الأحد 2 نيسان 2023 22:06 م |
دولة الاحتلال ومتغيرها وفي تأثير تغييره ( 2/3) |
* جنوبيات والمحور الثالث هو على صعيد المنطقة، ولكون دولة الاحتلال تقوم بدور وظيفي استعماري في المنطقة وجزء من هذه الوظيفة السيطرة والنفوذ، ولعل هذا ما يجعل من التغيير في هذا الكيان ما يفرض تغييرا في سلوك المتأثرين والمستهدفين، وإن استمرار الاحتلال لفلسطين وتمديد اجل هذا الاحتلال وتدعيم وسائل استمراره وبقائه مرتبط بمجموعة من العوامل والموازين الاستعمارية متعلقة بكل حالة المنطقة والإقليم، وهذا ما سيجعل في عمق هذا المحيط من يتأثر بشكل مباشر وملموس من هذا التغيير، مع الأخذ بعين الإعتبار أن التغيير في كيان دولة الإحتلال( منذ ما يزيد على عقد ونصف العقد) رافقه مجموعة من الأحداث المهمة والإستراتيجية على صعيد كافة المنطقة وتحديدا فيما يتعلق بالدول العربية، حيث واجهت الأمة ربيعا عبريا بامتياز من حيث الاهداف والشعارات والتمويل والإستخدام والتوظيف، ووجود تمويل عربي لتدمير مجموعة من الدول العربية والتي لم تستطيع أن تصمد به سوى سوريا العربية بفضل شعبها وقيادتها وجهود حلفائها، وهؤلاء الحلفاء الذين كانوا يدركوا معنى تدمير سوريا وبسط سيطرة الاحتلال على اراضيها وشعبها عبر حلفاء الاحتلال الذين اسندت لهم مهمة تدمير سوريا، وما لحق ذلك من الاعلان عما سمي "صفقة القرن" والتي حملت مضامين واهداف استراتيجية وفي عمقها هدف حسم الصراع لصالح كيان الاحتلال وشطب الحقوق الفلسطينية والقضية الفلسطينية من مركزية الصراع، وهذه الحقوق التي كان اساس التسوية عليها لا تتضمن كافة الحقوق الفلسطينية بل ما أصطلح عليه بالممكن والذي لم تتنازل دولة الإحتلال عنه عبر تسوية عمرها تجاوز الثلاثة عقود. أما الهدف الثاني فكان دفع مجموعة من الدول العربية لإعتبار كيان الاحتلال طبيعي في الوجود والنفوذ، ومن مظاهر فرض ذلك وتسويقه إقامة تحالف بتمويل عربي يتربع على رأس هرمه كيان الاحتلال، تحت ذريعة ومبرر وجود عدو مفترض للكيان والعرب يتمثل بايران، وقد سبق ذلك اقامة غرف عمليات مشتركة بإدارة غربية وشراكة عربية وكيان الاحتلال امنيا واستخباريا لإدارة الربيع العبري، غير أنه ما اصطلح عليه من تسمية وصفقة( القرن) لم يكن العرب أو الفلسطينيين طرفا بها بل كان كيان الاحتلال والولايات المتحدة الامريكية برئاسة دونالد ترامب، ولحق الإعلان عن هذه الصفقة دخول دول عربية في اتفاقيات تخدم اهداف هذه الصفقة ومن هذه الاتفاقيات الاتفاقية التي سميت بالاتفاقية الابراهيمية، وهذه الاتفاقية الشاذة من حيث التكوين والنشأة والدعوة والمبرر- لم يسبق في علاقات الدول الحديثة ما كان مثلها- وحملها للكثير من المخالفات للأعراف الدولية وبروتوكولات الاتفاقيات- الوحدة بين الديانات "اليهودية والمسيحية والاسلامية " لمواجهة الديانات الاخرى – وكأن من وقعوا عليها يمثلوا الديانات الاخرى أو ان هناك صراع مع باقي الديانات الاخرى والديانات السماوية وهؤلاء منقذوا الديانات، وما يحمله هذا من مخالفة صريحة لميثاق الامم المتحدة. وإن التغيير الذي يأتي عليه كيان الاحتلال سيضع هؤلاء ومن لحق بهم وسبقهم في موقف واضح من حيث الإنطواء أو المواجهة مع الصهيونية اليمينية التي بات وجودها في كيان الاحتلال ممتد إلى القرار و التشريع، فلا مجال في هذه الحالة مع كل دعوات التسوية لكيان كل اشكال التسوية لا تعنيه وليست في معرض اهدافه واستراتيجياته المتعلقة بالصراع، وإذا ما حاول البعض التقليل من هذا التغيير في كيان الاحتلال، تحت مبرر القراءة بأن هذا الصعود لهذا اليمين الصهيوني جاء من باب صراع يقوده رئيس وزراء هذا الكيان لكي لا تتم محاسبته، فهذا تسطيح وقلب لحقيقة ما جاء في كتابه الصادر عام 1994 تحت اسم" مكان تحت الشمس" وما جاء في رسالة اسحق شامير له عام 1996 بعد فوز حزب الليكود على حزب العمل بزعامة شمعون بيرس، والتي حملت لنتنياهو بأن يمد ويماطل العرب والفلسطينيين عشر سنوات تتبعها عشر سنوات اخرى وان لا يعطي شيئا ولا يتنازل عن شيء، وأن يرعى بكل قوته ويدعم اليمين