاقاً من رؤية المملكة القائمة على تفضيل الحلول السياسية والحوار وحرصها على تكريس ذلك في المنطقة. يجمع دول المنطقة مصير واحد وقواسم مشتركة تجعل من الضرورة أن نتشارك معاً لبناء أنموذج للازدهار والاستقرار لتنعم به شعوبنا".
كلام يحمل رؤية واقعية ويحدّد هدفاً استراتيجياً على مستوى المنطقة كلها. ولأنه كذلك كانت الخيبة في أميركا. نعم ، خيبة كبرى. "نحن نرحّب بالاتفاق. ولكن ينبغي رؤية ما إذا كانت إيران ستفي بالتزاماتها"!! هذا ما قاله جون كيرلي الناطق باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض. وأعلن مسؤول آخر: "كنا في أجواء الاتصالات التي تجري"!! في الداخل الأميركي انتقادات لإدارة بايدن . تحميلها المسؤولية لأنها أدارت الظهر للسعودية لـ"الحلفاء" أشعرتهم بأنها "تخرج من المنطقة" "تتخلى عن حمايتهم"...
أما الصدمة الكبرى فكانت في اسرائيل دولة الإغتصاب والإرهاب التي يحذّر رئيسها من نتائج كارثية لما يجري فيها من انقسامات ونبّه الى خطر "تمزقها" وهي كانت تراهن على حشد أكبر قوة لمواجهة إيران باعتبــــارها "العدو المشترك لنا وللعرب" "والتهديد الوحيد لأمن واستقرار المنطقة" كما يكرّر القول نتانياهو وغيره من المسؤولين الاسرائيليين. صدمة كان اتفاق بكين. هو بين السعودية وإيران. وهو صدر من بكين ولكل ذلك دلالات مهمة.
يولي أدلشتاين رئيس لجنة الخارجية والأمن البرلمانية قال: "التطورات بين إيران والسعودية خبر سيئ جداً لاسرائيل والعالم الحر بأسره"!! "العالم يدور من حولنا ونحن نتصارع داخلياً. أناشد كل الأطراف العودة الى الحوار وحل القضايا الخلافية والتكتل في مواجهة الخطر الوجودي المحدق باسرائيل".
يائير لابيد رئيس الحكومة السابق: "الاتفاق فشل كبير وخطير للسياسة الخارجية لحكومة اسرائيل وانهيار لجدار الدفاع الإقليمي في وجه طهران"!!
مسؤولون اسرائيليون إرهابيون آخرون قالوا: "الاتفاق يؤثر على التطبيع بين اسرائيل والرياض".
وسائل الاعلام الاسرائيلية وفيما يشبه الإجماع: "الاتفاق مفاجئ. ناجم عن ضعف إدارة بايدن والحكومة الاسرائيلية".
هذا هو الواقع دون مبالغة. القلق. الصدمة. الأزمة والخلافات والاتهامات هي في أميركا واسرائيل وبينهما و"التوتر المصيري" هو داخل دولة الإغتصاب والإرهاب. من هنا أهمية الاتفاق كنقطة انطلاق، يراهن عليه بهدوء بمتابعة وتوقعات حكيمة عاقلة واقعية منطقية. لكن دون أدنى شك هو أعطى قوة دفع كبير ليس لمصلحة الطرفين فقط بل لمصلحة الاستقرار في المنطقة على قاعدة ما ورد في مضمونه. شكراً للصين. نعم للحوار الدائم. والأمل بحدوث نقلة نوعية بالتدرّج في معالجة المشاكل القائمة آخذين بعين الاعتبار أن ثمة من سيحاول العرقلة وخلق المشاكل وأن ثمة من لا يريد قراءة الاتفاق ومضمونه وأبعاده في أكثر من ساحة لأنه أسير الأحلام والأوهام والتمنيات والمشاريع التي تتناقض مع ما تمّ التوصّل اليه.
تبقى إشارة. منذ يومين كتبت عن "فلسطين العربية: أمانة سعودية". خطوة السعودية اليوم في خانة الأمانة لأن الرهان الاسرائيلي – الأميركي قائم على استقطاب المملكة في ظل الإصرار الاسرائيلي على المجازر والمذابح والتوسّع واستهداف المقدسات على قاعدة أن أرض فلسطين هي للإرهابيين. الأمل أن يبنى على ما تحقق. على الذاكرة والتاريخ والمصير المشترك لدول المنطقة لتحقيق سلام آمن وشامل ودائم فيها. إنها بداية طريق تستحق السير فيها وتحمّل كل المعاناة!!
غداً: ماذا عن لبنان؟
المصدر :جنوبيات |