الأحد 9 نيسان 2023 23:03 م

حكم إنساني في بعبدا: أخذ 10 دجاجات و7 حمامات استيفاءً لحقّه...


* علي الموسوي

يُسرق وطنُ “الأرزة ومرقد العنزة” برمّته فلا يتحرّك أحد لوقف اللصوص والمعتدين سواء أكانوا معروفين أم مجهولين، فيما يأخذ عامل أجير عشرة طيور من الدواجن لإطعام عائلته في ظلّ فقر مدقع، ولترتّب دين له بذمّة صاحب هذه المسروقات الثمينة والسمينة، فتُستنهض الهمم وتصحو النيابة العامة وتلاحقه برشقات من قانون العقوبات، قبل أن يصل الملفّ إلى قاضي الحكم حيث تنجلي الحقائق إذا ما كان القاضي صاحب ضمير ووجدان وينظر بعين القانون الملوّنة بكحل الرأفة والحكمة.
فبعدما تمنّع صاحب العمل عن تسديد أجره على مدّة عشرة شهور من دون سبب مقنع، لم يجد العامل السوري ل.ش. غير شحذ همّته والسعي لاستيفاء حقّه بالذات، فمدّ يده إلى المزرعة المؤتمن على حراستها والسهر على نمو دواجنها والإهتمام بها، واكتفى بثلاث دجاجات وسبع حمامات لعلّها تكفي لإطعام عائلته على مدى أيّام معدودات في ظلّ وضع اقتصادي مهترئ في لبنان.
ولم يجد القاضي المنفرد الجزائي في بعبدا شادي قردوحي في تصرّف هذا العامل سرقة بل استيفاء لحقّه بالذات، معارضًا وجهة نظر النيابة العامة في ادعائها، ومغيّرًا الوصف القانوني بما أملاه عليه القانون من حقّ التقدير المنطلق من لازمتي القناعة والوجدان، وخلص إلى تغريم المدعى عليه مبلغ مائتي ألف ليرة لبنانية عملًا بما تنصّ عليه المادة 429 من قانون العقوبات التي تتعلّق باستيفاء الحقّ بالذات، ثمّ تبيّن أنّ هذا العامل قد دخل الأراضي اللبنانية خلسة عن طريق التهريب والمعابر غير الشرعية ممّا يستوجب إدانته لجهة هذا الجرم، ولكنّ القاضي قردوحي ارتأى إدغام هاتين العقوبتين بما تحملانه من حبس لشهرين وغرامات مالية والإكتفاء بمدّة التوقيف التي ناهزت الـ 39 يومًا.
وقد وجد القاضي قردوحي أنّ جرم السرقة غير متحقّق، وأنّ مدّة التوقيف قد طالت أكثر من المتوقّع، فبادر إلى استجواب المدعى عليه وإصدار الحكم في اليوم نفسه، وهو ما حصل يوم الثلاثاء الواقع فيه 22 آذار 2022، في قصر العدل في بعبدا، وهكذا تتفوّق نظرة القضاء الإنسانية على ما أتته القوانين من أحكام وعقوبات.
ولا بدّ من لفت النظر إلى وجوب عدم إغراق القضاء بهذا النوع من الجرائم، خصوصًا وأنّ هناك جرائم أهمّ وأفظع تطال الوطن كلّه، فضلًا عن ضرورة العمل على التخفيف من أعداد الموقوفين والإكتظاظ في السجون والنظارات المتخمة، ولا بأس من تقديم الترْك على التوقيف ما دامت الوقائع منظورة ولا تستحقّ في الأصل توقيفًا، فمنْ يسرقْ وطنًا يُتركْ، ومن يستَعِدْ حقّه بنفسه يوقَفْ، وهذا لا يحصل إلّا في لبنان!
“محكمة” تتفرّد بنشر هذا الحكم كاملًا:
“باسم الشعب اللبناني
إنّ القاضي المنفرد الجزائي في بعبدا
ولدى التدقيق،
وحيث يتبيّن أنّه بتاريخ 2022/2/23 ادعت النيابة العامة في جبل لبنان بحقّ المدعى عليهما:
– ل. أ. ش.، والدته ر.، مواليد 1998، سوري.
– ق. أ. ش.، والدته ر.، مواليد 2000، سوري.
سندًا للمادتين 257/636 ق.ع. و32 أجانب.
وأنّه بنتيجة المحاكمة العلنية تبيّن ما يلي:
أوّلًا: في الوقائع: إنّه في تاريخ 2022/2/12 ادعى ن.ح. أمام مخفر قرنايل بأنّه يملك مزرعة دجاج وحمائم، وبأنّ المدعى عليه الأوّل ل. ش. يعمل لديه كناطور للمزرعة، وبأنّه قد تبيّن له أنّ هذا الأخير وشقيقه المدعى عليه ق.ش. قد أقدما على سرقة 4 دجاجات وسبعة من طيور الحمائم ودست، واتخذ صفة الادعاء الشخصي بحقّهما، علمًا أنّه أحضر المدعى عليه ل.ش. برفقته إلى المخفر.