الصهيوني في مشروع الاستيطان في الضفة الفلسطينية، ولعل الانتخابات الأخيرة التي جرت في الكيان قد ساهم وبشكل مباشر لوجود اتفاق إئتلافها الحكومي الحالي هو مجلس المستوطنات في الضفة الفلسطينية وفق رؤية الإستيطان التي يستند لها في الوجود اليمين الصهيوني، وهذا اليمين أصبح مستندا إلى رأي عام في مجتمع الإحتلال مفاده أن لا وجود للتسوية وان العلاقة مع الفلسطينين عبر السلطة قائمة في حدود محددات لا أفق سياسي بها، بمعنى أن البرنامج السياسي الفلسطيني القائم على التسوية والعمل لتكريس الحل على أساس الدولتين مرفوض وغير قابل للتفاوض عليه وتحقيقه أسرائيليا، ولعل أيهودا أولمرت رئيس وزراء الكيان الذي كان ما قبل نتنياهو حوكم وسجن بقضية رشوة لا تتعدى 14 ألف دولار وأدين بتهمة تعطيل القانون، وتم مداهمة دار نشر كان قد اتفق معها لنشر مذكراته التي كتبها بالسجن، وقد صدر امر قضائي بمنع صدور هذا المذكرات قبل التدقيق بها من قبل الأمن ورقابة الدولة، ولم يكن هذا كله سوى لأن أولمرت كان يريد التوصل الى اتفاق مع الفلسطينيين أنجز في مفاوضاته عليه ما تجاوز 90 % من صيغة هذا الاتفاق، وهذا الذي يتعارض مع وجود واهداف الصهيونية اليمينية التي عملت على تقويض اي فرصة لتحقيق اي حل للصراع على اساس مبدأ حل الدولتين، ومن سبيل الاستعراض لتعريف بن غفير فهو الشخص الذي حوكم لكونه قد انتزع العلم الذي كان على سيارة اسحاق رابين قبل مقتله بشهرن، وكانت رسالة بن غفير انذاك هي رسالة تهديد مباشر لرابين بأن من يصل إلى العلم الموضوع على سيارته قادر للوصول إلى جسده وهذا ما حدث. وأن هؤلاء الذين اختاروا جانب الخروج من الصراع والانطواء الى معسكر التطبيع مع الكيان سيجدوا انفسهم في عراء أمة لا يمكن لها أن تسلم لصراع يستهدف كل ثقافتها ودينها ومقدراتها وأمنها القومي إذا ما جاز أصطلاح ذلك في ظل حالة الدول العربية ومخلفات الربيع العبري، ولعل هؤلاء المفقودون في التطبيع سيكونون في مواجهة واضحة مع شعوبهم ومتطلبات شوارعهم، ولعل التغيير الذي حدث في كيان الإحتلال يصاحبه هذه الايام تغيير كوني ليس لنا كأطراف الصراع في المنطقة من قرار به، والذي رسم ملامح حجم التغيير في الكون منذ اللحظة الاولى التي انطلقت بها أول رصاصة روسية في مواجهة الناتو على الاراضي الأوكرانية، وأن هذا التغيير الكوني سيلقي بظلاله على المنطقة فيجعل بها قوى صاعدة وقوى تتوازن مع حجم التغيير الكوني وقوى تضعف وقد تتلاشى، وهذا ما سيفرض سياقات جديدة على المفقودين في التطبيع ووجودهم، ولعل من ظلال تأثيرات تغير الموازين الدولية العالمية ذلك الذي اتاح لميلاد التقارب السعودي الإيراني عبر الوساطة الصينية الطامحة لموضع متوازن في التغير الكوني الذي حدث ويرسم معالمها المصلحية والتطلعية يوما بعد يوم، وهذا التقارب الذي حقق مجموعة من الانقلابات في شكل صراع النفوذ بالمنطقة على المدى القريب والمتوسط، وما من شأنه ان ينزع ويجعل إدعاء ضرورة وجود تحالف في المنطقة يكون فيه الإحتلال طرفا به في سلم ادنى ومكانة أضعف.
وكما لم يكن الفلسطينيون طرفا في التغيير الذي حدث في كيان الإحتلال وكذلك المنطقة، غير أن هذا التغيير والتشكلات الرسمية والشعبية على صعيد كافة المنطقة، ومن لن يستطع فهم هذا التغيير وحجم ما سيفرضه سيكون عرضة لتغيير عبر موازين الطبيعة وتأثيرات سياقات الصراع واتجاهاته القادمة، ومن سيكونون متأثرين بمرض التسوية وسرابه سيكونون اكثر المتغيرين واقعا تفرضه عواقب الشكل الذي يذهب إليه الصراع بقرار واشكال يفرضها الكيان على الجميع وبشكل مباشر على الشعب الفلسطيني الذي لن يستسلم وسيكون جيله الحالي والقادم أكثر كفاءة وقدرة على مواجهة القادم بكل أبعاده الداخلية والمصيرية من شكل الصراع المعكوس من التغيير والإنحراف العنصري والإحتلالي الذي سيحاول كيان الإحتلال بناءه في لبنات الصراع بوجهه المتشكل، وإن الصهيونية اليمينية لا تعمل في الكيان للوصول إلى الحكم كما كانت تطمح بل اليوم هي تعمل على تغيير الكيان بنية .. واتجاه .. ومشروع. المصدر :جنوبيات |