الخميس 13 نيسان 2023 11:26 ص |
لبنان يعلــّم واللبنانيون لا يتعلـّمون |
* جنوبيات "اليوم 13 نيسان" الذكرى الثالثة والثلاثون لاندلاع الحرب الأهلية في لبنان. من دولة الاستقلال في 22 تشرين الثاني 1943 الى 13 نيسان 1975، إثنا وثلاثون عاماً . كانت نتيجتها الحرب بعد أن شهد لبنان خضات وهزات ومعارك وثورات وتقلبات في التحالفات والتركيبات وتداخلات وتشابكات بين العوامل الإقليمية والداخلية، وبالتالي تدخلات إقليمية ودولية في السياسة اللبنانية ومباريات على ساحتها !!
اثنا وثلاثون عاماً، لم تبنى خلالها دولة ومؤسسات باستثناء بعض الخطوات والقرارات والانجازات التي تحققت ايام الرئيس فؤاد شهاب. ورغم وجود قيادات كبيرة في البلاد تعرف التوازنات الداخلية، والصيغة اللبنانية الفريدة القائمة على أساسها، فلم تنجح التجربة ولم ينج لبنان من خطر الانزلاقات المتتالية الى مواجهات وتحديات وصولاً الى الحرب. ولو أدرك الكبار والمسؤولون منهم في مراكز القرار في تلك الفترة أهمية فرادة الصيغة اللبنانية في هذا الشرق وربما في العالم، ولو عرفوا كيف يستفيدون من الظروف لتكريس دولة واحدة وموحدة لكل ابنائها، وبناء مؤسسات قادرة على حل مشاكلهم ، لما توصلوا الى الحرب رغم التعقيدات المعروفة. برنامجاً سياسياً للتغيير والاصلاح الديموقراطي في لبنان تجاوز الحدود الطائفية والمذهبية والمناطقية وكان نموذجاً عن وحدة اللبنانيين آلاماً وآمالاً وتطلعات.
كانت تجربة القائد والمفكر السياسي الكبير الشهيد كمال جنبلاط . الذي خاض معارك سياسية كبرى في تلك الحقبة دفاعاً عن الفقراء والعمال والمزارعين والمثقفين والحرية والديموقراطية والعدالة الاجتماعية ولتأكيد انتماء لبنان الى عالمه العربي، مؤكداً دائماً أن العروبة في مفهومه هي العروبة الإنسانية الحضارية الجامعة، المتجاوزة كل أشكال العصبيات المذهبية والطائفية أيضاً وكل حواجز القمع والتسلط على الناس وثرواتها ومصالحها ومستقبلها. ميزة كمال جنبلاط في تلك التجربة أنه كان ناقداً لها باستمرار . لم يدّع يوماً أنها سليمة من الأخطاء والثغرات والشوائب. بل ذهب ابعد من ذلك ليقدم نفسه شفاهة وكتابة في مقالات وبيانات ناقداً شفافاً لتجربته معترفاً أمام الجميع باخطائه وسوء تقديره لعوامل معينة في مراحل نضاله وبالتالي ليقدم نفسه رجل سياسة يتعلم من تجاربه ويقف عند اخطائها ويعمل على تداركها.
حتى وهو يتقدم كان يدرك انه سيصل الى مكان يكرس فيه تسوية ما. التسوية التي تكرس جمالها بتكريسها جمال الصيغة اللبنانية والتي تتفاعل فيها كل مكونات للشعب اللبناني فتحافظ على خصوصياتها ولا تدع هذه الخصوصيات تدمر فكرة الدولة الجامعة تحت أي عنوان من عناوين الخوف أو الهواجس أو القلق أو الانعزال او الاستقواء او ما شابه. ومن هذا المنطلق كان يتمتع بصفة اساسية من صفات القيادة وهي إدراكه المدى الذي يمكن أن يصل اليه في تحركه دون تجاوزه وبالتالي معروف اين يجب ان يقف ليكمل تلك التسوية بجمالها !!
كأن اللبنانيين غير مولعين ببلدهم وهو يعيش أزماته وهو يعيش وثباته. والأخطر كأنهم لا يريدون أن يتعلموا فيه ومنه ومن أنفسهم وتجــــاربهم كما يتعلم منها الأجانب !! (مقاطع من مقال نشر في صحيفة الرياض السعودية بتاريخ 13 نيسان 2008) اليوم وبعد مئة وثلاثة أعوام على قيام لبنان الكبير، وثمانين عاماً على استقلاله، نقف أمام المعضلة ذاتها: اللبنانيون لا يتعلّمون (دون تعميم). لبنان في حال انشطار وانهيار . انهيار تام الدولة مؤسساتها القيم الاقتصاد والسائد لغات التخوين والتحدي والكراهية والحقد والطلاق والفدرالية والتقسيم . لغات الإقصاء والإلغاء ومحاولات التفرّد في بيئة، والاستقواء في بيئة ثانية، والقلق في أمكنة أخرى على مستقبل الجميع، إذ لا أحد سيخرج سالماً من تداعيات ما نعيشه. لبنـــان فــي فراغ رئاسي، وسياسي، ومؤسساتي، وفوضى شاملة وعبث ولا مبالاة وانعدام مسؤوليات في مراكز القرار. الكل ينتظر الخارج ويلاحق ويتابع حركة السفراء الذين يتعلمون عندنا وبنا والمؤتمرات والاجتماعات واللجان الثلاثية ثم الخماسية، ولا ندري الى أين ستصل ولنا تجربة في الحرب وصلنا الى لجان سباعية، وأخذونا الى الطاولة في الطائف ثم بعده الى الدوحة. وإذا طرح أحدهم مبادرة داخلية عاقلة ، منطلقة من الخبرة والتجربة والحرص على ما بقي في البلد ( وليد جنبلاط ) تعامل كثيرون معها سلفاً بخفّة وعبّر بعضهم عن استحالة التوافق أو التسوية وليس لديه مشروع أو فكرة واقعية عن الحل !! الكل تقريباً يتحدث عن السيادة ويرتبط بالخارج، أو ينتظره، وحركة اللبنانيين في الخارج أو معه أوسع وأكبر من حركتهم في الداخل . يفاخرون باللقاءات مع السفراء في الداخل والخارج وبزيارات العواصم، لكن غالبيتهم – من أصحاب القرار – ترفض اللقاء والحوار والنقاش في الداخل بل البعض يسخر من الفكرة. لبنان رسالة حالة فريدة نكهة مميزة في هذا الشرق بتنوّعه، والحرية والديموقراطية فيه وطبيعة نظامه وتركيبته التي يجب أن تتطور دائماً. لكن هذا النمط من اللبنانيين من كبار القوم الممسكين بزمام الأمور، وبعض صغارهم، بدل أن يستفيدوا من التجارب فيعملون لقيامة لبنان الجديد، يصلبونه أكثر ويكرّسون فرادة: لبنان يعلّـــم اللبنانيون لا يتعلّمون . المصدر :جنوبيات |