وتبيّن أنّ المدعى عليه ل.ش. قد اعترف في التحقيق الأوّلي بأنّه أقدم على سرقة الدجاج والحمائم كون والدته مريضة، وبأنّه لم يحدث أن أقدم على السرقة سابقًا.
وتبيّن أنّ المدعى عليهما قد دخلا لبنان خلسة.
وأنّه أمام هذه المحكمة، نفى المدعى عليه ق.ش. ما هو منسوب إليه وأكّد أنّه لا علاقة له بالموضوع إطلاقًا.
وأدلى المدعى عليه ل.ش. بأنّه يعمل لدى المدعي، وأنّه قد ترتّبت له بذمّته أجرة عشرة أشهر وأنّ المدعي لم يسدّدها له، وأنّه أخذ بالفعل ثلاث دجاجات وسبعة طيور حمام، وأنّه أعلم المدعي بذلك لا سيّما وأنّ عائلته لا تزال تقيم في مزرعة المدعي.
ثانيًا: تأيّدت هذه الوقائع بالأدلّة التالية:
– بالإدعاء العام والشخصي.
– بالتحقيقات عامة.
– وبمجمل أوراق الملف.
ثالثًا: في القانون:
وحيث ينسب إلى المدعى عليهما اقترافهما جرم المادة 257/636 ق.ع.
وحيث إنّ للمحكمة أن تولّد قناعتها في أيّ دليل تركن إليه،
وحيث من المستقرّ عليه قانونًا أنّه يعود للقاضي المنفرد الجزائي تغيير وصف القانون،
وحيث تتمثّل جريمة السرقة بإقدام الفاعل على أخذ مال الغير خفية أو عنوة بقصد التملّك،
وحيث ثابت من معطيات الملفّ أنّ المدعى عليه ل.ش. كان يعمل ناطورًا في المزرعة، وبالتالي نستبعد أحكام السرقة بحقّه بشأن دواجن واقعة بحوزته، وبالتالي فإنّ ما أقدم عليه المدعى عليه لجهة أخذه ثلاث دجاجات وسبعة من طيور الحمام يعتبر على سبيل استيفاء الحقّ بالذات، ممّا يقتضي معه إدانته بجنحة المادة 429 ق.ع. وليس جنحة المادة 257/636 ق.ع. في ظلّ ترتّب رواتب وأجور غير مسدّدة بذمّة المدعي لمصلحة المدعى عليه المذكور.
وحيث بالنسبة للمدعى عليه ق.أ.ش.، فإنّ ما سيق بحقّه لجهة ارتكابه جرم المادة 257/636 ق.ع. لم يعزّز بأيّ أدلّة أو قرائن عامة سوى أنّه حضر إلى مكان عمل شقيقه في المزرعة، ولم يتبيّن وجود أسبقيات بحقّه، وأنّه تمسك ببراءته أمام هذه المحكمة، الأمر الذي يقتضي معه إعلان براءته من الجنحة المذكورة لعدم كفاية الدليل وإلّا للشكّ.
وحيث إنّ فعل المدعى عليهما لجهة دخولهما لبنان خلسة يشكّل جرم المادة 32 أجانب،
وحيث بالنسبة لدعوى الحقّ الشخصي، فإنّ المدعي لم يحضر أمام هذه المحكمة ويطالب بها ممّا يقتضي معه حفظ حقّه بالمطالبة بها أمام القضاء المدني المختص،
وحيث إنّ المحكمة تمنح المدعى عليهما الأسباب المخفّفة إعمالًا لنصّ المادة 254 ق.ع. نظرًا لظروفهما الإجتماعية، وملابسات القضيّة.
لذلك
يحكم:
أوّلًا: بإدانة المدعى عليه ل.ا.ش. المبيّنة هويّته أعلاه، بجنحة المادة 429 ق.ع. وليس بجنحة المادة 257/636 ق.ع. وتغريمه عنها مائتي ألف ليرة لبنانية، بإدانته بجنحة المادة 32 أجانب وحبسه لمدّة شهرين وتغريمه بمبلغ مائتي ألف ليرة لبنانية، وإدغام العقوبتين بحيث لا تنفّذ بحقّه سوى عقوبة الحبس لمدّة شهرين وتغريمه مائتي ألف ليرة لبنانية واستبدالها برمّتها سندًا لأحكام المادة 254 ق.ع. بالإكتفاء له بمدّة توقيفه الفعلي وإطلاق سراحه فورًا ما لم يكن موقوفًا بداع آخر.
ثانيًا: بإدانة المدعى عليه ق.أ.ش. المبيّنة كامل هويّته أعلاه بجنحة المادة 32 أجانب وحبسه عنها مدّة شهرين وتغريمه مائتي ألف ليرة لبنانية، وإعلان براءته من جنحة المادة 257/636 ق.ع. لعدم كفاية الدليل بحقّه وإلّا للشكّ، واستبدال العقوبة المحكوم بها بالإكتفاء بمدّة توقيفه سندًا للمادة 254 ق.ع. وإطلاق سراحه فورًا ما لم يكن موقوفًا بداع آخر.
ثالثًا: بحفظ حقّ المدعي بمراجعة القضاء المدني المختص للمطالبة بتعويضاته الشخصية.
رابعًا: بتدريك المحكوم عليهما الرسوم والنفقات كافة.
حكمًا بمثابة الوجاهي بحقّ المدعي، ووجاهيًا بحقّ المدعى عليهما،
صدر وأفهم علنًا بتاريخ 2022/3/22.
 

 

المصدر :المحكمة