إدّعت المحكمة الجنائية الدولية على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بارتكاب جريمة حرب في أوكرانيا من خلال إقدامه على "ترحيل قسري لأطفال أوكرانيين الى أراضي الاتحاد الروسي". فور صدور القرار هلّل الغرب وذهب بعض قادته الى الدعوة الى اعتقاله فوراً. وخرج الرئيس الأميركي جو بايدن مصرحاً: "إن القرار مبرّر. رغم عدم اعترافنا بالمحكمة الجنائية". لماذا لا تعترف الولايات المتحدة؟؟ لأنها لا تقبل أن يحاكم مسؤولوها وضباطها وجنودها الذين ارتكبوا جرائم حرب ضد الإنسانية في غزوات بلادهم دولاً أخرى. ولهذا السبب تدعم أميركا اسرائيل في موقفها المشابه من المحكمة وتغطي أعمال إرهابييها ضد أبناء الشعب الفلسطيني خصـوصاً والعرب عموماً. وتضغط على السلطة الفلسطينية إن هي فكرت في الذهاب الى المحكمة للإدعاء على اسرائيل بسبب جرائمها المفتوحة ضد الفلسطينيين عموماً والأطفال منهم تحديداً. وإذا حصرنا الحديث بالأطفال فقط فإن اسرائيل تعتقل 160 طفلاً فلسطينياً في سجونها وتمارس ضدهم أبشع أنواع التعذيب والإرهاب الجسدي والمعنوي فمن يحمي حقوق هؤلاء؟؟ وبأي حق تمارس دولة الاغتصاب والإرهاب هذه الممارسات؟؟ أليست هذه جرائم حرب ضد الأطفال؟؟
وللتذكير فقط كتبت بتاريخ 5/4/2021 مقالاً بعنوان "فضيحة أطفال اليمن اليهود" حيث ان العصابات الاسرائيلية استقدمت عائلات يهودية من اليمن وكشف لاحقاً أن عدداً من الأطفال فُقد ، ولم يعرف مصيرهم. طالبت عائلاتهم بالبحث عنهم فقال المسؤولون الاسرائيليون: ماتوا!! ثم تبين أنهم اختطفوا من المستشفيات وعرضوا للتبني لعائلات ناجية من "الهولوكوست" وكانت من دون أطفال. ثم تطورت الأمور ليُكشف دور أطباء في مستشفيات كثيرة قدموا إغراءات لعائلات فقيرة فباعوا أطفالهم الى عائلات ثرية أيضاً!! نتنياهو جاء ليغطي الفضيحة التي هزّت اسرائيل بعرض "دفع تعويضات مالية للعائلات أو ممن بقي منها، التي فقدت أطفالها دون تحديد مسؤوليات أو تقديم اعتذارات" .
وبتاريخ 18/4/2022 كتبت مقالاً آخر بعنوان: "فضائح اسرائيل ومعايير العالم الحر" حول القضية ذاتها التي استمرت بالتفاعل داخل المجتمع الاسرائيلي، وكشف ان عدد الأطفال "المفقودين" الموزعين على عائلات يهودية ثرية أو المباعين وصل الى حد العشرة آلاف طفل، ورفضت وزارة الصحة تحمّل أي مسؤولية، بل قامت ضجة حول دور "الموساد" ومصلحته في إخفاء المعلومات.
وتناولت في مقالات أخرى الممارسات الاسرائيلية الإرهابية ضد الأطفال الفلسطينيين وإعدامهم أمام أهلهم، ومنعهم من الذهاب الى المدارس، واعتقالهم، وتعذيبهم لأنهم يحملون أقلام "رصاص"، إضافة الى تعذيب الأهالي والاعتداء عليه أمام أبنائهم الأطفال وما يترك ذلك من انعكاسات نفسية وصحية عليهم، وليس ثمة من يسأل اسرائيل. كذلك تناولت في كتاب "إدارة الإرهاب" حول غزو العراق ونتائجه في عدد كبير من المقالات استهداف الأطفال العراقيين وقتل الآلاف منهم ولم يسأل أحد الإدارة الأميركية وجيشها، ولم يحاسب أحد على الغزو الذي تبيّن أنه بُني على أسباب مختلقة إذ أن العراق لم يكن يملك سلاح دمار شامل، كما اعترف وزير الخارجية الأميركي آنذاك كولن باول والذي كان سابقاً رئيساً لأركان الجيش، وقال إن المخابرات الأميركية "غشّته" وعمّمت معلومات خاطئة. كان الغزو يهدف الى تحقيق "الديموقراطية" "وبناء الشرق الأوسط الجديد" فكانت النتيجة دماراً وخراباً شاملاً وكوارث معمّدة بدماء الآلاف من الأطفال العراقيين ولا نتحدث عن الجرائم الأخرى الموثّقة والتي أقرّ بها أميركيون، لكن لم يحاسب أحد . اليوم، أميركا والغرب يهللون لاتهام الرئيس الروسي بتهمة نقل قسري للأطفال من أوكرانيا الى روسيا . وهؤلاء لم يقولوا كلمة في ممارسات أميركا وحلفائها في ساحات كثيرة في العالم . ولا يقولون كلمة عن إرهاب اسرائيل المستمر ضد الأطفال الفلسطينيين اعتقالاً وقتلاً وتجويعاً وحرماناً من الحق في الحياة الكريمة. الموقف هنا ليس دفاعاً عن الرئيس بوتين بل للتساؤل عن المعيار الواحد في اتخاذ القرار ومقاربة المشاكل. الطفل، طفل في أي مكان إذا كنا نفكر به إنسانياً وأخلاقياً . فأين الغرب مما ذكرناه ؟؟ ومن يفكر بحماية الشعب الفلسطيني اليوم وما تقوم به عصابة الإرهابيين بقيادة نتانياهو يهدّد الأمن والاستقرار في كل المنطقة ويشكل نوعاً من الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني فأين المحكمة الجنائية الدولية؟؟ وهل يمكن للمدّعي العام فيها كريم خان أن يجيبنا عن اسرائيل وتمرّدها ضد المحكمة وعن أميركا التي هدّدت قضاتها بمنعهم من دخول أراضيها وفرض عقوبات عليهم إذا أقدموا على استدعاء اسرائيليين وهو الذي قال تعليقاً على القرار ضد بوتين: "أعتقد أن أولئك الذين يعتقدون أنه من المستحيل محاكمة بوتين فشلوا في فهمهم التاريخ لأن مجرمي الحرب النازيين ورؤساء يوغوسلافيا وليبيريا وتشاد السابقين كانوا جميعاً أفراداً يتمتعون بالسلطة والنفوذ ومع ذلك وجدوا أنفسهم في قاعات المحاكم فلا ينبغي لأحد أن يشعر أن لديه القدرة على الإفلات من العقاب".
ننتظر الوقت الذي نرى فيه المحكمة تتجرأ على مجرمي اسرائيل وقادتها وعلى مجرمي الحرب الأميركيين أيضاً وغيرهم!! قبل ذلك صدقية المحكمة ومعاييرها موضع تساؤل وتشكيك من قبل كثيرين.